الخميس، 25 أبريل 2013

الفوقية والعرش والذات عند المالكية

وَأَنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ الْمَجِيدِ بِذَاتِهِ
****


من العبارات التي توقف عندها أئمة الفقه من المالكية وغيرهم 

عبارة الإمام المالكي الكبير أبي محمد عبد الله بن أبي زيدالقيرواني 

(المتوفى: 386هـ)

 في رسالته حين قال (ص5): (وَأَنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ الْمَجِيدِ بِذَاتِهِ).

وسبب توقفهم عندها ما عَلِقَ بأذهان مَنْ لَمْ يرسخ التنزيهُ عندهم،

 ففهموا منها الاستقرار والعلو الجهوي، ولذا تصدى الأئمةُ لبيان هذه 

العبارة وشرحها.وأحقُّ من يتولى شرحها أئمةُ المالكيةِ،

 وسوف أوقفك على طَرَفٍ من ذلك:

فمن ذلك ما ذكره الإمام العلامة قاسم بن عيسى بن ناجي 


التنوخي المالكي المتوفى سنة (837هـ)، وهو مرفق في الصورة.

وما ذكره الإمام الفقيه أحمد بن محمد الفاسي المالكي المعروف 


بزروق المتوفى سنة (899هـ)، وهو مرفق في الصورة.

وكذا ما قاله الإمام أبو الحسن المالكي (المتوفى: 939هـ) في 


كتابه كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/56): 

(وأحسن ما قيل في دفع الإشكال أن الكلام يتضح ببيان معنى 

الفوقية والعرش والمجيد والذات.

فالفوقية عبارة عن كون الشيء أعلى من غيره.

وهي حقيقة في الأجرام كقولنا: زيد فوق السطح. 

مجاز في المعاني كقولنا: السيد فوق عبده. 

وفوقية الله تعالى على عرشه فوقية معنوية بمعنى الشرف وهي 

بمعنى الحكم والملك، فترجع إلى معنى القهر، والعرش اسم لكل 

ما علا، والمراد به هنا مخلوق عظيم، وهو من جوهرة خضراء فوق 

السموات السبع، وهو أول المخلوقات على الأصح).

وأختم بنقل طويلٍ للإمام شهاب الدين النفراوي المالكي 


(المتوفى:1126هـ)في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد 

القيرواني (1/47) ممزوجاً بالمتن فقد قال:

 ((يجب اعتقاد (أنه) سبحانه وتعالى (فوق عرشه) والعرش جسم 

نوراني علوي محيط بجميع الأجسام لا قطع لنا بتعيين حقيقته،

وهو أول المخلوقات على الأصح، وفوق السموات والكرسي من 

تحته بين قوائمه، ومعناه لغة كل ما علا، والظرف خبر إن.

و (المجيد) يصح جره نعتا للعرش، ورفعه على أنه خبر لمبتدأ 

محذوف تقديره هو العائد على العرش أو على الله.

(بذاته) متعلق بالمجيد، والباء بمعنى في؛ مثل أقمت بمكة أي 

فيها. والضمير عائد على العرش أي العظيم في ذاته. 

وقيل عائد على الله والمعنى: أن هذه الفوقية المعنوية له تعالى 

مستحقها بالذات لا بالغير من كثرة أموال أو جنود كفوقيةالمخلوقات. 

ولا يصح تعلق بذاته بفوق لفساد المعنى؛ لأن المعنى حينئذ وهو 


فوق العرش بذاته وهو ممتنع؛ لأن فيه استعمال الموهم.

والحاصل أنه يجوز إطلاق لفظ الفوقية الغير المقيدة بلفظ الذات على 


الله، فيجوز قول القائل فوق سمائه أو فوق عرشه، وتحمل على 

فوقية الشرف والجلال والسلطنة والقهر لا فوقية حيز ومكان؛ 

لاستحالة الفوقية الحسية عليه تعالى لاستلزامها الجرمية

 والحدوث الموجبين للافتقار المنزه عنه الخالق جل وعلا. 

وإنما استعملها المصنف - رحمه الله تعالى -؛ لما مر عند قوله: 


{وسع كرسيه السماوات والأرض} [البقرة: 255]

من أن النفوس تجد من التعظيم والهيبة عند سماع الأشياء 

المحسوسة الدالة على الكبرياء ما لم تجده عند عدم ذلك؛

ولقيام الدليل القاطع على نفي مشابهته للحوادث في قوله: {ليس 

كمثله شيء} [الشورى: 11]

 فلا ينبغي الاعتراض على المصنف بمثل ذلك مع وروده في القرآن. 

قال تعالى: {ثم استوى على العرش} [الأعراف: 54]، وقال:

{وكان عرشه على الماء} [هود: 7]. 

ولذلك لما بلغ العلامة يوسف بن عمر تعقب بعض الشيوخ لكلام 


المصنف بأنه أثبت لله مكانا،

 رد هذا التعقب بورود الفوقية في القرآن قال تعالى: {يخافون ربهم 

من فوقهم} [النحل: 50]،

 معناه يخافون عذابه من فوقهم إن عصوه بالقهر والغلبة، وقال: {وإنا 

فوقهم قاهرون} [الأعراف: 127]

 وهو القاهر فوق عباده.

وما قيل من أن هذه اللفظة دست على المؤلف رده ابن ناجي قائلا:


 ليس هذا من إطلاق المصنف وإنما هو من إطلاق السلف الصالح 

والصدر الأول، ويمكن رد ابن ناجي بأن الذي أطلقه عليه السلف هو 

لفظ الفوقية الغير المقيدة بذاته،

 والإيهام إنما عظم من التقييد بذاته.

قال في التحقيق: أخذ على المصنف في قوله بذاته، وقيل هي 


دسيسة عليه، فإن صح هذا فلا إشكال في سقوط الاعتراض عنه، 

ولا اعترض عليه؛ لأنه لم يَرِدْ بها سَمْعٌ.

وسئل الشيخ عز الدين عن هذا هل يفهم منه القول بالجهة أم لا؟ 


وهل يكفر معتقدها أم لا؟


فأجاب: بأن ظاهره القول بالجهة، والأصح أن معتقدها لا يكفر.

وما قاله عز الدين من أن ظاهره القول بالجهة يَرُدُّهُ قول الإمام أبي 


عبد الله محمد بن مجاهد في رسالته:

مما أجمعوا على إطلاقه أنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون 

أرضه إطلاقا شرعيا، ولم يرد في الشرع أنه في الأرض،

فلذلك قال دون أرضه.
وهذا مع ثبوت علمهم باستحالة الجهة عليه تعالى، فليس هذا 

عندهم مشكلا لعلمهم بفصاحة العرب

 واتساعهم في الاستعارة، ونَقَلَ هذا الكلام بعينه المصنفُ وغيَّرَ 

لفظَهُ هنا قصدا للتقريب على المبتدئ.

وإذا تقرر هذا فالناس عالة على الصدر الأول، فإذا كان إطلاقهم هذا 


فيتعين علينا تفهمه بالتمثيل والبسط،

 إذ قد غلبت العجمة على القلوب حتى ظنت أن هذا الإطلاق يلزم 

منه إثبات الجهة في حق المنزه عنها تقدس وتعالى.

واعلم أن الفوقية عبارة عن كون الشيء أعلى من غيره وتكون 


حسية ومعنوية كزيد فوق الفرس، والسلطان فوق الوزير.

وأن الذي يجوز عليه المكان يجوز أن تكون فوقيته حسية ومعنوية.

والذي يستحيل عليه المكان والجسمية لا تكون فوقيته إلا معنوية. 


ففوقية الله على عرشه المراد بها فوقية معنوية لما قدمنا، وحمل 


الفوقية في حقه تعالى على المعنوية

مبني على طريقة الخلف وهي المؤولة، وعليها إمام الحرمين 

وجماعة كتأويل اليد بالقدرة،

وأما السلف فيقفون عن الخوض في معنى ذلك ويفوضون علم ذلك 

إلى الباري سبحانه وتعالى،

 وإلى هاتين الطريقتين أشار صاحب الجوهرة بقوله:

وكل نص أوهم التشبيها ... أوله أو فوض ورم تنزيها)).
كتبه/ سيف بن علي العصري
بتاريخ لخميس 15/6/1434 الموافق 25/04/2013 
والله من وراء القصد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق