الإيثار, القرب
الإيثار فى القرب
منهم من قال أن ( الإيثار في القُرب مكروه وفي غيرها محبوب )
ومنهم من قال بغير ذلك
نبدأ أولا بمن قال بكراهة الإيثار فى القرب
في كتاب (الأشباه والنظائر )للسيوطي قاعدة فقهية مفادها:
[[الإيثار في القرب مكروه ]]
ومعناها أن الأيثار في العبادات أو القرب من الله مكروه ،ويجب التنافس على حب الله وقربه من الجميع ،ولايجوز أن نتنازل عن القرب من الله لأي عبد من عباد الله
قال د. محمد الزحيلي في القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (2/ 703)
القاعدة: [174] الإيثار في القُرَبِ مكروه
التوضيح
إن اختيار الغير وتقديمه على النفس في الأمور المتقرب بها إلى الله تعالى مكروه، وقد يستدل لها بقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح:
"لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله تعالى".
أما غير القرب فالإيثار بها محبوب.
قال الله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) .
قال سلطان العلماء الشيخ عز الدين: "لا إيثار في القربات. . لأن الغرض
بالعبادات التعظيم والإجلال، فمن آثر به فقد ترك إجلال الله وتعظيمه ".
وقال الخطيب البغدادي في (الجامع) : "والإيثار بالقرب مكروه. . "
وقد جزم بذلك النووي في (شرح المهذب) وقال في (شرح مسلم) :
"الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى، وإنما يستحب في حظوظ النفس وأمور الدنيا"
وقال الزركشي:
"وكلام الإمام ووالده أبي محمد الجويني رحمهما الله تعالى يقتضي أن الإيثار بالقرب حرام "
فحصل ثلاثة أوجه: الكراهة، وخلاف الأولى، والحرمة.
وذكر السيوطي تفصيلاً حسناً حاصله
"أن الإيثار إن أدى إلى ترك واجب كماء الطهارة وساتر العورة، ومكان الجماعة، الذي لا يمكن أن يصلي فيه أكثر من واحد، ولا تنتهي النوبة لآخرهم إلا بعد خروج الوقت، وأشباه ذلك، فهو حرام، وإن أدى إلى ترك السنة، أو ارتكاب مكروه، فهو مكروه، مثال ترك السنة:الإيثار بسد فرجة في الصف الأول، ومثله الإيثار بالصف الأول بالقيام منه لغيره، كذا قالوه، وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين الأفضل وغيره، ومثال ارتكاب المكروه:
التطهر بالماء المشمس، ويؤثر غيره بغير المشمس، وإن أدى إلى ارتكاب خلاف الأولى، مما ليس فيه نهي مخصوص، فخلاف الأولى، قال: وبهذا يرتفع الخلاف".
التطبيقات
1 - لا إيثار بماء الطهارة، ولا بستر العورة، ولا بالصف الأول.
(اللحجي ص 58) .
2 - يكره إيثار الطالب غيره بنوبته في القراءة، لأن قراءة العلم والمسارعة إليه قربة، والإيثار بالقرب مكروه.
(اللحجي ص 58) .
المستثنى
من جاء ولم يجد في الصف فرجة فإنه يجر شخصاً بعد الإحرام، ويندب للمجرور أن يساعده، وهذا يفوت على نفسه قربة، وهي أجر الصف الأول.
وسبب الاستثناء: أن فضيلة المعاونة على البر جبرت نقص فوات الصف الأول، كما أشار إليه ابن حجر [أي الهيتمي] في (فتح الجواد) حيث قال:
"يسن للمجرور مساعدته لينال فضيلة المعاونة على البر والتقوى، وذلك يعدل فضل ما فاته من الصف الأول "، وفي (التحفة) [أي تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي] : "وليساعده المجرور ندباً، لأن فيه إعانة على البر، مع حصول ثواب صنعه، لأنه لم يخرج منه إلا لعذر".
(اللحجي ص 59) .
(لا إيثار في القرب)، ذكره بعض أهل العلم في القواعد الفقهية، واستدلوا له بما في الصحيحين وغيرهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا، والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، فتله (وضعه) رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده.
قال النووي في شرح مسلم:
وقد نص أصحابنا وغيرهم من العلماء على أنه لا يؤثر في القرب، وإنما الإيثار المحمود ما كان في حظوط النفس دون الطاعات، قالوا: فيكره أن يؤثر غيره بموضعه من الصف الأول وكذلك نظائره.
وبعد نقله أقوال العلماء المختلفة واستنتاجه بأن الإيثار في القرب عند العلماء حصل له ثلاثة أوجه، مكروه، وخلاف الأولى، ومحرم ذكر رأيه في المسألة فقال:
" قلت : ليس كذلك ، بل الإيثار إن أدى إلى ترك واجب فهو حرام : كالماء ، وساتر العورة ، والمكان في جماعة لا يمكن أن يصلي فيه أكثر من واحد ، ولا تنتهي النوبة، لآخرهم إلا بعد الوقت ، وأشباه ذلك ، وإن أدى إلى ترك سنة ، أو ارتكاب مكروه فمكروه ، أو لارتكاب خلاف الأولى ، مما ليس فيه نهي مخصوص ، فخلاف الأولى وبهذا يرتفع الخلاف".
ثم نبه إلى مسألة تتعارض مع القاعدة فقال:
"تنبيه: من المشكل على هذه القاعدة : من جاء ولم يجد في الصف فرجة ، فإنه يجر شخصا بعد الإحرام ، ويندب للمجرور أن يساعده ، فهذا يفوت على نفسه قربة ، وهو أجر الصف الأول".
أما القول الثاني وهو جواز الإيثار بالقرب وعدم كراهته
فهو وإن كان غير مشتهر مثل القول الأول إلا أنه رأي بعض أهل العلم أمثال الإمام ابن القيمالذي أجاز ذلك بل عده غاية الكرم والسخاء والإيثار، فقال رحمه الله تعالى في زاد المعاد:
ومنها : كمال محبة الصديق له وقصده التقرب إليه والتحبب بكل ما يمكنه ولهذا ناشد المغيرة أن يدعه هو يبشر النبي صلى الله عليه و سلم بقدوم وفد الطائف ليكون هو الذي بشره وفرحه بذلك وهذا يدل على أنه يجوز للرجل أن يسأل أخاه أن يؤثره بقربة من القرب وأنه يجوز للرجل أن يؤثر بها أخاه
" وقول مَن قال من الفقهاء: لا يجوز الإيثار بالقُرَبِ، لا يصح. وقد آثرتْ عائشةُ عمرَ بن الخطاب بدفنه فى بيتها جوار النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسألها عمرُ ذلك، فلم تكره له السؤال، ولا لها البذلَ، وعلى هذا، فإذا سأل الرجل غيره أن يؤثره بمقامه فى الصف الأول، لم يُكره له السؤال، ولا لذلك البذل، ونظائره. ومَن تأمل سيرةَ الصحابة، وجدهم غيرَ كارهين لذلك، ولا ممتنعين منه، وهل هذا إلا كرمٌ وسخاء، وإيثارٌ على النفس بما هوأعظمُ محبوباتها تفريحاً لأخيه المسلم، وتعظيماً لقدره، وإجابة له إلى ما سأله، وترغيباً له فى الخير، وقد يكون ثواب كل واحد من هذه الخصال راجحاً على ثواب تلك القُرْبة، فيكون المؤثر بها ممن تاجر، فبذل قُرْبةً، وأخذ أضعافها، وعلى هذا فلا يمتنع أن يُؤثر صاحب الماءِ بمائه أن يتوضأ به ويتيمم هو إذا كان لا بُد مِن تيمم أحدهما، فآثر أخاه، وحاز فضيلة الإيثار، وفضيلة الطُّهر بالتراب، ولا يمنع هذا كتاب ولا سُنَّة، ولا مكارم أخلاق، وعلى هذا فإذا اشتد العطش بجماعة، وعاينوا التلف ومع بعضهم ماء، فآثر على نفسه، واستسلم للموت، كان ذلك جائزاً، ولم يقل: إنه قاتل لنفسه، ولا أنه فعل مُحَرَّماً، بل هذا غاية الجود والسخاء كما قال تعالى: {وَيُؤثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، وقد جرى هذا بعينه لجماعة من الصحابة فى فتوح الشام، وعُدَّ ذلك من مناقبهم وفضائلهم، وهل إهداء القُرَب المجمَع عليها والمتنازَع فيها إلى الميتِ إلا إيثارٌ بثوابها، وهو عَيْن الإيثار بالقُرَب، فأى فرق بين أن يُؤثره بفعلها ليحرز ثوابَها، وبين أن يعمل، ثم يؤثره بثوابها.زاد المعاد في هدي خير العباد - (ج 3 / ص 506)
جاء في ( البحر الرائق شرح كنز الدقائق ) (ج 3 / ص 419)
( فِي حَاشِيَتِهَا لِلسَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ نَقْلًا عَنْ النِّصَابِ وَإِنْ سَبَقَ أَحَدٌ بِالدُّخُولِ إلَى الْمَسْجِدِ مَكَانَهُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَدَخَلَ رَجُلٌ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا أَوْ أَهْلُ عِلْمٍ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَهُ تَعْظِيمًا لَهُ ا هـ .
قَالَ فَهَذَا مُفِيدٌ لِجَوَازِ الْإِيثَارِ فِي الْقُرْبِ عَمَلًا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلُ تَخْصِيصٍ )
ابن القيم فكلامه يختلف في بعض كتبه وقد تكلم عن القاعدة في عدد من كتبه كزاد المعاد ومدارج السالكين والروح وطريق الهجرتين
وهو في بقية الكتب الأخرى يقرر ما اشتهر من قول الفقهاء من التحريم أو الكراهة ويذكر جواب أهل العلم عن إيثار عائشة رضي الله عنها لعمر رضي الله عنه بأن الميت لا قربة له بعد الموت فهذا ليس من الإيثار في القرب ويقرر في مدارج السالكين ان هذا ما عليه الصحابة رضي الله عنهم وهو عدم الإيثار وأنهم يتسابقون لذلك .
وربما يكون الإيثار سائغا في مواضع منها :
1 - أن يكون في الإيثار مصلحة أعظم من مصلحة القربة
2 - أن تكون القربة تسع الاثنين أو أنها لا تفوت .
وهناك أمر آخر يمكن ان يضاف:
من أدخل السرور على أخيه بتقديمه لقربة فقد قدم قربة "إدخال السرور" على القربة الأخرى وهو مفاضلة بين القرب وليس تركا للقربة
بل يرجى له أجر القربتين الأولى بفعله والأخرى بتسببه والدال على الخير كفاعله
فحينما يقدم الولد والده للصف الأول قد حصل ما هو أعظم من القربة المؤثر بها -إن سميته إيثار- وهو بر الوالد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق