الجمعة، 12 أبريل 2013

هل كلام الله تعالى بحرف وصوت ؟


سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله إمام المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد :

فإن الحشوية يعتقدون أن كلام الله تعالى بصوت وحرف، ويقولون : هذا اعتقاد السلف واعتقاد الإمام أحمد بن حنبل وفضلاء أصحابه ، وكانوا يعتقدون فيمن خالف ذلك أنه كافر مباح الدم . 

وبين يديك نقول لأكابر علماء الأمة : كأبى حنيفة النعمان صاحب خمس رسائل فى العقيدة تلقتها الأمة بالقبول ونقل عنها أئمة الدين فى كتبهم حتى ابن تيمية وابن القيم ، وكالإمام أبى الحسن الأشعرى إمام أهل السنة والجماعة الذى نصر عقائد السلف وأبان عقيدة الرئيس الكامل الإمام أحمد بن حنبل ، وكالإمام عزالدين بن عبدالسلام الذى امتحن في هذه المسألة التى نحن بصددها وكتب الله النصر لأهل السنة بعد هذه المحنة والحمد لله ،

وغيرهم من الأئمة الذين يُؤخذ الدين عنهم . ولعل هذه النقول تكون كافية شافية.

وهذا أوان الشروع فى المقصود :
فقد قال الإمام أبو حنيفة النعمان رضى الله عنه فى كتابه (الفقه الأكبر) : ونحن نتكلم بالآلات والحروف، والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف، والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق.

وقال رضى الله عنه فى كتاب (الوصية فى التوحيد على مذهب أهل السنة والجماعة) : والحبر والكاغد والكتابة كلها مخلوقة لأنها أفعال العباد، وكلام الله تعالى غير مخلوق لأن الكتابة والحروف والكلمات والآيات دلالة القرآن لحاجة العباد إليها.

وقال الحافظ ابن عساكر فى (تبيين كذب المفترى) متحدثا عن عقيدة الإمام الأشعرى رضى الله عنه : وكذلك قالت المعتزلة: كلام الله مخلوق مخترع مبتدع وقالت الحشوية المجسمة: الحروف المقطعة والأجسام التي يكتب عليها والألوان التي يكتب بها وما بين الدفتين كلها قديمة أزلية، فسلك رضي الله عنه طريقة بينهما فقال : القرآن كلام الله قديم غير مغير ولا مخلوق ولا حادث ولا مبتدع فأما الحروف المقطعة والأجسام والألوان والأصوات والمحدودات وكل ما في العالم من المكيفات مخلوق مبتدع مخترع .

وقال الإمام الشهرستانى فى (الملل والنحل) متحدثا عن الإمام أبى الحسن الأشعرى رضى الله عنه : وخالف الأشعري بهذا التدقيق جماعة من الحشوية إذ أنهم قضوا بكون الحروف والكلمات قديمة‏. 

وقال الشيباني في (شرح الطحاوية) ما نصه : والحرف والصوت مخلوق.
وقال الإمام الإسفراييني ذاكرًا عقيدة أهل السنة والجماعة ما نصه : وأن تعلم أن كلام الله تعالى ليس بحرف ولا صوت لأن الحرف والصوت يتضمنان جواز التقدم والتأخر.
وقال ملا علي القاري في (شرح الفقه الأكبر) ما نصه : ومبتدعة الحنابلة قالوا: كلامه حروف وأصوات تقوم بذاته وهو قديم.

وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي فى (الإشارة إلى مذهب أهل الحق) : وأمّا نحن: فلا نوافقهم بأن كلام الله أحرف وأصوات؛ لأن الأحرف والأصوات نعتنا وصفتنا ومنسوبة إلينا، نقرأ بها كلام الله تعالى، ونفهمه بها، والكاف والنون وجميع الحروف، القراءة والمقروء والمفهوم بها كلامُ الله تعالى.

وقال الإمام القرطبي في (التذكرة) ما نصه : فصل : قوله في الحديث : ( فيناديهم بصوت ) : استدل به من قال بالحرف والصوت وأن الله يتكلم بذلك، تعالى عما يقول المجسمون والجاحدون علوًا كبيرًا، إنما يُحمل النداء المضاف إلى الله تعالى على نداء بعض الملائكة المقربين بإذن الله تعالى وأمره، ومثل ذلك سائغ في الكلام غير مستنكر أن يقول القائل: نادى الأمير، وبلغني نداء الأمير، كما قال تعالى: (( وَنَادَى فِرْعَونُ فِي قَوْمِهِ ))،

وإنما المراد نادى المنادي عن أمره، وأصدر نداءه عن إذنه، وهو كقولهم أيضًا قتل الأمير فلانًا، وضرب فلانًا، وليس المراد توليَه لهذه الأفعال وتصديَهُ لهذه الأعمال، ولكن المقصود صدورها عن أمره. وقد ورد في صحيح الأحاديث أن الملائكة ينادون على رؤوس الأشهاد.

وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف حكاية عن أبيه الإمام عز الدين بن عبد السلام المتوفى سنة 661 هـ تغمدهما اللهبرضوانه في كتابه (إيضاح الكلام فيما جرى للعز بن عبدالسلام) : وأنه حي مريد سميع بصير عليم قدير متكلم بكلام أزلي، ليس بحرف ولا صوت ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مداداً في الألواح والأوراق شكلاً ترمقه العيون والأحداق، كما زعم أهل الحشو والنفاق، بل الكتابة من أفعال العباد، ...............

وأحمد بن حنبل وفضلاء أصحابه وسائر علماء السلف براء مما نسبوه إليهم واختلقوه عليهم، وكيف يظن بأحمد وغيره من العلماء أن يعتقدوا أن وصف الله تعالى قديم، وهذه الألفاظ والأشكال حادثة بضرورة العقل وصريح النقل، وقد أخبر الله تعالى عن حدوثها في ثلاثة مواضع من كتابه الكريم: الموضع الأول: قوله تعالى: (( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ))، جعل الآتي محدثاً............. الموضع الثاني: قوله تعالى: (( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم ))، وقول الرسول صفة للرسول، ووصف الحادث حادث يدل على الكلام القديم، فمن زعم أن قول الرسول قديم فقد رد على رب العالمين. الموضع الثالث: قوله تعالى: (( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم )). والعجب ممن يقول: القرآن مركب من حرف وصوت، ثم يزعم أنه في المصحف، وليس في المصحف إلا حرف مجرد لا صوت معه؛ إذ ليس فيه حرف متكون عن صوت......... ومن قال: إن الوصف القديم حال في المصحف لزمه إذا احترق المصحف أن يقول: إن وصف الله القديم احترق !! سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً..........أن القرآن مكتوب في المصحف غير حال فيه، كما يقوله الأشعري رحمهالله....... وأما قوله تعالى: (( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون )) فلا خلاف بين أئمة العربية أنه لا بد من كلمة محذوفة يتعلق بها قوله : (( في كتاب مكنون ))، ويجب القطع بأن ذلك المحذوف تقديره: مكتوب في كتاب مكنون، لما ذكرناه.......... وهذا بعض ما ذكر في الفتيا. وهذه الفتيا بعض كتاب (الملحة فى اعتقاد أهل الحق) لسلطان العلماء عز الدين بن عبدالسلام.تمت الرسالة بحمد الله وعونه ، وصلى الله على سيدنا محمد النبى الأمى وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله فى بدء ومختتم


" (1) محاسن الكلام في صفة الكلام" (وليد الزير آدمن 9)
الحمد لله الذي أنزل أحسن الكلام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام، وعلى آله وأصحابه الكرام.
وبعدُ، فهذه رسالة فيها تحقيق القول في صفة الكلام لله عز وجل، وبسْط ما فيها من مسائل كثيرة وتفصيلات دقيقة وخلافات مستحكمة، مع الاستدلال والمناقشة والترجيح، كل ذلك مع الإنصاف ـ إن شاء الله ـ والبعد عن الإجحاف، وقد سميتها " محاسن الكلام في صفة الكلام " سائلا الله أن يسدد قولي، ويعصمني من الزلل، وأن يبعدني عن الهوى والخطَل، وأن يجعلها خالصة لوجهه تعالى؛ وقد جاءت في فصول عدة، وإليك أول هذه الفصول.
الفصل الأول: هل كلام الله حرف وصوت؟
ذهب جماهير العلماء من أهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتريدية إلى أن الله يتكلم بكلام قديم ليس بحرف ولا صوت، وقد نقلنا بعض النصوص في ذلك في المنشور السابق.
وذهب بعض الحنابلة وبعض المُحدّثين إلى أن الله يتكلم بحرف وصوت، وهذا ما اختاره ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وأطال في الاستدلال له بأدلة كثيرة من المعقول والمنقول، وشنّع على الجمهور لعدم إثباتهم الحرف والصوت لله.
وهذه سرد لأهم أدلة ابن تيمية وأقواها مع مناقشتها والجواب عنها:
الدليل الأول: حديث "فينادى بصوت"
إن أقوى ما استدل به ابن تيمية على أن الله يتكلم بصوت هو حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري وفيه "فينادى بصوت"، وإليك أولا الحديث مسندا:
قال البخاري في صحيحه: حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال قال النبي صلى الله عليه و سلم: ( يقول الله عز و جل يوم القيامة يا آدم يقول لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار قال يارب وما بعث النار ؟ قال من كل ألف - أراه قال - تسعمائة وتسعة وتسعين فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) [1].
وجه الدلالة: : "والحديث يدل على أنه المتكلم بصوت هو الله إذ أن الفعل النداء [2] لم يذكر فاعله واستتاره إنما حصل لقرب العهد بالفاعل وهو الله عز وجل" [3].اهـ
والجواب على الحديث من وجوه:
الوجه الأول: أن جملة "فينادى بصوت" قد أعلّها بعض الحفاظ، من حيث انفرد بها حفصُ بن غياث عن الأعمش، مخالفا لسائر أصحاب الأعمش الذين رووا الحديث من غير هذه الجملة أو الزيادة، أضف إلى ذلك أن حفصا هذا مع أنه ثقة حافظ، إلا أنه تغيّر حفظه قليلا آخر عمره؛ هذا ملخص الكلام في هذا المقام، وإليك التفصيل.
نبدأ أولا بسرد روايات أصحاب الأعمش سوى حفص للحديث:
أولا: رواية جَرير بن عبد الحميد بن قُرط الضّبّيّ (ت 188هـ).
قال البخاري في صحيحه: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: يَقُولُ اللَّهُ : " يَا آدَمُ "، فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ : يَقُولُ : " أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ "، قَالَ : وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: " مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ".
وقال مسلم في صحيحه: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيُّ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " يَقُولُ اللَّهُ يَا آدَمُ ، فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ، وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ : يَقُولُ : أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ،
ثانيا: رواية أبي أسامة حماد بن أسامة القرشي (ت 201 هـ)
وقال البخاري في صحيحه أيضا: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ الْأَعْمَشِ ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ : يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : " يَا آدَمُ ، فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ : أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ : وَمَا بَعْثُ النَّارِ..
ثالثا: رواية وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي (ت 196هـ)
وقال أحمد في مسنده: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : " يَا آدَمُ ، قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ ....
وقال الحاكم في المستدرك: .... حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ ، ثنا وَكِيعٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ : " يَقُولُ اللَّهُ : يَا آدَمُ، فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ : يَقُولُ : أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ " .
وقال أبو عوانة في مستخرجه: وَحَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ .... قَالَ : ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ: " يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا آدَمُ قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ : فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟
رابعا: رواية محمد بن خازم التميمي السعدي أبي معاوية الضرير الكوفي (ت 195 هـ)
قال أبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم - (1 / 288): .... ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية ووكيع ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يقول الله عز وجل: يا آدم قم فابعث بعث النار قال فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك يارب وما بعث النار.
وقال ابن مندة في الإيمان: ..... ثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " يَقُولُ اللَّهُ لآدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا آدَمُ، قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ .....الحديث.
وقد أشار الإمام مسلم في صحيحه إلى رواية وكيع وأبي معاوية فقال بعد أن روى الحديث من رواية جرير الضبي كما سبق : "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد غير أنهما قالا ما أنتم يومئذ في الناس إلا كالشعرة البيضاء ..."
والحاصل أن الحديث رواه جرير الضبي عند الشيخين، وأبو أسامة حماد بن أسامة القرشي عند البخاري، ووكيع بن الجراح عند مسلم وأحمد والحاكم وأبي عوانة في مستخرجه والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 553)، وأبو معاوية محمد بن خازم الأعمى عند مسلم وأبي نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم وعند ابن مندة في الإيمان ، كلهم رووه عن الأعمش من غير زيادة "فينادي بصوت".
ورواه حفص بن غياث عن الأعمش بهذه الزيادة عند البخاري، فيكون حفص قد خالف أربعة من الرواة وهم جرير وأبو أسامة ووكيع وأبو معاوية، فضلا عن آخرين [4]، وهؤلاء الرواة الأربعة ثقات أثبات وحُفاظ وقد أوردهم الذهبي في كتابه تذكرة الحفاظ، وأبو معاوية لازم الأعمش عشرين سنة كما قال أبو زرعة الدمشقي [5]، وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين قال أبو معاوية الضرير: حفظت من الاعمش الفا وست مئة فمرضت مرضة فذهب عني منها اربع مئة فكان عند أبي معاوية الف ومئتين؛ قال يحيى وكان عند وكيع عن الاعمش ثماني مئة، قلت ليحيى كان ابو معاوية احسنهم حديثا عن الاعمش؟! قال: كانت الاحاديث الكبار العالية عنده [6].
ومرة جاء أبو معاوية حتى جلس في مجلس شعبة فرفع رأسه فقال من هذا انظروا فإذا هو أبو معاوية فقال يا أبا معاوية سمعت حديث كذا وكذا من الأعمش قال نعم قال شعبة هذا صاحب الأعمش فاعرفوه [7].
وقد فضّله ابن معين على حفص، فقال أبو بكر بن أبي خيثمة قيل ليحيى بن معين أيهما أحب إليك في الأعمش عيسى بن يونس أو حفص بن غياث أو أبو معاوية، قال: أبو معاوية [8].اهـ
وقال الحافظ في التقريب عن أبي معاوية: ثقة ، قد رُمي بالإرجاء، أحفظ الناس لحديث الأعمش، قد يهم في حديث غيره.اهـ
فإن قلت: ولكن بعض الحفاظ اعتبر حفصا ..... انتظره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ووهم ابن تيمية في تخريجه، فنسبه للشيخين البخاري ومسلم، وأقر الألباني بهذا الوهم، لأن الحديث بزيادة حفص هو من أفراد البخاري كما أقر ابن تيمية نفسه بذلك في بعض المواضع، وإليك نصوص ابن تيمية في ذلك:
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى - (33 / 174): مثل ما خرجا في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من { أن الله ينادي آدم بصوت }.اهـ قال وليد: وهذا رواية للحديث بالمعنى من ابن تيمية فضلا عن الوهم في التخريج.
وقال في مجموع الفتاوى - (3 / 139): وقوله صلى الله عليه وسلم " { يقول الله تعالى : يا آدم فيقول : لبيك وسعديك . فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار } متفق عليه . وجاء في مجموع الفتاوى - (3 / 170): ولما جاء حديث أبى سعيد - المتفق عليه في الصحيحين عن النبي يقول الله يوم القيامة : " { يا آدم فيقول : لبيك وسعديك . فينادي بصوت : إن الله يأمرك أن تبعث بعثا إلى النار } الحديث - سألهم الأمير هل هذا الحديث صحيح ؟ فقلت : نعم . هو في الصحيحين ولم يخالف في ذلك أحد واحتاج المنازع إلى الإقرار به ووافق الجماعة على ذلك . ولكن جاء في الفتاوى الكبرى - (6 / 471): مثل ما أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار}.
ومع كل ذلك أصرّ بعض السلفية على أن الحديث عند الشيخين، فقال في مقال طويل مخصص لهذا الحديث: " والحديث اتفق عليه الشيخان"، انظر:http://www.ahlalhdeeth.com/vb/archive/index.php/t-77810.html
[2] كذا، والصواب: فعل النداء، لأن المضاف يجرد من أل التعريف.
[3] انظر: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/archive/index.php/t-77810.html
[4]منهم يحيى بن عيسى التميمي عند الطبري في تهذيب الآثار [ رقم (2428)- [713] حسب ترقيم برنامج جوامع الكلم لشركة أفق]، ويحيى هذا قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق يخطىء ورمي بالتشيع.
ومنهم محاضر بن المورع عند عبد بن حميد في مسنده حيث قال: حَدَّثَنِي مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ به " يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا آدَمُ، فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ : ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟....." الحديث، ومحاضر هذا قال عنه في التقريب: صدوق له أوهام.
ومنهم المسعودي أيضا، قال الطبري في تهذيب الآثار: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ : " يُقَالُ لآدَمَ : أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ : فَيَقُولُ : وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ ....الحديث.
ولكن إبراهيم المسعودي: مجهول، لذلك لم نذكر هذا المتابع في المتن، ولكن مما يستأنس به، فإنه وافق الثقات.
[5]تهذيب الكمال (25/ 131).
[6] تهذيب الكمال (25/ 130)
[7] تهذيب الكمال (25/ 131)
[8] تهذيب الكمال (25/ 129)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق