السبت، 13 أبريل 2013

دراسة مقارنة بين عقيدة الوهابية وعقيدة اليهود ( 2 )

اعلمْ أنَّ عقيدةَ المسلمينَ سَلَفًا وخلفًا بلا شكٍّ ولا رَيبٍ أنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى هو خالقُ العالَمِ، قائمٌ بنفسِهِ مستغنٍ عن كلِ ما سواهُ، فكلُنا نحتاجُ إلى اللهِ ولا نستغني عنهُ طرفةَ عينٍ، واللهُ تعالى لا يحتاجُ لشىءٍ من خلقِهِ، ولا ينتفعُ بطاعاتِهِم ولا ينضرُّ بمعاصيهم، ولا يحتاجُ ربُنا إلى محلٍ يَحُلُّهُ ولا إلى مكانٍ يُقِلُّهُ، وأنهُ ليس بجسمٍ ولا جوهرٍ. واعلمْ أن الحركةَ والسكونَ والذهابَ والمجيءَ والكونَ في المكانِ، والاجتماعَ والافتراقَ، والقربَ والبعدَ من طريقِ المَسافةِ، والاتصالَ والانفصالَ، والحجمَ والجِرْمَ، والجثةَ والصورةَ والشكلَ والحيِّزَ والمِقدارَ والنواحيَ والأقطارَ والجوانبَ والجهات كلَّها لا تجوزُ عليهِ تعالى لأن جميعَها يُوجِبُ الحدَّ والنهايةَ والمقدارَ ومن كانَ ذا مقدارٍ كانَ مخلوقُا، قال تعالى: {وكلُّ شىءٍ عندَهُ بِمِقدارٍ} (سورة الرعد/8).
واعلمْ أن كلَّ ما تُصُوِّرَ في الوهمِ من طولٍ وعرْضٍ وعمقٍ وألوانٍ وهيئاتٍ يجبُ أن يُعتقدَ أن صانعَ العالمِ بخلافِهِ أي لا يشبهه، وأنه تعالى لا يجوزُ عليهِ الكيفيةُ ولا الكميةُ ولا الأينيةُ لأن مَن لا مِثلَ له لا يجوزُ أن يُقالُ فيهِ كيفَ هو، ومن لا عددَ لهَ لا يجوزُ أن يقالَ فيه كم هو، ومن لا أولَ لهُ لا يُقالُ فيهِ مِمَّ كانَ، ومن لا مكانَ مكانَ لهُ لا يقالُ فيهِ أين كانَ، فإن الذي أيَّن الأينَ لا يقالُ لهُ أينَ، والذي كيّفَ الكيفَ لا يُقالُ له كيف.
فاللهُ تعالى مقدَّسٌ عنِ الحاجاتِ، منزَّةٌ عن العاهاتِ، وعن وجوه النقصِ والآفاتِ، متعالٍ عن أن يُوصَفَ بالجوارحِ والآلاتِ، والأدواتِ والسكونِ والحركاتِ، لا يليقُ به الحدودُ والنهاياتُ، ولا تحويهِ الأرضونَ ولا السمواتُ، ولا يجوزُ عليهِ الألوانُ والمماسّاتُ، ولا يجري عليهِ زمانٌ ولا أوقاتٌ، ولا يلحقُهُ نَقصٌ ولا زياداتٌ، ولا تحويهِ الجهاتُ الستُّ كسائرِ المبتدعاتِ، موجودٌ بلا حدٍ، موصوفٌ بلا كيفٍ، لا تتصورُهُ الأوهام، ولا تُقدّرُهُ الأفهام، ولا يُشبهُ الأنام، بل هو الموجود الذي لا يشبهُ الموجوداتِ، واحدٌ في ملكِهِ فلا شريكَ له.
واللهُ سبحانَهُ وتعالى خالقُ العالمِ بأسرِهِ عُلويّهِ وسُفليِّهِ والأرض والسمواتِ، قادرٌ على ما يشاءُ، فعالٌ لما يريدُ، موجودٌ قبلَ الخلقِ ليس لهُ قبلٌ ولا بعدٌ ولا فوقٌ ولا تحتٌ ولا يمينٌ ولا شمالٌ ولا أمامٌ ولا خلفٌ ولا كلٌّ ولا بعضٌ ولا طولٌ ولا عرضٌ، كان ولا مكانَ، كوَّن الأكوانَ ودبّرَ الزمانَ، لا يتخصّصُ بالمكانِ، ولا يتقيّدُ بالزمانِ، ليسَ بمحدودٍ فيحدَّ، وليسَ بمحسوسٍ فيجسَّ، لا يُحسُّ ولا يُمسُّ ولا يُجسُّ.
وكلُ ما كانَ من معاني الأجسامِ وصفاتِ الأجرامِ فهو عليهِ تعالى مُحالٌ، وكلُّ ما وردَ في القرءانِ أو السُّنةِ وصفًا للهِ تعالى فهو كما وردَ وبالمعنى الذي يليقُ باللهِ تعالى بلا تكييفٍ ولا تمثيلٍ ولا تشبيهٍ.
ولا يجوزُ حملُ المتشابه من الآياتِ والأحاديثِ على ظواهرها، ومن فعلَ ذلكَ فقد كذّبَ القرءانَ وخرجَ عن إجماعِ الأمةِ الإسلاميةِ.
وفي ذلكَ يقولُ شيخُ الإسلامِ الحافظُ البيهقيُّ رحمهُ اللهُ: "وفي الجملةِ يجبُ أن يُعلمَ أن استواءَ اللهِ سبحانهُ وتعالى ليسَ باستواءِ اعتدالٍ عن اعوجاج، ولا استقرارٍ في مكانٍ، ولا مماسةٍ لشىءٍ من خلقهِ، لكنه مستوٍ على عرشِهِ كما أخبرَ بلا كيفٍ بلا أينٍ، وأن إتيانَه ليس بإتيانٍ من مكانٍ إلى مكانٍ، وأن مجيئَهُ ليس بحركةٍ، وأن نزولهُ ليس بنُقلةٍ، وأن نفسَهُ ليس بجسمٍ، وأن وجههُ ليس بصورةٍ، وأن يدَهُ ليست بجارحةٍ، وأن عينَهُ ليست بحدقةٍ، وإنما هذه أوصاف جاءَ بها التوقيفُ فقلنا بها ونفينا عنها التكييفَ، فقد قال تعالى :{ليسَ كمثلِهِ شىء}، وقال: {ولم يكن له كفوًا أحد}، وقال: {هل تعلمُ لهُ سميًّا}"، انتهى من كتابِهِ الاعتقادُ والهدايةُ ص/72.

وعلى هذا الاعتقاد إجماعُ أهلِ الإيمانِ، ونقلَ هذا الإجماعَ النوويُّ في شرحِ مسلمٍ 5/24ـ طبعةُ دارِ الفكرـ بيروت عن القاضي عياضٍ المالكيُّ "أنهُ لا خلافَ بينَ المسلمينَ قاطبةً فقيهِهِم ومحدِثِهِم ومتكلِمِهِم ونُظارِهم ومُقلِّدهم أن الظواهرَ الواردةَ بذكرِ اللهِ في السماءِ كقولِهِ تعالى: {ءأمنتم من في السماء} ونحوِهِ ليسَ على ظاهرِها بل متأولةٌ عندَ جميعهِم".
وعلى هذا كان أئمةُ الإسلامِ وبحورِ العلمِ كالإمامِ ابنِ الجوزيّ الحنبليّ حيثُ يقولُ في كتابِهِ المدهشِ ـ طبعةُ دار الجيل ص/131ـ: "وإنما تُضربُ الأمثالُ لمن له أمثالٌ، كيفَ يقالُ له كيفٌ، والكيفُ في حقِهِ مُحالٌ، أنَّى تتخيلُهُ الأوهامُ وكيفَ تجدُهُ العقول". ويقول: "ما عرفَهُ مَن كيّفَهُ، ولا حدَّهُ مَن مثَّلَهُ، ولا عبدَهُ مَن شبَّهه، المشبِّهُ أعشى والمُعطِّلُ أعمى".
وفي كتاب الفتاوى الهندية 2/259 منطبعةِ دارِ إحياءِ التراثِ العربيِّ يقولُ ما نصُهُ: "يكفرُ بإثباتِ المكانِ للهِ تعالى".
وفي كتابِ المنهاجِ القويمِ شرحِ شهابِ الدينِ أحمدَ بنِ حجرِ الهيتميِّ على المقدمةِ الحضرميةِ ص/224 يقولُ: "واعلم أن القَرافيَّ وغيرَهُ حَكَوا عن الشافعيِّ ومالكٍ وأحمدَ وأبي حنيفةَ رضي اللهُ عنهم القولَ بكفرِ القائلينَ بالجهةِ والتجسيمِ وهم حقيقيونَ بذلكَ".
ومثلُ ذلكَ قالَ الإمامُ جعفرٌ الصادقُ رضيَ اللهُ عنهُ فيما رواهُ عنه القشيريُّ في الرسالةِ: "من زعمَ أن اللهَ في شىءٍ، أو على شىءٍ، أو من شىءٍ فقد أشركَ، إذ لو كانَ في شىءٍ لكانَ محصورًا، ولو كانَ على شىءٍ لكان محمولاً، ولو كان من شىءٍ لكانَ محدثًا (أي مخلوقًا)".
وهذا المعتقدُ الحقُّ الذي نقلَ الإجماعَ فيهِ أيضًا إمامُ الحرمينِ أبو المعالي عبدُ الملكِ في كتابِهِ الإرشادُ حيثُ يقولُ في ص/58: "مذهبُ أهلِ الحقِ قاطبةً أن اللهَ سبحانَهُ وتعالى يتعالى عن التحيزِ والتخصصِ بالجهاتِ".
وقال الإمامُ الكبيرُ عبدُ القاهرِ بنُ طاهرٍ التميميُّ البغداديُّ في الفَرقِ بين الفِرَقِ ص/333: "وأجمعوا على أنه لا يحويهِ مكانٌ ولا يجري عليهِ زمانٌ".
وقالَ الإمامُ شيخُ أهلِ السنةِ والجماعةِ بلا مُنازعٍ الحافظُ أبو الحسنِ الأشعريُّ رضي اللهُ عنهُ في كتابِهِ النوادر :"مَن اعتقدَ أن اللهَ جسمٌ فهو غيرُ عارفٍ بربِهِ وإنهُ كافرٌ به".
وقال الإمامُ المُتولّي الشافعيُّ في كتابِهِ الغُنيةِ: "أو أثبتَ ما هو منفيٌ عنهُ بالإجماعِ كالألوانِ، أو أثبتَ لهُ الاتصالَ والانفصالَ، كانَ كافرًا"، نقلَهُ النوويُ في الروضةِ 10/64 طبعةُ بيروت.
وقالَ شيخُ المشايخِ الصوفيةِ وعَلَمُ أهلِ الحقيقةِ والطريقةِ السيدُ أحمدُ الرفاعيُ الكبيرُ قدَّسَ اللهُ سِرَّهُ: "غايةُ المعرفةِ باللهِ الإيقانُ بوجودِهِ تعالى بلا كيفٍ ولا مكانٍ" ذكرَهُ في البرهانِ المؤيَّدِ.
وقالَ الشيخُ عبدُ الغنيِّ النابلسيُّ ص/124 من كتابِ الفتحِ الرباني: "منِ اعتقدَ أن اللهَ ملأَ السمواتِ والأرضَ أو أنهُ جسمٌ قاعدٌ فوقَ العرشِ فهو كافرٌ وإن زعمَ أنه مسلمٌ".
وقد اتفقَ السلفُ والخلفُ على أن منِ اعتقدَ أن اللهَ في جهةٍ فهو كافرٌ كما صرحَ به العراقيُّ، وبهِ قالَ أبو حنيفةَ ومالكٌ والشافعيُّ وأبو الحسن الأشعريُّ والباقلانيُّ كما ذكرَ ذلكَ مُلاّ عليّ القاريُّ في شرحِ المِشكاةِ 3/300 ـ طبعةُ دارِ الفكرِ ـ وعلى هذا علماءُ الإسلامِ سلفًا وخلفًا وهذهِ عقيدةُ المسلمينَ في بلادِ الحجازِ وأندونيسيا وماليزيا والهندِ وبنغلادش والباكستانِ وتركيا والمغربِ العربيِّ، وبلادِ الشامِ ومصرَ واليمنِ والعراقِ والسودانِ وإفريقيا وداغستانَ والشيشانِ وبُخارى وجُرجانَ وسمرقَندَ وغيرِها، فالمسلمونَ يعتقدونَ أن اللهَ موجودٌ بلا مكانٍ ولا جهةٍ ولا كيفٍ، وأما الوهابيةُ فإنهم يعتقدونَ التشبيهَ والتجسيمَ في حقِّ اللهِ تعالى كما سترى بعينكَ الألفاظَ القبيحةَ المستهجَنَةَ التي يستعملونَها والتي سوفَ تُدرِكُ بها بعدَ اطلاعكَ على كاملِ هذا البحثِ تشابُهَ عقيدةِ وفكرِ اليهودِ والوهابيةِ، بل وعلى عينِ الألفاظِ في نسبةِ القعودِ والجلوسِ والحركةِ والسكونِ والأعضاءِ والجوارحِ والصوتِ والفمِ إلى اللهِ والعياذُ باللهِ تعالى.
هذا وقد صرَّحَ أحدُ أتباعِهِم المدعو عبدُ الرحمنِ بنُ سعيدٍ دمشقية اللبنانيُّ في بعضِ كتبِهِ التي ألَّفها بإيعازٍ وتمويلٍ من أسيادِهِ الوهابية بأنهُ لا يجوزُ القولُ بأن اللهَ لا يتغيرُ وادعى أن قائِلَهُ مُبتدِعٌ، والعياذُ باللهِ من سخافةِ العقلِ، فكلُّ عاقلُ يعرفُ أن التغيرَ دليلُ الحدوثِ، بل قالَ العلماءُ هو من علاماتِ الحدوثِ، لذا يقولُ المسلمونَ: سبحانَ اللهِ الذي يُغيِّرُ ولا يتغيرُ.
والآنَ بعدَ بيانِ العقيدةِ المنجيةِ عقيدة أهلِ السنةِ والجماعةِ في حقِ اللهِ، فقد ءانَ أوانُ الشروعِ في ذكرِ وسردِ عقيدةِ الوهابيةِ وعقيدةِ اليهودِ والمقارنة بينهما من كتبِ كلتا الطائفتينِ، وذلكَ ليَعلمَ المطالعُ موافقةَ عقيدةِ الوهابيةِ لعقيدةِ اليهودِ.
هذا العنوانُ هو حقيقةٌ لا لَبَسَ فيها ولا خفاءَ عندَ من يعلمُ حقيقةَ معتقدِ الطائفةِ الوهابيةِ ومُعتقدِ اليهوديةِ.
ولبيانٍ أوضَحَ نذكرُ عقيدةَ اليهودِ في حقِّ اللهِ تعالى وما وصفوهُ بهِ من نقائصَ وتشبيهٍ وتجسيمٍ وحلولٍ في المكانِ وتحيزٍ في جهةٍ وانتقالٍ من مكانٍ إلى ءاخرَ وغيرِ ذلكَ من المخالفاتِ للعقيدة الحقةِ التي نجدُها عندَ الوهابيةِ هي هي، فاقرأ وتمعَّن واستعذ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ وأتباعهِ الذينَ قال الله تعالى فيهم :{إنما يدعوا حِزبَهُ ليكونوا من أصحابِ السعيرِ}.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق