أقوال السادة الأحناف :
1- قال الإمام المجد الموصلي صاحب "المختار للفتوى" وشرحه -وهو من متقدّمي الحنفية- في آخر الحج في "باب الزيارة" (1/89) :
{ فيقول : يا رسول الله ، نحن وفدك و زُوّار قبرك، جئنا من بلاد شاسعة ونواحي بعيدة، قاصدين قضاء حقك ، والنظر إلى مآثرك و التيمّن بزيارتك ، و الاستشفاع بك إلى ربنا ، فإن الخطايا قد أثقلت ظهورنا ، وأنت الشافع المشفّع الموعود بالشفاعة والمقام المحمود ، وقد قال تعالى : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك... }الآية، وقد جئناك ظالمين لأنفسنا مستغفرين لذنوبنا ، فاشفعْ لنا عند ربنا ، واسْأله أن يميتنا على سُنّتك . الشفاعةَ يا رسول الله ، الشفاعةَ يا رسول الله ، الشفاعةَ يا رسول الله.. }. انتهى
وقد أطبق علماء الحنفية على مثل هذه العبارة .
2- قال العلاّمة علي القاري رحمه الله تعالى في كتابه في زيارة النبي -- :
{ ويتوسل به -- في حق نفسه ويتشفع به إلى ربه .
قال أهل المناسك من جميع المذاهب : ومن أحسن ما يقول ، ما جاء عن العتبي – أي أثر الأعرابي الذي جاء إلى قبره ، فقد تقدم - .. قال : وينبغي أن يكثر الاستغفار ويستدعي منه -- أن يستغفر له فيقول : نحن وفدك و زوار قبرك يا رسول الله ، جئنا لقضاء حقك والتبرك بزيارتك والإستشفاع بك مما أثقل ظهورنا وأظلم قلوبنا ، فليس لنا شفيع غيرك نؤمّله ، ولا رجاء غير بابك نطلبه ، فاستغْفرْ واشفع لنا إلى ربك يا شفيع المذنبين ، واسْأله أن يجعلنا من عباده الصالحين} .
و زاد في "المناسك": { الشفاعةَ ، الشفاعةَ، الشفاعةَ يا رسول الله } اهـ.
3- وقال الشيخ زاده الحنفي في "مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ فِي شَرْحِ مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ" :
{ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ -- أَشْرَفُ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا سِوَاهَا. وَمِنْ أَحْسَنِ الْمَنْدُوبَاتِ بَلْ يَقْرُبُ مِنْ دَرَجَةِ الْوَاجِبَاتِ زِيَارَةُ قَبْرِ نَبِيِّنَا وَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ -- ......
..وَيَقِفُ كَمَا يَقِفُ فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، .....
ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى حَاجَتَهُ ، وَأَعْظَمُ الْحَاجَاتِ: سُؤَالُ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَطَلَبُ الْمَغْفِرَةِ؛ وَيَقُولُ:
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَسْأَلُكَ الشَّفَاعَةَ الْكُبْرَى وَأَتَوَسَّلُ بِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ أَمُوتَ مُسْلِمًا عَلَى مِلَّتِكَ وَسُنَّتِكَ وَأَنْ أُحْشَرَ فِي زُمْرَةِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ .....
قال: ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى حِيَالِهِ وَجْهَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ بِأَفْضَلِ مَا يُمْكِنُ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِجَمِيعِ أَهْلِ الْإِيمَانِ }.اهـ
4- و قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" :
{ قَوْلُه: (( وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ مَنْدُوبَةٌ )) أَيْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي "اللُّبَابِ" ، وَمَا نُسِبَ إلَى الْحَافِظِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ بِالنَّهْيِ عَنْهَا فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ لا أَصْلَ لَهُ ، وَإِنَّمَا [هو] يَقُولُ بِالنَّهْيِ عَنْ شَدِّ الرِّحَالِ إلَى غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ ،أَمَّا نَفْسُ الزِّيَارَةِ فَلَا يُخَالِفُ فِيهَا كَزِيَارَةِ سَائِرِ الْقُبُورِ . وَمَعَ هَذَا فَقَدْ رَدَّ كَلَامَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلِلْإِمَامِ السُّبْكِيّ فِيهِ تَأْلِيفٌ مَنِيفٌ[و هو "شفاء السّقام بزيارة خير الأنام"]..
.. قَوْلُهُ (( بَلْ قِيلَ وَاجِبَةٌ )): ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَقَالَ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي "الدُّرَّةِ الْمُضِيئَةِ فِي الزِّيَارَةِ الْمُصْطَفَوِيَّةِ"، وَذَكَرَهُ أَيْضًا الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ وَقَالَ : وَانْتَصَرَ لَهُ . نَعَمْ عِبَارَةُ "اللُّبَابِ" وَ "الْفَتْحِ" وَ "شَرْحِ الْمُخْتَارِ" أَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْوُجُوبِ لِمَنْ لَهُ سَعَةٌ . وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ [أي "فتح القدير" لابن الهمام] مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الزِّيَارَةِ وَذَكَرَ كَيْفِيَّتَهَا وَآدَابَهَا وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ وَاللُّبَابِ فَلْيُرَاجِعْ ذَلِكَ مَنْ أَرَادَهُ.}اهـ
5- و هذا نصّ ما ذكره العلامة الإمام الكمال بن الهمام الحنفي في "فتح القدير بشرح الهداية":
{ وَإِذَا تَوَجَّهَ إلَى الزِّيَارَةِ يُكْثِرُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ -- مُدَّةَ الطَّرِيقِ ، وَالْأَوْلَى فِيمَا يَقَعُ عِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ تَجْرِيدُ النِّيَّةِ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ -- ثُمَّ إذَا حَصَلَ لَهُ إذَا قَدَّمَ زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ أَوْ يَسْتَفْتِحُ فَضْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي مَرَّةٍ أُخْرَى يَنْوِيهِمَا فِيهَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَةَ تَعْظِيمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْلَالِهِ ،[...]
وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا يَكُونُ الْوَاقِفُ مُسْتَقْبِلًا وَجْهَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَبَصَرَهُ فَيَكُونُ أَوْلَى . ثُمَّ يَقُولُ فِي مَوْقِفِهِ :
السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا خَيْرَ خَلْقِ اللَّهِ .......
... ثُمَّ يَسْأَلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّفَاعَةَ فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْأَلُك الشَّفَاعَةَ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْأَلُك الشَّفَاعَةَ وَأَتَوَسَّلُ بِك إلَى اللَّهِ فِي أَنْ أَمُوتَ مُسْلِمًا عَلَى مِلَّتِك وَسُنَّتِك ، وَيَذْكُرُ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعْطَافِ وَالرِّفْقِ بِهِ ، وَيَجْتَنِبُ الْأَلْفَاظَ الدَّالَّةَ عَلَى الْإِدْلَالِ وَالْقُرْبِ مِنْ الْمُخَاطَب فَإِنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ ......
....ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى حِيَالِ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُصَلِّي وَيُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّهِ وَيَدْعُو وَيَسْتَشْفِعُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَنْ أَحَبَّ ، وَيَخْتِمُ دُعَاءَهُ بِآمِينَ وَالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ .} اهـ
(6-9)- و كذا ذكر الطرابلسي رحمه الله تعالى في " مناسكه " .
ونقل صاحب " الدر المختار" في الحج عنه ، فذكر مثل عبارة شرح " المختار " المتقدمة ، وكذا في " مناسك " الكرماني الحنفي ، وفي " مناسك " الفارسي عن أبي الليث السمرقندي .
10- وقال السيد أحمد الحموي الحنفي محشي "الأباه" في رسالته "نفحات القرب والاتصال" قال :
{ وأما بعد مماتهم [يعني الأولياء] ، فتصرفهم إنما هو بإذن الله تعالى وإرادته ، لا شريك له خلقاً وإيجاداً ، أكرمهم الله به وأجراه على أيديهم وبسببهم خرقاً للعادة ، تارةً بإلهام ، وتارة بدعائهم ، وتارة بفعلهم و اختيارهم ، وتارة بغير اختيارهم ، وتارة بالتوسل بهم إلى الله تعالى في حياتهم وبعد مماتهم ، مما يمكن في القدرة الإلهية .
ولا يقصد الناس -بسؤالهم ذلك منهم قبل الموت و بعده- نسبتَهم إلى الخلق والإيجاد والاستقلال بالأفعال ، فإن هذا لا يقصده مسلم ، ولا يخطر ببال أحد من العوام ، فضلاً عن غيرهم .فصرْفُ الكلام إليه و منْعُه ، من باب التلبيس في الدين ، وتشويش على عوام موحدين . وكيف يُحكم بالكفر على من اعتقد ثبوت التصرف لهم في حياتهم وبعد مماتهم ، حيث كان مرجع ذلك إلى قدرة الله تعالى خلقاً وإيجاداً ؟! كيف وكُتب جمهور المسلمين طافحة به ، وأنه جائز وواقع لا مرية فيه البتة ، حتى يكاد أن يلحق بالضروريات ، بل بالبديهيات ؟! وذلك لأن جميع كرامات هذه الأمة في حياتهم وبعد مماتهم تصرفاً أو غيره ، هي من جملة معجزات النبي -- الدالّة على نبوته وعموم رسالته الباقية بعد موته -- ، لا ينقطع دوامها ولا تجدّدها، بتجدّد الكرامات في كل عصر من الأعصار إلى يوم القيامة}.اهـ
نقل البرماوي رحمه الله تعالى في " الدلائل الواضحات في إثبات الكرامات في الحياة وبعد الممات " ممّن نصَّ على ثبوتها بعد الممات: شيخُ الإسلام ابن الشحنة الحنفي ، والشيخ عبد الباقي المقدسي في " السيوف الصقال " والشيخ أحمد الحنفي ، وعبارتهم كعبارة الشيخ أحمد الحموي . و زادوا : ( ولا يُنكرها إلا مخذول فاسد الإعتقاد في أولياء الله تعالى.)اهـ .
فهذا كما ترى في الأولياء ، فما بالُك بسيد الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإمام الأولياء؟!! . فطلب الشفاعة منه والتوسل به صلى الله عليه وعلى آله وسلم جائز عندهم بلا مرية و لا ريب .
11- و ذكر الشيخ حسن الشرنبلالي الحنفي في " إمداد الفتاح " شرح كتابه " نور الإيضاح " من بحث الزيارة ، ما ذكره الشيخ صاحب " الاختيار " والشيخ علي القاري، مما تقدّم نقله من الطلب منه -- والتوسل به وطلب الشفاعة . فلا حاجة إلى إعادة العبارة ، فإن الحرّ تكفيه الإشارة .
12- وقال الإمام أبو البقاء محمد بهاء الدين بن الضياء المكي الحنفي في تاريخ مكة المشرفة , في باب كيفية السلام عليه -- حال الزيارة :
(جئنا إلى جنابك الكريم من بلاد شاسعة وأماكن بعيدة، نقصد بذلك قضاء حقك علينا، والنظر إلى مآثرك، والتيمن بزيارتك، والتبرك بالسلام عليك، والاستشفاع بك إلى ربنا عز وجل، فإن خطايانا قد قصمت ظهورنا، وأوزارنا قد أثقلت كواهلنا، وأنت الشافع المشفع، وقد قال الله تعالى: " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً " . وقد جئناك يا رسول الله ظالمين لأنفسنا مستغفرين لذنوبنا، فاشفع لنا إلى ربنا، واسأله أن يميتنا على سنتك، ويحشرنا في زمرتك، ويسقينا بكأسك غير خزايا ولا ندامى، ويرزقنا مرافقتك في الفردوس الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، يا رسول الله الشفاعة الشفاعة، اللهم صلي على محمد وعلى آله محمد، وإنه نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون، وخصة بالمقام المحمود والوسيلة والفضيلة والدرجة العالية) .
13- وجاء في الفتاوى الهندية :
(وَيُبَلِّغُهُ سَلَامَ مَنْ أَوْصَاهُ فَيَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ يَسْتَشْفِعُ بِكَ إلَى رَبِّكَ فَاشْفَعْ لَهُ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يَقِفُ عِنْدَ وَجْهِهِ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ مَا شَاءَ ) .
14- وفي مراقي الفلاح :
( ثم انهض متوجها إلى القبر الشريف فتقف بمقدار أربعة أذرع بعيدا عن المقصورة الشريفة بغاية الأدب مستدبرا القبلة محاذيا لرأس النبي صلى الله عليه و سلم ووجهه الأكرم ملاحظا نظره السعيد إليك وسماعه كلامك ورده عليك سلامك وتأمينه على دعائك وتقول :
السلام عليك يا سيدي يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا نبي الرحمة السلام عليك يا شفيع الأمة ...إلى قوله : يا رسول الله نحن وفدك وزوار حرمك تشرفنا بالحلول بين يديك وقد جئناك من بلاد شاسعة وأمكنة بعيدة نقطع السهل والوعر بقصد زيارتك لنفوز بشفاعتك والنظر إلى مآثرك ومعاهدك والقيام بقضاء بعض حقك والاستشفاع بك إلى ربنا فإن الخطايا قد قصمت ظهورنا والأوزار قد أثقلت كواهلنا وأنت الشافع المشفع الموعود بالشفاعة العظمى والمقام المحمود والوسيلة وقد قال الله تعالى { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما } وقد جئناك ظالمين لأنفسنا مستغفرين لذنوبنا فاشفع لنا إلى ربك واسأله أن يميتنا على سننك وأن يحشرنا في زمرتك وأن يوردنا حوضك وأن يسقينا بكأسك غير خزايا ولا ندامى الشفاعة الشفاعة الشفاعة يا رسول الله - يقولها ثلاثا - ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) .أقوال السادة المالكية:
15- نقل الإمام القاضي عياض في " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " عن إمام دار الهجرة مالك رحمه الله تعالى أنه قال لأبي جعفر المنصور لما سأله عن استقبال النبي -- حين الدعاء ، فقال الإمام مالك له : و لِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم من قبلك ؟ ، بل استقبِلْه واستشفعْ به , فيشفّعْه الله .}
ومعنى " استشفعْ به " أي : اطْلُبْ منه الشفاعة.
16- وقال الإمام ابن الحاج المالكي في كتابه " المدخل " :
{ وأما في زيارة نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيد الأولين والآخرين ، فيزيد على ذلك أضعافاً مضاعفة ، لأنه الشافع المشفّع الذي لا تردّ شفاعته ، ولا يخيب مَن قصده ولا مَن نزل بساحته ، ولا من استعانه أو استغاث به ، لما شهدت به المعاينة والآثار، و حديث "الصحيحين " : { إنما مَثَلي ومَثَلكم ، كمَثَل الفراش تقعون في النار وأنا آخذ بحُجُزكم} دليل على استحباب التوسل والاستغاثة به ، فإن الدليل عامّ ولا يختص بزمان دون زمان ، كما لا يختص بشخص دون شخص}.اهـ
17- وقال الإمام أبو عبد الله ابن النعمان المالكي رحمه الله تعالى في كتابه "مصباح الظلام" :
{ إن الإستغاثة والتوسل والتشفع والتوجه بالنبي -- ، واقعٌ في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه ، في مدة حياته وبعد موته ، في البرزخ ، وفي عرصات القيامة }اهـ .
18- وقال الشيخ المحدّث ابن أبي جمرة المالكي - مختصِر البخاري وشارحُه - :
{ لما دخلتُ مسجد المدينة ، ما جلست إلا الجلوس للصلاة ، وما زلت واقفاً هناك حتى رحل الركْب ، ولم أخرج للبقيع ولا غيره ، ولم أر غيره صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وقد خطر لي أن أخرج إلى البقيع ، فقلتُ: إلى أين أذهب ! هذا باب الله المفتوح للسائلين والطالبين ، والمنكسرين والمضطرين ، والفقراء والمساكين ، وليس ثَمّ من يُقصد مثله!} .اهـ .
وهو يعني النبي -- .
19- و قال الإمام عبد الواحد بن عاشر رحمه الله في "المرشد المعين" :
و سِرْ لقبر المصطفى بأدبِ = و نيّةٍ تُجَبْ لكل مطلبِ
سلِّمْ عليه سِرْ إلى الصدّيقِ = ثم إلى عمر تفوز بالتوفيقِ
و اعلمْ بأنّ ذا المقامَ يُستجابْ = فيه الدُّعا فلا تملَّ منْ طِلابْ
و سَلْ شفاعةً و ختْمًا حَسَنَا = و عجّلْ الأوبةَ إذ نلتَ المنا
20- قال شارحه العلامة الشيخ محمد بن أحمد الفاسي المالكي (المعروف بـ"مياره") في "الدر الثمين و المورد المعين":
{ إذا خرج الحاج من مكة يُستحب له الخروج من "كدا"، فإن زيارته صلى الله عليه و سلم سنّة مجمع عليها وفضيلة مرغّب فيها .....
..و لْيحذرْ الزائر من الطواف بالقبر الشريف على ساكنه أفضل الصلاة والسلام و التمسح بالبناء و إلقاء المناديل و الثياب عليه، ومِن تقرّب العامة بأكل التمر في الروضة و إلقاء شعورهم في القناديل ، و هذا كله من المنكرات. و يستحب أن يزور البقيع و القبور المشهورة فيه و مسجد قباء و يتوضأ من بئر أريس و يشرب منها ، و هذا في حق من كثرت إقامته ، وإلا فالمُقام عنده -- أحسن ليغتنم مشاهدته -- ، و قد قال ابن أبي جمرة:[و نقل الكلام السابق الذي نقلناه عن الإمام ]} .اهـ
و انظر إلى أمر الإمام ابن عاشر للزائر بطلب وسؤال الشفاعة من النبي -- , تعلم أن ذلك الطلب مما أجمع على استحبابه السادة المالكية , إذ أن متن ابن عاشر هو عمدة المالكية المتأخرين باتفاق بينهم .
(21-24)- وقال العلامة الفيشي المالكي رحمه الله تعالى في " شرح العزية " نقلاً عن الشيخ خليل صاحب "المختصر " المشهور في مذهب مالك رحمه الله تعالى في " منسكه " عن القابسي ، وأبي بكر بن عبد الرحمن وغيرهما قال :
{ تأتي القبر وأنت متّصف بكثرة الذل والسكينة والانكسار والفقر والفاقة والاضطرار والخضوع ، وتُشعر نفسك أنك واقف بين يديه عليه وآله الصلاة والسلام ، إذ لا فرق بين حياته ومماته ، وقد ورد أن أعمال أمّته تُعرض عليه غدوة وعشية ، فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم . ولْيتوسل به صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويسأل الله بجاهه ، إذ هو محطّ جبال الأوزار وأثقال الذنوب ، لأن بركة شفاعته وعظمها عند ربه لا يتعاظمها ذنب . ومن اعتقد خلاف ذلك ، فهو المحروم الذي أطمس الله بصيرته ، وأضل سريرته . ألم ير قوله تعالى : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً } ؟!.}. انتهى .
25- ابن جزي الكلبي المالكي , قال في ( القوانين الفقهية ) :
ينبغي لمن حج أن يقصد المدينة فيدخل مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلي فيه ويسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى ضجيعيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويتشفع به إلى الله ويصلي بين القبر والمنبر ويودع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من المدينة .أقوال السادة الشافعية:
26- قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في " الأذكار " و " المناسك " و "المجموع شرح المهذب " في بحث الزيارة النبوية:
{ فإذا صلى تحية المسجد أتى القبر الكريم فاستقبله واستدبر القبلة على نحو أربع أذرع من جدار القبر ، وسلّم مقتصدا لا يرفع صوته ، فيقول : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين ، السلام عليك وعلى آلك وأصحابك وأهل بيتك وعلى النبيين وسائر الصالحين ; أشهد أنك بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة ، فجزاك الله عنا أفضل ما جزى رسولا عن أمته......
..ثم يرجع إلى قبالة وجه النبي -- ويتوجه به في حق نفسه ويستشفع به -- إلى ربه سبحانه وتعالى . ويدعو لنفسه ولوالديه وأصحابه وأحبابه ومن أحسن إليه وسائر المسلمين ، وأن يجتهد في إكثار الدعاء ، ويغتنم هذا الموقف الشريف ويحمد الله تعالى ويسبّحه ويكبّره ويهلّله ، ويصلّي على رسول الله -- ويكثر من كل ذلك }.
27- وقد ذكر الاستشفاع برسول الله -- أيضًا الإمام الماوردي في الحاوي الكبير (4/544) .
28- وقال العلامة المجتهد شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني في جواب سؤال رُفع إليه فيمن قال في مدح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
فاشْفعْ لقائلها يا من شفاعتُه *** تفكّ مَن هو مكبوت ومكبول
فاعترض معترض بأن السؤال للنبي -- لم يَرِد .
فقال البلقيني رحمه الله تعالى في الجواب :
{ الله الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، نعوذ بالله من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن. لقد ارتكب هذا المعترض قبائح أتى بها على أنها نصائح ، فجاءت عليه فضائح .لقد أخطأ وما أصاب ، وكثر به وبأمثاله المُصاب ......
...ولقد جهل جهلاً قبيحاً بقوله ، فأما سؤال النبي -- نفسه ، فكيف لا نسأله وهو وسيلتنا ووسيلة أبينا آدم من قبلنا إلى ربنا..}. إلى آخر كلامه رحمه الله .
29- وقال الإمام المجتهد شيخ الإسلام تقي الدين السبكي كما ذكره في "شفاء السقام" ونقله المناوي وغيره في " شرح الجامع الصغير " ما نصه :
{ ويحسُن التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي -- إلى ربه ، ولم يُنكر أحدٌ من السلف}اهـ
30- و قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "فتح الوهاب شرح منهج الطلاب" في باب الزيارة:
{.. وصلى تحية المسجد بجانب المنبر وشكر الله تعالى بعد فراغها على هذه النعمة، ثم وقف مستدبر القبلة مستقبل رأس القبر الشريف ويبعد منه نحو أربعة أذرع ناظرا لأسفل ما يستقبله، فارغ القلب من علق الدنيا، ويسلّم بلا رفع صوت وأقلّه: السلام عليك يا رسول الله -- , ثم يتأخر صوب يمينه قدر ذراع فيسلّم على أبي بكر ثم يتأخر قدر ذراع فيسلّم على عمر رضي الله عنهما، ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه النبي -- ويتوسل به في حق نفسه , ويستشفع به إلى ربه , ثم يستقبل القبلة ويدعو بما شاء لنفسه وللمسلمين } اهـ .
31- وقال الإمام القسطلاني رحمه الله تعالى شارح البخاري في كتابه " المواهب اللدنّية " :
{ ويجوز الاستغاثة والتشفع والتوسل به -- ، فجدير لمن استشفع به أن يشفّعه الله ، فلا فرق بين أن يعبّر بلفظ الاستغاثة أو التوسل أو التشفع أو التوجه ، فكلٌّ من هذه الأشياء واقعة منه -- كما ذكره في " تحقيق النصرة " ، و " مصباح الظلام " قبل خلقه وبعده ، في حياته وبعد مماته في مدة البرزخ ، وبعد البعث ، و في عرصات يوم القيامة.} اهـ. ثم ذكر بعض الأدلة على ذلك.
- وقال أيضا في هذا الكتاب في بحث معجزاته -- :
{ وأما القسم الثاني وهو ما وقع بعد وفاته -- ، فكثير جداً إذ في كل حين يقع لخواصّ أمته من خوارق العادات بسببه- مما يدل على تعظيم قَدْره الشريف- ما لا يُحصى من الاستغاثة به ، وغير ذلك مما يأتي في المقصد الأخير في أثناء الكلام على زيارة قبره الشريف المنير صلى الله عليه وعلى آله وسلم}. انتهى.
32- وقال الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه " المستقصى في فضائل المسجد الأقصى " في بحث زيارة الخليل عليه السلام ما نصه :
{ ويقول الزائر : يا نبي الله ، إني متوجه بك إلى ربي في حوائجي لتُقضى لي ...
إلى أن قال : ثم يتوجه إلى الله تعالى بجميع أنبيائه ، خصوصاً بسيد الأولين والآخرين سيدنا محمد -- } . انتهى.
33- وقال الإمام السمهودي في " خلاصة الوفاء " :
{ وإذا جاء التوسل بالأعمال كما صحّ في حديث الغار ، وهي مخلوقة ، فالسؤال به صلى الله عليه وعلى آله وسلم أَوْلى [لأنه أفضل المخلوقات] ، ولا فرق بين التعبير بالتوسل أو الاستغاثة أو التشفع أو التوجه به -- في الحاجة ، وقد يكون ذلك بمعنى طلب أن يدعو الله في قبره- كما كان في حال الدنيا- ، إذ هو غير ممتنع مع علمه -- بسؤال من سأله ...}اهـ . إلى آخر كلامه .
وقال في الزيارة من هذا الكتاب :
{ ثم يقول : يا رسول الله ، إن الله قال فيما أنزل عليك : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك .. } الآية ، وقد وفدتُ عليك زائراً ، وبك مستجيراً , سائلاً منك أن تشفع لي إلى ربي ، فأنت شفيع المذنبين ، الوجيه المقبول عند رب العالمين ، وها أنا معترف بذنبي ، متوسل بك إلى ربي ، أتشفّع بك إليه لعله يرحم عبده وإن أساء ، ويعفو عما جنى ، ويعصمه ما بقي في الدنيا ببركاتك وشفاعتك ، يا خاتم النبيين وشفيع المذنبين .
أنت الشفيع وآمالي معلّقة ******* وقد رجوتك يا ذا الفضل تشفع لي
هذا نزيلك أضحى لا ملاذ له ******* إلا جنابك يا سُؤْلي ويا أملي }.انتهى
34- وقال الإمام ابن حجر الهيتمي في كتابه " الجوهر المنظّم في زيارة القبر المعظّم " :
{والاستغاثة بالنبي -- ، ولكن المستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى ، والنبي -- واسطة بينه و بين المستغيث ، فهو سبحانه مستغاث به و الغوث و الإغاثة منه خلقا و إيجادا -أي حقيقةً- ، و النبي مستغاثٌ والغوثُ منه سببا و كسبا فهو مستغاثٌ به مجازا . فالتوجّه و الاستغاثة به -- وبغيره ليس لهما معنى في قلوب المسلمين غير ذلك، ولا يقصد بهما أحدٌ منهم سواه، فمن لم ينشرح صدرُه لذلك فلْيبْكِ على نفسه! نسأل الله العافية! . وبالجملة ، إطلاق لفظ "استغاثة" لمن يحصل منه غوثٌ- ولو نبياً أو ولياً كسباً- أمرٌ معلوم لا شك فيه لغة وشرعاً ،فإذا قلتَ:يا الله أغثني، فالمقصود به الإسناد الحقيقي باعتبار الخلق و الايجاد، و إذا قلتَ: أغثني يا رسول الله، فالمقصود به الإسناد المجازي باعتبار الكسب و التوسط والتسبب بالشفاعة و الدعاء..}. إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.
وقارنْ بين كلام الإمام ابن حجر هنا ، و كلام ابن تيمية الذي نقلناه سابقا وهو قوله:
{.. ولهذا قال العلماء المصنّفون في أسماء الله تعالى : يجب على كل مكلّف أن يعلم أن لا غياث ولا مغيث على الإطلاق إلا الله ، وأن كل غَوْثٍ فمن عنده ، وإن كان جعل ذلك على يد غيره فالحقيقة له سبحانه وتعالى ، ولغيره مجازاً ..} اهـ .
فلا معنى –بعد هذا- لتكفير المستغيثين المتوسلين بالنبي -- ، لأنهم لا يعتقدون أنه مغيث على الحقيقة خلقا وإيجادا، بل تسبّبا و كسبا و مجازا. فتأمّلْ رحمك الله .
35- وفي حاشية الطبلاوي على "تحفة المحتاج" :
{ وَيُسَنُّ لِمَنْ قَصَدَ الْمَدِينَةَ الشَّرِيفَةَ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكْثِرَ فِي طَرِيقِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَزِيدَ فِيهِمَا إذَا أَبْصَرَ أَشْجَارَهَا مَثَلًا وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَهُ بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ وَيَتَقَبَّلَهَا مِنْهُ[...] ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ فَيَسْتَقْبِلُ رَأْسَهُ وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ، [...] إلى أن قال: ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ , وَلِيَسْتَشْفِعَ بِهِ إلَى رَبِّهِ , ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.} .اهـ
36- ومثله في " حاشية الإيضاح " لابن حجر أيضا ، و في " مناسكه " .
37- وقال الإمام العلامة الشهاب الرملي ما نصه :
{ الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين جائزة، وللأنبياء والمرسلين والعلماء والصالحين إغاثةٌ بعد موتهم ، لأن معجزة الأنبياء وكرامة الأولياء لا تنقطع بموتهم}.اهـ من فتاوى الرملي ص42 .
38- وقال الإمام الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" :
{ .. ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ فَيَسْتَقْبِلُ رَأْسَهُ ، وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ....
إلى أن قال:{.. ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِهِ -- وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، وَيَسْتَشْفِعَ بِهِ إلَى رَبِّهِ ......
ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .} اهـ
39- وقال الإمام الغزالي في إحياء العلوم (1/360) :
(يقول الزائر، اللهم قصدنا نبيك مستشفعين به إليك في ذنوبنا) .
40- و كذلك ذكر الرملي الصغير في " المناسك " ما ذكر النووي رحمهما الله تعالى فيما تقدم من طلب الشفاعة منه -- والتوسل به ، وأنه من المستحبات .
41- وقال الشوبري محشي " شرح المنهاج " في جواب سؤال رُفع له :
{ويجوز التوسل إلى الله تعالى والاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والعلماء والصالحين بعد موتهم ، وأما الأنبياء فلأنهم أحياء في قبورهم يصلّون ، كما وردت الأخبار، و الأولياء لا تنقطع كراماتهم بموتهم و قد وردت في ذلك آثار ووقائع } .
42- وقال الإمام المناوي رحمه الله في " مناسكه " التي على المذاهب الأربعة :
{ويتوسل بالمصطفى -- لنفسه وليستشفع به إلى ربه } . انتهى .
43-وكتب الإمام ابن عساكر في أربعينياته : "يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي" . تاريخ دمشق (6/443).
44- و قال شيخ الإسلام خاتمة الحُفّاظ ابن حجر العسقلاني الشافعي في قصائده المسمّاة "النيرات السبع":
يا سيد الرُسْل الذي منهاجُه = حاوٍ كمالَ الفضل و التهذيب
إلى أن قال:
فاشفعْ لمادحك الذي بك يتّقي = أهوالَ يوم الدين و التعذيبِ
قد صحّ أنّ ضناه زادَ و ذنبَه = أصلُ السّقام و أنت خير طبيبِ
و قال في أخرى:
يا سيدي يا رسول الله قد شرُفت = قصائدي بمديحٍ فيك قد رُصِفا
ببابِ جُودك عبدٌ مذنب كَلِفٌ = يا أحسنَ الناس وجْها مُشرقا وَ قفا
بكم توسّل يرجو العفوَ عن زلل = مِن خَوْفه جَفْنُه الهامي لقد ذَرَفا
و قال في أخرى:
اصدحْ بمدح المصطفى و اصْدَعْ به = قلبَ الحسود و لا تخفْ تفنيدا
و اقْصدْ له و اسْألْ به تُعْطَ المُنى = و تعيشُ مهْما عشْت فيه سعيدا
خير الأنام مَن ْ لجا لِجَنابِه = لا بِدْعَ أن أضحى به مسعودا
و قال في أخرى:
نبيَّ الله يا خير البرايا = بجاهك أتّقي فصْلَ القضاء
و أرجو يا كريمُ العفوَ عمّا = جنتهُ يداي يا رب الحباء
فقلْ: يا أحمدَ بن عليٍّ اذهبْ = إلى دار النعيم بلا شقاء
عليك سلام رب الناس يتلو = صلاة في الصبح و في المساء
و قال في أخرى:
يا سيّد الرُّسْل الذي فاق الورى = بأْسًا سَمَا كلَّ الوجود وجودا
هَـذِي ضراعةُ مذنبٍ متمسّك = بوَلائكم منْ يومِ كان وليدا
يرجو بك المَحْيا السعيدَ و بعْثه = بعد الممات إلى النعيم شهيدا
صلّى عليك و سلّم اللهُ الذي = أحيا بك الإيمان و التوحيدا
45- وذكر تلميذه الإمام الحافظ السخاوي في "وجيز الكلام في الذيل على دول الاسلام" قصيدة قرأها أمام سيد الأولين و الآخرين صلى الله عليه و سلم و منها:
أكرّرُ تسليمي مدى الدهر إنه = شفاءٌ لِقلْبي مِن أليم فِراقِهِ
و أُهْدي إلى القبر الشريف تحيةً = على قَدْر حالي في عظيم اشتياقِهِ
عسى تبلغُ الآمالُ منه بنظرةٍ = إليَّ فإن يفعلْ بفوْزٍ أُلاقِهِ
46- و للإمام العلامة المجدد للقرن السابع تقي الدين بن دقيق العيد في شعره قطعةٌ من هذا أيضا
47- وقال الإمام البكري في إعانة الطالبين (2/356) :
(ثم يرجع إلى موقفه الاول قبالة وجهه الشريف، فيقول: الحمد لله رب العالمين.
اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد. السلام عليك يا سيدي يا رسول الله.إن الله تعالى أنزل عليك كتابا صادقا، قال فيه: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) وقد جئتك مستغفرا من ذنبي , مستشفعا بك إلى ربي ) .
48- وقال العلامة الجمل في حاشيته على شرح المنهج لشيخ الإسلام :
(( قَوْلُهُ : وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ ) وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يَقُولُ مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْعُتْبِيِّ مُسْتَحْسِنِينَ لَهُ قَالَ كُنْت جَالِسًا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى { : وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوك فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } ، وَقَدْ جِئْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِك إلَى رَبِّي ) .
49- وفي حاشية البجيرمي على الخطيب :
( وَيُسَلِّمُ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ -- ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ صَوْبَ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ النَّبِيِّ -- وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ , وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ ) .
50- وفي شرح المحلي على المنهاج نقلًا عن شرح المهذب :
(ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ، وَمَنْ شَاءَ وَالْمُسْلِمِينَ) .أقوال السادة الحنابلة:
51- قال الإمام الموفق بن قدامة الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه " المغني " شرح " الخرقي " -وهو شيخ [شيوخ] ابن تيمية- :
{ .. ثم تأتي القبر فتولّي ظهرك القبلة وتستقبل وسطه وتقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا نبي الله وخيرته من خلقه وعباده، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أشهد أنك قد بلّغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين، فصلّى الله عليك كثيرا كما يحب ربنا ويرضى، اللهم اجز عنّا نبينا أفضل ما جزيت أحدا من النبيين والمرسلين وابعثه المقام المحمود الذي وعدته يغبطه الأولون والآخرون.......
..اللهم إنك قلتَ وقولك الحق: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفَروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) وقد أتيتُك [يا رسول الله] مستغفرا من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربي....}.اهـ
فقوله : " مستشفعاً بك " : أي طالباً منك الشفاعة ، لأن ( السين ) للطلب ، فخطابه لرسول الله- - وطلب الشفاعة منه ، دليل على أن ذلك مستحب عند السادة الحنابلة .
والإمام الموفق قال عنه ابن تيمية -كما نقله ابن رجب وابن العماد الحنبلي في "الشذرات"- ( ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الشيخ الموفّق)). وقال الحافظ الضياء المقدسي رحمه الله تعالى : رأيت الإمام أحمد رحمه الله تعالى في النوم فقال : (ما قصّر صاحبك الموفّق في شرح " الخرقي") . وقال الإمام عز الدين بن عبد السلام رحمه الله : (( ما رأيت في الإسلام مثل " المغني " للموفّق في جودته وتحقيق ما فيه)) .
52- وذكر الإمام شمس الدين بن قدامة الحنبلي في " الشرح الكبير " (وهو شرح " المقنع ") في آخر الحج في " باب زيارة النبي -- " رواية عن العتبي ، وذكر للزائر أن يخاطب النبيَّ -- ويطلب منه الشفاعةَ.
وهذا غير الموفق بن قدامة صاحب "المغني".
قال الحافظ الذهبي : (رأيت بخط ابن تيمية [ يقول عن صاحب الشرح الكبير] ما نصه : " توفي سيد أهل الإسلام في زمانه ، و قطب فلك الأيام في أوانه ، وحيد الزمان حقاً حقاً ، و فريد العصر صدقاً صدقا ، الجامع لأنواع المحاسن والمعالي ، البريء عن جميع النقائص والمساوي ، حتى إن كان المتعنت ليطلب له عيباً فيعوزه ..." )اهـ، ذكره ابن العماد في " الشذرات " .
53- وقال ابن مفلح الحنبلي في " شرح المقنع " :
{ قال في المذْهب : يجوز أن يُستشفع إلى الله تعالى برجلٍ صالح ، وقيل : يستحب . قال أحمد بن حنبل في " منسكه " الذي كتبه للمروذي : " يتوسل بالنبي -- في دعائه"، وجزم به في " المستوعب " وغيره}.
54- وذكر الإمام نصير الدين الحنبلي في " المستوعب " رواية العتبي ، وذكر الآية ، وقال كما في " المغني " و " الشرح الكبير " و زاد عليهما:
{ اللهم إني أتوجه إليك بنبيك -- نبي الرحمة ، يا رسول الله إني أتوجه بك إلى ربي ليغفر لي ذنوبي . اللهم إني أسألك بحقه أن تغفر لي ذنوبي }.
55- وهذا الذي ذكره الإمام أحمد في " منسكه " للمروذي ، كما قال في " المبدع " وجزم به في " المستوعب "، وهذه العبارة التي تقدمت هي عبارة " المستوعب " .
56- و في " منسك " الشيخ سليمان بن علي ، مثْلُ ما في " المغني " و "الشرح الكبير" من طلب الشفاعة من النبي -- .
57- و قال في "مطالب أُوْلي النُّهى شرح غاية المنتهى" في باب الحج :
{( ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ فَيَقِفَ قُبَالَةَ وَجْهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ ) وَيَسْتَقْبِلُ جِدَارَ الْحُجْرَةِ وَالْمِسْمَارِ الْفِضِّيِّ فِي الرُّخَامَةِ الْحَمْرَاءِ ، وَيُسَمَّى الْآنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ ، وَيَكُونُ ( مُطْرِقًا غَاضَّ الْبَصَرِ خَاضِعًا خَاشِعًا مَمْلُوءَ الْقَلْبِ هَيْبَةً ، كَأَنَّهُ يَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَإِنَّهُ اللَّائِقُ بِالْحَالِ ( فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَيَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَانَ ) عَبْدُ اللَّهِ ( ابْنُ عُمَرَ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ زَادَ ) عَلَيْهِ ( فَحَسَنٌ كَالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ ).
قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى " : وَيَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، وَخِيرَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ .....
....اللَّهُمَّ إنَّك قُلْتَ وَقَوْلُك الْحَقُّ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} وَقَدْ أَتَيْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذُنُوبِي مُسْتَشْفِعًا بِك إلَى رَبِّي فَأَسْأَلُك يَا رَبِّ أَنْ تُوجِبَ لِي الْمَغْفِرَةَ كَمَا أَوْجَبْتهَا لِمَنْ أَتَاهُ فِي حَيَاتِهِ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ أَوَّلَ الشَّافِعِينَ ، وَأَنْجَحَ السَّائِلِينَ ، وَأَكْرَمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
ثُمَّ يَدْعُو لِوَالِدَيْهِ وَإِخْوَانِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ }.اهـ
58- وقال الامام الحجاوي في الاقناع :
( ثم يرجع إلى موقفه الاول قبالة وجه النبي (ص) ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه) .
59- و قال البهوتي-شيخ الحنابلة- في "كشف القناع":
{ ( فَصْلٌ :وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ اُسْتُحِبَّ لَهُ زِيَارَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْرَيْ صَاحِبَيْهِ}.اهـ
ثم ذكر التوسل والإستشفاع بالنبي -- عند زيارة قبره كما مرّ في "المغني" وغيره , وذكر قصة العتبي وقوله : (وَقَدْ جِئْتُكَ مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذُنُوبِي مُسْتَشْفِعًا بِكَ إلَى رَبِّي) .
60- و قال ابن مفلح في "الفروع " أيضا:
{ ويجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في دعائه. قال أحمد في " منسكه " الذي كتبه للمروذي : ( و يتوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في دعائه) ، وجزم به في " المستوعب " وغيره}. انتهى .
وأما صفة التوسل الذي كتبه الإمام أحمد للمروذي رحمهما الله تعالى و جزم به في " المستوعب " ، فهو ما ذكرناه عنه سابقاً ، وليس في " المستوعب " غيره؛ وهو قوله : (( يا رسول الله ، إني أتوجه بك إلى ربي ليغفر لي ...)).
61- وفي " الغنية " للإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني الحنبلي في " باب الزيارة " :
{ [يقول الواقف أمام القبر]: اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة ، يا رسول الله إني أتوجه بك إلى ربي ليغفر لي ذنوبي ، اللهم إني أسألك بحقه أن تغفر لي .} اهـ
62- وذكر الإمام يحيى الصرصري الحنبلي -في شعره- الاستغاثةَ برسول الله -- ، وهو من أقران مجد الدين جدّ الشيخ تقي الدين بن تيمية، وأثنى عليه ابنُ تيمية في كتابه " الانتصار" فقال : ( الفقيه الصالح صاحب الشعر المشهور) ، وذكر شيئاً في مدح الإمام أحمد رحمه الله تعالى ، وهي القصيدة اللامية التي فيها العقيدة و في آخرها :
ولستُ من الخطْب الملمّ بخائف = وأنت لدى كل الحوادث لي وليّ
بعدما خاطبه بقوله :
لأنت إلى الرحمن أقوى وسيلة = إليها بها في الحادثان توسّلي
وسلْ لي ربَّ العالمين يُميتني = على السُنة البيضاء غير مبدّل
وقال في قصيدة أخرى :
ألا يا رسول الله أنت وسيلتي = إلى الله إن ضاقت بما رمت حيلتي
وكل ديوانه هكذا ، وديوانه مشهور في أقطار الدنيا من قبل زمان ابن تيمية إلى يومنا هذا ، فلم يعترضْ عليه أحد ، بل مدحه تقي الدين بن تيمية بقوله : (الفقيه الصالح صاحب الشعر المشهور) . فلو كان نداء النبي -- والسؤال منه وطلب شفاعته شركاً وكفراً ، لتكلّم الأئمة الأعلام عليه وذمّوه وحذّروا الناس من شعره والتكلّم به والنظر فيه.
فلمّا لم يتكلم عليه أحد من جميع العلماء من زمانه إلى يومنا هذا ، دلّ على أن هذه الأمور ليست من الشرك الأكبر ، بل ولا من الشرك الأصغر ، لأن الشرك الأصغر -وإن لم يكن مخرجاً عن الملة- فهو محرّم أو مكروه مسْقطٌ للعدالة .
بل قد أثنى العلماء الأعلام على الصرصري -رحمه الله تعالى- ومدحوه على الشعر ، منهم ابن رجب الحنبلي في " ذيل الطبقات " ، ومنهم ابن العماد الشامي الحنبلي في كتابه " شذرات الذهب " وغيرهم من العلماء و الأئمة الحفاظ و المؤرخين.
63- وقال الشيخ شبيب بن حمدان أخو صاحب " الرعايتين" الحنبلي الحراني- وهو ابن عم مجد الدين بن تيمية- : {عارض الإمامُ الصرصري قصيدةَ " بانت سعاد " [لكعب بن مالك] بقصيدة عظيمة، منها قوله يخاطب النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
فاشفعْ لقائلها يا من شفاعتُه ********* تفكّ من هو مكبوت و مكبول }.اهـ
64- أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي قال في التبصرة 2/246 :
( وإذا وصل الحاج إلى المدينة المشرفة فيجعل على فكره تعظيم من يقصده وليتخايل في مساجدها وطرقاتها نقل أقدام المصطفى هناك وأصحابه وليتأدب في الوقوف وليستشفع بالحبيب وليأسف إذ لم يحظ برؤيته ولم يكن في صحابته) . .
وهذه النصوص في كتبٍ عندي مع قصر باعي و قلة اطّلاعي ، وقد تركتُ كثيراً منها خوف السآمة والملامة ، ومن لم ينفعه الله تعالى ، لم ينفع نصح الملأ له .
فهذه نصوص علماء الحنابلة ، بل نصُّ الإمام أحمد رحمه الله تعالى في " منسكه " للمروذي .
فقد أطبق متقدّموهم و متأخّروهم على ندائه وخطابه وطلب الشفاعة منه -- .
فكيف يصحّ أن يقال : هذا كفر و شرك ؟؟!! ، فهل هذا إلا جهل و إفك على العلماء الأعلام ؟!!
وهؤلاء الذين نقلنا عنهم من أئمة المذاهب الأربعة هم عمدة أهل كل مذهب وغيرهم مثلهم، ولكنا لو أردنا أن ننقل كل من ذكر ، لضاق النطاق ونفدت الأوراق . وهؤلاء هم فقهاء المذاهب و نَقَلة الدين ، والناس عنهم أخذوا أقوال أئمتهم من المذاهب جيلا بعد جيل.
وقد نقل الذهبي عن ابن تيمية في " مختصر منهاج الاعتدال " :
{ إن جميع أرباب الفنون يجوز عليهم الخطأ إلا الفقهاء والمحدّثون؛ فلا هؤلاء يجوز عليهم الاتفاق على مسألة باطلة ، ولا يجوز على هؤلاء التصديق بكذب ولا التكذيب بصدق }انتهى .
وهؤلاء الوهابية جعلوا رأسَ مالهم الطعن في نَقَلة الدين ، وسوء الظن بهم وعدم الرضا بأقوالهم المخالفة لهواهم . فإن كانوا عندك مرضيّين أيها المعترض ، فبها ونعْمَت ، وإلا فأنت مدّعٍ لك رتبةً لا تُسلّم لك، أو تموت فيقال لك : من أين أخذت علمك هذا ؟ فإن كان عن الله ورسوله فما أظن هؤلاء جميعا عدلوا عنه ، وإن حظيتَ به و جهلوه وأنتَ علمْته ، فقد قدّمنا لك من الآيات والأحاديث والآثار ما هو ردّ عليك ، إذ يكفي ورود ذلك حجة عليك ودلالة ظاهرة للأمة المحمدية .
بل كيف يكون هؤلاء جميعا لم يعلموا الشرك من التوحيد، و علمَتْه شرذمةٌ من الخوارج ؟!
و يقول صلى الله عليه و سلم: (من أراد منكم بحبوحة الجنة فلْيلزمْ الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ). أخرجه الترمذي و قال: حديث حسن صحيح.
و روى الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في "تلبيس إبليس" عن أسامة بن شريك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( يد الله على الجماعة فإذا شذّ الشاذ منهم اختطفته الشياطين كما يختطف الذئب الشاة من الغنم). قال: وبالإسناد قال الإمام أحمد: ثنا روح ثنا سعيد عن قتادة قال ثنا العلاء بن زياد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية، فإياكم والشّعاب، وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد).
قال: وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( اثنان خير من واحد، وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة؛ فعليكم بالجماعة فإن الله عز وجل لم يجمع أمتي إلا على الهدى).
وعن عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( يد الله مع الجماعة والشيطان مع من خالف يركض ).
قال: وروى أحمد و الطبراني و الحاكم في المستدرك من حديث معاوية بن أبي سفيان أنه قام فقال: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال: ( ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبيه).اهـ (1)
-------------------------------------
1- عن : نحت حديد الباطل وبرده , بتصرف كثير بزيادات وحذف واختصار .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق