الأحد، 23 أبريل 2017

الذبح والنذر لغير الله تعالى


معنى (الذبح والنذر لغير الله) :
كثيراً ما نسمع الوهابية يقولون أنّ الذبح لغير الله تعالى شرك , وأنّ من ذبح للبدوي أو للعيدروس أو لولي من الأولياء فقد أشرك , ومعلوم أنّ الذبح بقصد التعبد والتقرب لغيره تعالى شرك , فقد بينت فيما سبق أن الفعل بقصد التعبد يعتبر عبادة , إلا أنّ المؤمن عندما يذبح لوالده أو لقريبه أو لأحد الأولياء , فلا يتطرق هذا الوهم إلى تفكيره بتاتاً , بل يقصد أن يهدي ثواب الذبيحة لوالده أو لقريبه أو للولي , وخصوصاً أنّه يسمّى الله وحده على ذبيحته .(1)

قال العلامة العزامي في فرقان القرآن (133) :
( ومن استخبر حال من يفعل ذلك من المسلمين ، وجدهم لا يقصدون بذبائحهم ونذورهم للأموات ـ من الأنبياء والأولياء ـ إلاّ الصدقة عنهم ، وجعل ثواباها لهم ، وقد علموا أنّ إجماع أهل السنة منعقد على أن صدقة الأحياء نافعة للأموات ، واصلة إليهم ، والأحاديث في ذلك صحيحة مشهورة. 
فمنها : ما صحّ عن سعد أنّه سأل النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) قال : يا نبىّ اللّه إنّ اُمّي قد افتلتت ، وأعلم أنها لو عاشت لتصدّقت أفإن تصدّقتُ عنها أينفعها ذلك؟ 
قال ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : نعم. فسأل النبي : أىّ الصدقة انفع يا رسول اللّه؟ 
قال : الماء. 
فحفر بئراً وقال : هذه لأُم سعد...
اللام في « هذه لأُم سعد » ،  هي اللام الداخلة على الجهة الّتي وجهت إليها الصدقة لا على المعبود المتقرب إليه ، وهي كذلك في كلام المسلمين ، فهم سعديون لا  وثنيون ، وهي كاللام في قوله تعالى : ( إنّما الصّدقات للفرقاء ) لا كاللام في قوله سبحانه : ( رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا في بَطْني مُحرَّراً ) أو في قول القائل : صلّيت للّه ونذرت للّه ، فإذا ذبح للنبي أو الولي أو نذر الشيء له فهو لا يقصد إلاّ أن يتصدق بذلك عنه ، ويجعل ثوابه إليه ، فيكون من هدايا الأحياء للأموات ، المشروعة ، المثاب على إهدائها ، والمسألة محرّرة في كتب الفقه وفي كتب الردّ على الرجل ومن شايعه » ) .

والذبح عمّن فارق هذه الحياة الدنيا من الأنبياء أو الأولياء أو الوالدين أو أي شخص من المسلمين هو داخل في التقرب إلى الله تعالى , بأن يكون لأجل إهداء الثواب للأنبياء أو غيرهم من المسلمين أي ثواب الصدقة عن الأموات ، وهو أمر مندوب إليه شرعاً , وقد اعتاد المسلمون في بقاع كثيرة أن يتقربوا إلى الله تعالى بهذا العمل كما قال الله تعالى ((فصل لربك وانحر )) وكما قال تعالى ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )) ثم يتصدقون بهذه الذبيحة على فقراء المسلمين , ويطلبون من الله تعالى أن يجعل ثوابها لنبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أو لولي من الأولياء رحمهم الله تعالى ،أو لعالم من علماء الأمة الإسلامية أو للوالدين أو لولد من أولاده ، أو غير ذلك من أسباب التواصل والإحسان.

وقد وقع الوهابية في اتهام إخوانهم بالشرك وقالوا : إنهم يذبحون الذبائح عبادة للنبي عليه الصلاة والسلام أو للولي ، لأنهم يقولون هذه الذبيحة للنبي –ص- ،وهذا شرك يخرج من الملة , ولا شك أن الأمر لو كان عبادة لأي مخلوق فهو شرك مخرج من الملة , ولكن هذا الكلام باطل لم يقع من إخواننا المسلمين , بل هم يذبحون عبادة لله تعالى وحده لا شريك له , وقولهم "هذه للنبي –صلَّى الله عليه وآله وسلم -" هو كما نقول : "ذبحت للضيوف" أي لإكرامهم بالأكل منها لا لقصد عبادتهم , وكذلك ذبحوا للأولياء من باب إهداء الثواب لهم لا من باب عبادتهم .
وتأمل في قول الله تعالى (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ...)) فإن اللام الداخلة هنا على كلمة الفقراء تفيد جهة الصرف , وليس المقصود أن الصدقة عبادة للفقراء ، وليست كاللام الداخلة على "الله" جل جلاله في مثل قوله تعالى ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)) فهنا اللام المقصود بها عبادة لله .
وكذلك تأمل في هذا الحديث عن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - : قال : « قلت : يا رسول الله ، إن أمي ماتت ، فأي الصدقة أفضل ؟ قال : الماء ، فحفر بئرا وقال : هذه لأم سعد ». أخرجه أبو داود ، والنسائي . ومعلوم أنه لايقصد عبادة لأم سعد ، ولا أن تشرب منها ، وإنما المقصود أن يكون لها ثوابها. 
فالمسلمون يذبحون لله تعالى وحده لا شريك له , ويكون ثوابه للأولياء أو غيرهم من المسلمين , وليس عبادة للأولياء كما يردده الوهابية .
والصدقة عن الميت بالنقود أو باللحم أوبالماء أو غيره من الصدقات بقصد إهداء الثواب إليه جائز بلا ريب , فمن الأمثلة على الصدقة بشيء من الذبائح ما روت السيدة عائشة رضي الله عنها ، قالت: ((ما غرت على أحد من نساء النبي –ص- ما غرت على خديجة وما رأيتها , ولكن كان النبي –ص- يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ، ثم يبعثها في صدائق خديجة ؛ فربما قلت له : كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟! فيقول: إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد)) متفق عليه .أخرجه البخاري في: 63 كتاب مناقب الأنصار: 20 باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها.
وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها أن رجلاً قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: إن أمي افْتَلَتَتْ نَفْسُها ، وأراها لو تَكَلَّمَتْ ، تصَدَّقَتْ؛ فهل لها أجرٌ إن تَصَدَّقْتُ عنها؟ قال: ((نعم)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
قال ابن عبد البر : فأما الصدقة عن الميت فمجتمع على جوازها لا خلاف بين العلماء فيها ، وكذلك العتق عن الميت جائز بإجماع . التمهيد لابن عبد البر 20 / 27
وقال القرافي : أجمع العلماء على أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها ، وعلى وصول الدعاء وقضاء الدين للنصوص الواردة في ذلك . الفروق للقرافي 4 / 398
وقال النووي : أجمع المسلمون على أن الصدقة عن الميت تنفعه وتصله ، وقال أيضاً : الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها باجماع العلماء ، وكذا أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين بالنصوص الواردة في الجميع. المجموع للنووي 5/286 وشرح صحيح مسلم للنووي 7 / 90 

وقال أيضاً في روضة الطالبين عن الذبح (كتاب الضحايا-تجديد النية عند الذبح) :
(وإذا ذبح للصنم لم تؤكل ذبيحته سواءً كان الذابح مسلما أو نصرانياً , وفي تعليقة للشيخ إبراهيم المروروذي رحمه الله أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقرباً إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه , لأنه مما أهل به لغير الله تعالى , واعلم أن الذبح للمعبود وباسمه نازل منزلة السجود له , وكل واحد منهما نوع من أنواع التعظيم والعبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة , فمن ذبح لغيره من حيوان أو جماد كالصنم على وجه التعظيم والعبادة لم تحل ذبيحته , وكان فعله كفرا كمن سجد لغيره سجد عبادة , وكذا لو ذبح له ولغيره على هذا الوجه فأما إذا ذبح لغيره لا على هذا الوجه بأن ضحى أو ذبح للكعبة تعظيما لها لأنها بيت الله تعالى أو الرسول لأنه رسول الله –ص- فهذا لا يجوز أن يمنع حل الذبيحة , وإلى هذا المعنى يرجع قول القائل : أهديت للحرم أو للكعبة , ومن هذا القبيل الذبح عند استقبال السلطان فإنه استبشار بقدومه نازل منزلة ذبح العقيقة لولادة المولود , ومثل هذا لا يوجب الكفر , وكذا السجود للغير تذللا وخضوعا , وعلى هذا إذا قال الذابح : باسم الله وباسم  محمد , وأراد أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد فينبغي أن لا يحرم , وقول من قال لا يجوز ذلك يمكن أن يحمل على أن اللفظة مكروهة , لأن المكروه يصح نفي الحواز والإباحة المطلقة عنه , ووقعت منازعة بين جماعة ممن لقيناهم من فقهاء قزوين في أن من ذبح باسم الله واسم رسول الله –ص- هل تحل ذبيحته؟ وهل يكفر بذلك؟ وأفضت تلك المنازعة إلى فتنة , والصواب ما بيناه , وتستحب الصلاة على النبي –ص- عند الذبح , نص عليه في الأم , قال ابن أبي هريرة لا تستحب ولا تكره ) .

مكان الذبح :
إذا علمنا أن الذبح للأنبياء أو الأولياء ليس بقصد عبادتهم , وإنما بقصد إهداء ثواب الصدقة للأنبياء عليهم السلام أوالأولياء أو غيرهم من المسلمين , فأين يكون مكان الذبح ؟
الأصل هو جواز الذبح في أي مكان كان ما لم يأت نص يدل على تحريم الذبح في مكان بعينه , وما عدا ذلك فهو تحكم محض لا دليل يدل عليه , فمن خص مكاناً بالتحريم فعليه الدليل , لأن الأصل في الأشياء الإباحة , فقد جاء في تلخيص الحبير للإمام ابن حجرالعسقلاني رحمه الله ما نصه (4/439):
{ أن رجلا نذر أن ينحر إبلا في موضع سماه ، فقال له رسول الله –ص- : هل فيه وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قال : لا ، قال : أوف بنذرك } .أبو داود من حديث ثابت بن الضحاك بسند صحيح ، ومن حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، وسمى الموضع " بوانة " , ورواه ابن ماجه من حديث ابن عباس ، ويشبه أن يسمى الرجل كردمة ، فقد رواه أحمد في مسنده من حديث عمرو بن شعيب ، عن { ابنة كردمة ، عن أبيها أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر ثلاثة من إبلي فقال : إن كان على وثن من أوثان الجاهلية فلا } - الحديث - وفي لفظ لابن ماجه عن { ميمونة بنت كردمة الثقفية : أن أباها لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهي رديفة كردمة ، فقال : إني نذرت أن أنحر ببوانة ، فقال : هل فيها وثن ؟ قال : لا ، قال : فأوف بنذرك } .انتهى من تلخيص الحبير .

وجاء في سنن أبي داود بسنده عن ثابت بن الضحاك { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة ، فقال : أكان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا : لا ، قال : فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قالوا : لا ، قال : أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم } رواه أبو داود .

وعليه نعلم فمن الخطأ أن ننهى الناس عن الذبح لله تعالى صدقة عن موتاهم أو عن موتى المسلمين , سواءً ذبحوا في أرض فضاء في البراري , أو في مجزرة قريبة من القبور أو بعيدة عنها.

أما الذبح داخل القبور المسبلة فلا يجوز , لأنها أرض موقوفة للدفن , فلا يجوز التصرف فيها بغير ذلك , ومعلوم أن المسلمين لا يدخلون أسوار المقبرة للذبح فيها إطلاقاً سواء كانت مسبلة أو غير مسبلة ، وإنما يذبحون في أماكن مخصصة للذبح نظّمتها الإدارات المختصة بذلك في بلادهم , مع العلم أن أكثر الأضرحة المشهورة توجد في مقصورات أو في غرف داخل المساجد , كما نرى قبر النبي –صلى الله عليه وسلم- وقبر الولي الصديق سيدنا أبي بكر –ر- وقبر الولي الفاروق عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- , وهناك كثير من الأولياء توجد قبورهم في مقصورة خاصة داخل المسجد ، وسميت مقصورة لأنها تقصر حدود القبر على هذا الموضع الذي لا يعتبر من المسجد الذي أوقف للصلاة فيه , بل هو مستثنى من ذلك حسب وقف الواقف , فجزء من الأرض للصلاة وجزء يسير لهذا القبر.

فلا يمكن أبداً تصوّر الذبح عند قبورهم لأن البقعة الخاصة بالصلاة محيطة بها ، وإنما هذا من تهويل المشددين على إخوانهم هدانا الله وإياهم , وكذلك القبور التي في نفس المقابر لا يذبح فيها أصلاً بل هو محض تهويل. (2)

-----------------------------------عثمان محمد النابلسي -------------
1- ذهب الجمهور إلى حرمة ذكر اسم غير الله تعالى على الذبيحة , وذهب الشافعية إلى كراهة ذلك , فقد جاء إعانة الطالبين (2/394) :
((تنبيه) لا يقول باسم الله، واسم محمد , فلو قال ذلك حرمت ذبيحته وكفر إن قصد التشريك , فإن أطلق حلت الذبيحة وأثم بذلك.
وإن قصد أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد , كره وحلت الذبيحة فالاقسام ثلاثة:
أ- الحرمة مع حل الذبيحة في صورة الاطلاق.
ب- الكفر مع حرمة الذبيحة في صورة قصد التشريك.
ج- الكراهة مع حل الذبيحة في صورة قصد التبرك باسم محمد )
2- بتصرف واختصار من مقال الذبح لغير الله , للشيخ غيث الغالبي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق