الأحد، 23 أبريل 2017

نصوص في طلب أمور ٍغير مقدورة عادةً للبشر والتسبّب فيها

نصوص في طلب أمور ٍغير مقدورة عادةً للبشر والتسبّب فيها :


1- ملك الجبال يعرض على النبي –صلى الله عليه وسلم-أن يطبق على المشركين جبلين بمكة : 

روى البخاري ومسلم عن عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ : ( لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) 

لكنك لو سألت أحد الوهابية قائلاً : لو طلب رجل من أحد المخلوقات أن يطبق جبلين على أهل مدينة , فهل يكون مشركاً؟
فسيكون جوابه : بالطبع نعم , لأنه سأل المخلوق أمراً لا يقدر عليه إلا الله تعالى .

مع أن الله تعالى بعث ملك الجبال ليعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم-إطباق الأخشبين على المشركين , وهذا فعل لا يقدر عليه إلا الله تعالى , والله تعالى لا يأمر بالشرك , فلو طلب النبي -صلى الله عليه وسلم-من ملك الجبال أن يطبق الأخشبين على أهل مكة فهل سيكون مشركاً؟! حاشا وكلا ..

وقد يتهرب وهابي فيقول : إن ملك الجبال يقدر على ذلك , فيكون الطلب منه طلباً من القادر , وليس فيه طلب أمر لا يقدر عليه إلا الله!
فنقول له : إن الذين تكفرونهم ممن يستغيث بغير الله تعالى , لا يطلبون من المخلوق شيئاً أعظم من هذا المقدور لملك الجبال , فلا يكون في استغاثتهم طلب ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى , بل قد أعطى الله تعالى بعض مخلوقاته العظيمة التسبب في مثل هذه الأمور , فقد أعطى الله تعالى جبريلَ –ع- القدرة على اقتلاع مدائن قوم لوط ,
وحتى على فرض أن من يستغيثون به غير متسبب في ذلك الفعل , إلا أنّ غيره من المخلوقات –كالملائكة والجن مثلاً- قادرة عليه , فلا يكون طلبه شركاً , لأنه أخطأ في نسبة السببية لذلك المخلوق المعين , وهذا ليس شركاً عندنا وعندكم , فقد مر في كلام آل الشيخ قوله :
( إذا استغاث فيما يقدر عليه غير الله من المخلوقين , لكن هذا المخلوق المعين لم يقدر على هذا الشيء ، فإنه لا يكون شركا ) .. 

لكنّك لو سألت بعض الوهابية عن إطباق جبلين لقالوا أنّ هذا مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى , فنقول لهم حينئذ : يجب أن تقولوا إن طلب أمر لا يقدر عليه إلا الله تعالى ولم يمكّن منه أحداً من الخلائق شرك , وهذا ما لا يطلبه من تكفرونه ممن يستغيث المخلوق , وطلب أمر لا يقدر عليه إلا الله تعالى ومكّن منه بعض الخلائق كالملائكة ليس شركاً .


2- سيدنا سليمان -عليه السلام-يطلب من مَلَئِه أمراً غير مقدور عادة :

لقد طلب سيدنا سليمان –عليه السلام- من أهل مجلسه من الجن والإنس أن يأتيه أحدهم بعرش بلقيس , فأخبر القرآن أنه قال : ((يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين)) , فقد طلب منهم أن يأتوا بذلك العرش العظيم من بلاد اليمن إلى بلاد الشام , على طريقة خارقة للعادة , ليكون ذلك آية لبلقيس داعية إلى إيمانها , ولا يقدر على ذلك إلا الله تعالى , ولم تجر العادة بتمكين الإنس والجن منه , إلا أنّ سيدنا سليمان دعاهم وسألهم أن يأتوه بذلك العرش الكبير , فقال لهم : ((أيكم يأتيني)) , فنسب الفعل إليهم , ولم يقل لهم أيكم يدعو الله تعالى أن يأتيني بعرشها , فأجابه الرجل الصالح بقوله : ((أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك)) , فنسب الفعل إلى نفسه وقال : ((أنا آتيك به)) , فهل أشرك سيدنا سليمان –ع- والرجل الصالح بهذا السؤال؟!

وهل يستطيع عاقل أن يقول عن سيدنا سليمان : لماذا طلب هذا الأمر الخارق من الملأ؟ أليس الله سميعاً بصيراً بدعائه وطلبه , قادراً على تلبية حاجته؟ ألم يقل الله تعالى : ((وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب))؟ ألم يقل الله تعالى : ((ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك))؟ ولماذا جعل سيدنا سليمان الرجلَ الذي عنده علم من الكتاب واسطة بينه وبين الله تعالى؟ أليس الأجدر به أن يسأل الله تعالى مباشرة بدلاً من أن يسأل الملأ؟! ألم يقل الله تعالى : ((أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء))؟ ألم يقل الله تعالى : ((وقال ربكم ادعوني أستجب لكم))؟!


3- النبي -صلى الله عليه وسلم- يُخرج عمّه من الدرك الأسفل من النار إلى ضحضاح :

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-عن عمّه أبي طالب فيما رواه البخاري ومسلم واللفظ له : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ, فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ, هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ , وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ" .
.... عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُكَ , فَهَلْ نَفَعَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ , وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنْ النَّارِ فَأَخْرَجْتُهُ إِلَى ضَحْضَاحٍ" ) .

أليس إخراج الناس والتصرف في النار ممّا لا يقدر عليه إلا الله تعالى؟ وهل النار بيد النبي -صلى الله عليه وسلم-حتى يخرج من دركها الأسفل عمّه؟ فكيف قام النبي -صلى الله عليه وسلم-بإخراج عمّه إلى ضحضاح من النار؟

إنّ هذا الأمر وإن كان مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى , إلّا أنّ الله تعالى مكّن منه نبيّه -صلى الله عليه وسلم-, فنسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-ليست من الشرك , لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-متسبب فيه لا قادر على ذلك بالاستقلال , كيف لا وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ)!!


4- النبي -صلى الله عليه وسلم- يَحشُرُ الناسَ على قدمه :


وقد روى البخاري في الصحيح عن جبير بن مطعم –رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم-قال له :
(أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ , وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ , الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ )
وفي رواية ابن أبي شيبة في مصنفه والطبراني في الكبير : (وأنا الحاشر.. أحشرُ الناسَ على قدمي!)

فكيف يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-عن نفسه الحاشر الذي يَحشر الناسَ على قدمه ؟ مع أنّ الحشر والنشر مختصان بالله تبارك وتعالى كما أخبر القرآن المجيد؟ أليس هذا شركاً في الملّة الوهابية؟
لا يشك مؤمن أنّ ذلك من باب التسبب لا الاستقلال .

5- النبي -صلى الله عليه وسلم- يُخرج عُصاة الموحدين من النار ويدخلهم الجنة!! :

روى الشيخان حديث الشفاعة وفيه : 
( فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! أُمَّتِي أُمَّتِي , فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ , فَأَخْرِجْهُ مِنْ النَّارِ , فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ!!)
وعند النسائي : (فيحد لي حدا , فأخرجه من النار وأدخله الجنة!)

أليس الإخراج من النار وإدخال الجنة مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى! , وهل النار والجنة بيد النبي -صلى الله عليه وسلم-حتى يخرج أحداً من النار ويدخله الجنة؟!!


6- المؤمنون يُخرجون إخوانهم من النار!! :


روى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: 
( فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ , وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ , فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ , فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ , فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ , فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ , فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ , فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ) .

ومن المعلوم أن الإخراج من النار مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى!


7- النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب من الجبل المرتجف أن يسكن! :

ومن المعلوم أن تسكين الجبال عندما ترجف لا يقدر عليه إلا الله تعالى , وقد روى البخاري في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان –رضي الله عنهم- عندما صعدوا جبل أحد , رجف بهم , فضربه النبي -صلى الله عليه وسلم-برجله وقال : ( اثْبُتْ أُحُدُ , فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدَانِ ) .

فقد مكّن الله تعالى نبيّه من تسكين جبل أحد عندما رجف , مع أنّ الجبل لا يسمع ولا يبصر ولا حياة فيه فهو كالميت , لكنّ النبي -صلى الله عليه وسلم-سأله وطلب منه أن يثبت , ولا يعقل أن يقول أحد أنّ هذا الطلب والسؤال شرك!! بحجة أنّ الجبل كالأموات لا حياة فيه , وأنّ سؤال المخلوق ما لا يقدر عليه إلا الله شرك!! فمن قال ذلك كان هو المشرك!

8- النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو شجرةً أن تأتي وتتكلّم! :

وقد روى ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر ، قال : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأقبل أعرابي ، فلما دنا منه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أين تريد ؟ » ، قال : إلى أهلي . قال : « هل لك إلى خير ؟ » ، قال : ما هو ؟ قال : « تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله » ، قال : هل من شاهد على ما تقول ؟ قال صلى الله عليه وسلم : « هذه السمرة » ، فدعاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وهي بشاطئ الوادي ، فأقبلت تخد الأرض خدا حتى كانت بين يديه ، فاستشهدها ثلاثا ، فشهدت أنه كما قال ، ثم رجعت إلى منبتها ، ورجع الأعرابي إلى قومه ، وقال : إن يتبعوني أتيتك بهم ، وإلا رجعت إليك فكنت معك.. ).

ومعلوم أن تحريك الشجرة وإقبالها مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى , إلا أنّ الشجرة أتت بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-وطلبه , فهل طلب النبي -صلى الله عليه وسلم-من الشجرة التي لا تسمع ولا تبصر أن تأتي وتتكلم شرك؟! بحجّة أنّه طلب من الشجرة الإقبال والكلام وهو مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى! لا يقول هذا مؤمن .
ومن الباطل أن يقال : أنّ دعاء الشجرة لتحضر وتتكلم شرك , إلا أنّه لمّا صدر من النبي -صلى الله عليه وسلم-لم يكن شركاً بل هو معجزة له!! لأن ذلك يعني أنّ فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-شرك , لكنّه لكونه صدر من النبي -صلى الله عليه وسلم-لم يكن شركاً , فيكون الشرك للنبي -صلى الله عليه وسلم- مباحاً!


9- النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يطلب من الشَّمْسَ أن تتأخر سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ! :

وقد روى الطَّبَرَانِيِّ في الْأَوْسَطِ " مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ : ( أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ الشَّمْسَ فَتَأَخَّرَتْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ) , قال ابن حجر في الفتح : (وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ) .

فكيف يطلب النبي -صلى الله عليه وسلم-من الشمس أن تتأخر ؟ وهل حركة الشمس بيد النبي –ص-؟ ثم كيف يخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم-جماداً كالشمس ويطلب منه ويأمره؟ وهل يقدر أحد على تأخير الشمس إلا الله؟ أليس هذا عين الشرك عند الوهابية؟! 

وقد سأل الصحابةُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-أموراً لا يقدر عليها إلا الله تعالى , دون أن يعتقدوا أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم-موجد خالق لتلك الأمور , بل اعتقدوا أنّه سبب في ذلك فقط , وأنّ الله تعالى أعطاه القدرة على هذه الأمور , فهو قادر عليها تسبباً لا استقلالاً وتأثيراً ذاتياً , ومن ذلك :


10- أبو هريرة –رضي الله عنه- يطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم-عدم النسيان
فيغرف له من الهواء في ردائه!! :


روى البخاري : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ , قَالَ: "ابْسُطْ رِدَاءَكَ" فَبَسَطْتُهُ , قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "ضُمَّهُ" فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ) .
فقد طلب أبو هريرة من النبي -صلى الله عليه وسلم-عدم النسيان , وهذا أمر لا يقدر عليه إلا الله , لكنّ المؤمن الموحّد يعلم يقيناً أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم-ليس إلا متسبباً في ذلك , ليس له فعل ذاتي استقلالي , فقد أجابه النبي -صلى الله عليه وسلم-وغرف له من الهواء وألقاه في الرداء , وأمره بضمه فضمّه , فكان ذلك سبباً لعدم نسيانه شيئاً بعده , فهل أشرك أبو هريرة –ر- بهذا الطلب؟ وهل قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تسألني واسأل الله تعالى مباشرة فإن الله أقرب إليك من حبل الوريد؟
لا يقال أنّ أبا هريرة طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم-أن يدعو له , فإن ظاهر الرواية لا يدل على ذلك , ثم إن الرواية ليس فيها أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم-دعا له , فالتحجج بمثل هذه الأوهام الباردة مردود , لا تدل عليه الرواية بنوع من أنواع الدلالة.


11- قتادة بن النعمان يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-أن يردّ عينه!
فيردها بيده الشريفة :


وقد سأل قتادة بن النعمان –رضي الله عنه- النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-أن يرد عليه عينه لمّا سالت حدقته على وجنته , وهذا أمر لا يقدر عليه إلا الله تعالى , فردّها النبي -صلى الله عليه وسلم-بيده فاستوت ورجعت , قال الحاكم في المستدرك 3/334:
((وشهد قتادة بن النعمان العقبة مع -صلى الله عليه وسلم-، شهد بدراً وأحداً، ورُميتْ عينه يوم أحد، فسالت حدقته على وجنته، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فقال: يا رسول الله! إن عندي امرأة أحبّها ، وإن هي رأت عيني خشيتُ تقذّرها , فردَّها رسول الله بيده ، فاستوت ورجعت ، وكانت أقوى عينيه وأصحّهما بعد أن كبر، وشهد أيضاً الخندق والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-))
وروى هذه القصة ابن أبي شيبة في مصنفه , ورواها البغوي , والبيهقي في الدلائل , وأبو يعلى في مسنده , وأبو نعيم في معرفة الصحابة , وأوردها الهيثمي في مجمع الزوائد , وابن حجر في الإصابة .


12- ربيعة بن كعب –رضي الله عنه- يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- مرافقته في الجنّة!!
والنبي -صلى الله عليه وسلم-يلبّي سؤاله :


وقد روى مسلم في صحيحه أنّ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ عندما قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-(سَلْ) , قال : ( أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ! ) .
والجنّة بيد الله سبحانه وتعالى , ولا يقدر على إعطائها إلا هو , لكنّ هذا الصحابي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-أمراً لا يقدر عليه إلا الله تعالى , ولم يقل له النبي -صلى الله عليه وسلم-لقد أشركت بسؤلك هذا , وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-له ((سَلْ)) غير مقيدة ولا مخصصة , وهذا الحديث الجليل الصحيح قاطع للوهابية بكل كلمة منه , فقد قال الإمام ملا علي قاري في شرحه هذا الحديث في المرقاة : ( ويؤخذ من إطلاقه عليه السلام الأمر بالسؤال , أن الله تعالى مكّنه من إعطاء كل ما أراد من خزائن الحق ) .
فأي شرك في الملة الوهابية هذا يقره الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟!

وعلى كلّ حال , فإنّ دعاء المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى ليس شركاً إلا إذا قصد به التعبد , أو اعتقد الداعي في المخلوق أمراً لا يصلح إلا لله تعالى , أمّا إن اعتقد السائل أنّ الله تعالى مكّن بعض خلقه من هذا الأمر , واعتقد أنّ المخلوق متسبب فيه فقط , وليس له تأثير ذاتي واستقلالي , كما مكّن الله تعالى سيدنا عيسى من شفاء المرضى وإبراء الأكمه والأبرص , وكما مكّن سيدنا سليمان من التصرف في الريح , وكما مكّن الملائكة من تدبير ما بين السماء والأرض , وكما مكّن سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم-من شفاء عين قتادة وتسكين جبل أحد , فإن ثبت أنّّ الله تعالى مكّن المخلوق من الأمر المطلوب منه كان السائل مصيباً , وإن لم يثبت أنّ الله تعالى مكّن المخلوق من الأمر المطلوب -مع اعتقاد السائل أنّ الله تعالى مكّنه منه- كان السائل مخطأ , ولا يكون مشركاً دون القيدين السابقين , فمن ظنّ أن غير المقدور للبشر مقدوراً بإذن الله , دون أن يعتقد في المخلوق شيئاً لا يصلح إلا لله , فغاية ما يقال فيه أنّه مخطئ لا مشرك , لأنه لم يزعم أنّ المخلوق يفعل ذلك استقلالاً ومن عند نفسه , بل بإذن الله تعالى وعطائه.

فإن قالوا أن سبب الحكم بالشرك على طلب ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى , هو أن ذلك الدعاء عبادة , وأداؤها لغير الله تعالى شرك , رجع الكلام معهم على بيان حقيقة العبادة , وأنّ ذلك الدعاء ليس عبادة إلا إذا قصد السائل التعبد , أو اعتقد في المخلوق شيئاً من الربوبية والألوهية , ولو كان شركاً لما جاز التفريق بين دعاء المخلوق فيما يقدر عليه وبين دعائه فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى , فالكل عبادة وصرفها لغير الله شرك , إلا إذا بيّنوا علّة كون الأول مباحاً والثاني عبادة , وهو اعتقاد السائل في المخلوق شيئاً لا يصلح إلا لله تعالى , وهذا ما يعترفون بانتفائه عمّن يسأل المخلوق ما لا يقدر عليه إلا الله من هذه الأمة .
عثمان محمد النابلسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق