الأحد، 23 أبريل 2017

ما هي حدود الفعل الذي يمكن للمخلوق أن يتسبب فيه؟!

ما هي حدود الفعل الذي يمكن للمخلوق أن يتسبب فيه؟!

فقد ثبتَ أنّّ الله تعالى أعطى بعض المخلوقات التصرف في الكون كالملائكة , وأعطى الجن القدرة على التنقل والقيام بأمور عظيمة , وأعطى بعض البشر التسبب في إحياء الموتى , وإبراء الأكمه والأبرص , كما ثبت ذلك لسيدنا عيسى –عليه السلام- , وكذلك ثبت أنّ الغلام الذي قتله صاحب الأخدود , أُعطي إبراء الأكمه والأبرص , حتى أنّ ابن تيمية قال في كتابه (النبوات ص 298) 
( وقد يكون إحياء الموتى على يد أتباع الأنبياء , كما وقع لطائفة من هذه الأمة)..

وقال أيضاً (النبوات ص 298) : 
(بخلاف إحياء الموتى ؛ فانه اشترك فيه كثير من الأنبياء, بل ومن الصالحين) ..

وقال أيضاً ( مجموع الفتاوى 11/213) : 
( وَأَنَّ وَلِيَّ اللَّهِ لَا يُخَالِفُ فِي شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أَكْبَرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَأَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ مَا خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ؛ فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَتَجِدُ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ عُمْدَتُهُمْ فِي اعْتِقَادِ كَوْنِهِ وَلِيًّا لِلَّهِ أَنَّهُ قَدْ صَدَرَ عَنْهُ مُكَاشَفَةٌ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ أَوْ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ مِثْلِ أَنْ يُشِيرَ إلَى شَخْصٍ فَيَمُوتَ ؛ أَوْ يَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ يَمْشِيَ عَلَى الْمَاءِ أَحْيَانًا ؛ أَوْ يَمْلَأَ إبْرِيقًا مِنْ الْهَوَاءِ ؛ أَوْ يُنْفِقَ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ مِنْ الْغَيْبِ أَوْ أَنْ يَخْتَفِيَ أَحْيَانًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ ؛ أَوْ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اسْتَغَاثَ بِهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ فَرَآهُ قَدْ جَاءَهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ ؛ أَوْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِمَا سُرِقَ لَهُمْ ؛ أَوْ بِحَالِ غَائِبٍ لَهُمْ أَوْ مَرِيضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ ؛ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا وَلِيٌّ لِلَّهِ ؛ بَلْ قَدْ اتَّفَقَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ مَشَى عَلَى الْمَاءِ لَمْ يُغْتَرَّ بِهِ حَتَّى يَنْظُرَ مُتَابَعَتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُوَافَقَتَهُ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ , وَكَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ ؛ وَهَذِهِ الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ صَاحِبُهَا وَلِيًّا لِلَّهِ فَقَدْ يَكُونُ عَدُوًّا لِلَّهِ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْخَوَارِقَ تَكُونُ لِكَثِيرِ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ وَتَكُونُ لِأَهْلِ الْبِدَعِ وَتَكُونُ مِنْ الشَّيَاطِينِ) .

وقال أيضاً ( مجموع الفتاوى 10/550 ) : 
(وَفِي الْأَثَرِ : " { مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } " . وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : " التَّوَكُّلُ جِمَاعُ الْإِيمَانِ " وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } وَقَالَ : { إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } وَهَذَا عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ التَّوَكُّلَ عَلَيْهِ - بِمَنْزِلَةِ الدُّعَاءِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا - سَبَبٌ لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ قُوَّةَ الْعَبْدِ وَتَصْرِيفَ الْكَوْنِ!! ) .

بل أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال : ( حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما حدثنا قال : يأتي وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول له أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا , قال فيقتله ، ثم يحييه ، فيقول حين يحييه : والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن . قال : فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه ) . (متفق عليه)

فإذا أعطي الملائكة تدبير ما بين السماوات والأرض من أمر الرياح والنبات.., وبعض البشر من الصلحاء أعطي القدرة على إبراء الأكمه والأبرص, وكذلك إحياء الموتى , وحتى المسيح الدّجال أعطي التسبب في إحياء الموتى , وأعطي بعض الفسّاق الطيران في الهواء , والإشارة إلى شخص فيموت , وأعطي أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ كما قال ابن تيمية , فطَلَبُ ما دونها من المخلوق لا يعتبر طلَبَ أمرٍ لا يقدر عليه إلا الله تعالى!! إذ إنه سبحانه أقدر بعض الخلق عليها , فحينئذ لا يكون طلبها شركاً! حتى وإن لم يثبت تسببُ ذلك المخلوق فيها, ولا يكون طلب شيء من هذه الخوارق من المخلوق شركاً إلا إذا ثبت "استحالة" تسبب الخلائق بهذا الفعل , لأنه يكون حينئذ من الأمور المختصة بالله تعالى! والتي لا يمكن أن يتسبب بها مخلوق ألبتة .


فإن قال قائل : إنّ التسبب في مثل هذه الخوارق ثابت للأحياء , والوهابية يكفرون من يطلبها من الأموات لا من الأحياء!
فالجواب : أن الوهابية يكفّرون من يطلبها من المخلوق , سواء كان حياً أو ميتاً , لكونها –في اعتقادهم- ممّا لا يقدر عليه إلا الله تعالى , ولو سلمنا أن الأموات غير متسببين فيها , فلا يكون طلبها منهم شركاً , لأن من يطلبها منهم يعتقد -لأدلة يراها صحيحة- أنهم متسببون فيها , فيكون خطؤه في اعتقاد التسبب , ويكون طلبها منهم سفاهة , على أن للروح المطلقة من أسر البدن وعلائقه وعوائقه من التصرف والقوة والنفاذ والهمة , وسرعة الصعود إلى الله تعالى والتعلق به سبحانه وتعالى , ما ليس للروح المهينة المحبوسة في علائق البدن وعوائقه , فقد قال ابن القيم في كتابه "الروح" :

( إن للروح المطلقة من أسر البدن وعلائقه وعوائقه في التصرف والقوة والنفاذ والهمة , وسرعة الصعود إلى الله تعالى والتعلق به سبحانه وتعالى , ما ليس للروح المهينة المحبوسة في علائق البدن وعوائقه , بسبب انغماسها في شهواتها , فإذا كان هذا في عالم الحياة الأرضية وهي محبوسة في بدنها , فكيف إذا تجردت عنه وفارقته واجتمعت فيها قواها وكانت في أصل نشأتها روحا عالية زكية كبيرة ذات همة عالية , فهذه لها بعد مفارقة البدن شأن آخر وفعل آخر , وقد تواترت الرؤيا من أصناف بني آدم على فعل الأرواح بعد موتها , ما لا تقدر على مثله حال اتصالها بالبدن , من هزيمة الجيوش الكثيرة بالواحد والاثنين والعدد القليل ونحو ذلك , وكم قد رؤي النبي -صلى الله عليه وسلم-ومعه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في النوم , قد هزمت أرواحهم عساكر الكفر والظلم , فإذا بجيوشهم مغلوبة مكسورة , مع كثرة عَددهم وعُددهم وضعف المؤمنين وقلتهم ) .
عثمان محمد النابلسي منتدى الأصلين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق