حديثا عثمان بن حنيف :
حديث الضرير وهو: ما رواه الإمام أحمد في المسند (4 /138) والترمذي في سننه (5/229) والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص 204 ـ205) وابن ماجه (1/441) واللفظ له وابن خزيمة في صحيحه (2 /225) وعبدُ بنُ حُميدٍ في مُنتخَبِ مسنده (رقم 379) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) والحاكم في المستدرك (1/313 ,519) وصحّحه ووافقه الذهبي و أخرجه البيهقي في الدلائل (6/166) والبغوي في معجم الصحابة (4/346) و ابن أبي حاتم في العلل (3/229) : كلُّهم من طريق شُعبةَ عن أبي جعفر- وهو المدني الخطمي عمير بن زيد - عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أنّ رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :ادع الله لي أن يعافيني. فقال: إن شئتَ أخَّرتُ وهو خيرٌ لك وإن شئتَ دعوتُ, فقال ادعه، فأمره أن يتوضَّأ فيُحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمدصلى الله عليه وسلم نبي الرحمة , يا محمدُ.. إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في».
ولا يخفى أن هذا الحديث من دلائل نبوته صلى الله عليه و على آله وسلم ومعجزاته ، حيث أن رجلا أعمى أبصر ببركته صلى الله عليه و على آله وسلم كما كان عيسى بن مريم يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله .
وترجم له المحدّثون بـقولهم: " باب من له إلى الله حاجة ، أو إلى أحد من خلقه " .
وذكره الحافظ الجزري في " الحصن الحصين " ، والحافظ السيوطي في " الجامع الصغير " ، وشرْحه للمناوي ، و قال العلامة علي القاري :
{ " قوله ( " يا محمد " ) : إلتفات وتضرع لديه ، ليتوجه النبي صلى الله عليه و سلم بروحه إلى الله تعالى ، ويُغني السائل عما سواه ، وعن التوسل إلى غير مولاه، قائلاً : " إني أتوجه بك " أي بذريعتك ، الذريعة :الوسيلة ، والباء للاستعانة ، و " إلى ربي في حاجتي هذه " ، وهي المقصودة المعهودة " لتُقضى لي " . ويمكن أن يكون التقدير : ليقضي الله الحاجة لأجلك ، بل هذا هو الظاهر . وفي نسخة : " لتَقضي " بصيغة الفاعل ، أي : لتقضي أنت يا رسول الله الحاجة لي . والمعنى : لتكون سبباً لحصول حاجتي و وصول مرادي ، فالإسناد مجازي .}.انتهى .
قال الترمذي ـ كما في بعض نُسخ سُننه ـ: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو غيرُ الخطمي, وفي أكثر النُّسَخ أنه قال : وهو الخطمي .
زاد شُعبةُ في روايته عند أحمد وابن خزيمة والحاكم: «وشفعني فيه» لكنه نُقِلَ عنه الشك فيها من طريقين وذلك في روايتي أحمدٍ وابنِ خزيمة وقال شعبة أيضاً في روايته عند البيهقي في الدلائل:«وشفعني في نفسي», بدل:«وشفعني فيه».
و رواه الإمام أحمد في المسند (4 /138) والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص204) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) وابن أبى خيثمة في تاريخه ـ حسبما نقله ابن تيميّة في قاعدة (ص99) وفتاويه (1/275) ـ : كلهم من طريق حماد بن سلمة عن أبي جعفر- وهو أيضًا الخطمي- عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف . زاد حمادٌ في روايته عند ابن أبي خيثمة " ثم ما كانت حاجةٌ فافعل مثلَ ذلك أو قال " فُعِلَ مثلُ ذلك " على نقل ابن تيميّة في قاعدته وفتاويه.
ورواه النسائي في العمل (ص 205) والبخاري في التاريخ الكبير (6/210) كلاهما من طريق هشام الدستوائي عن أبي جعفر – وهو أيضا الخطمي – عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم زاد في رواية النسائي: «شفعه في وشفعني في نفسي ». وزاد أيضاً : فرجع وقد كُشف له عن بصره.
ورواه ابنُ السُّنِّي في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/625) وصحح إسناده وأقره الذهبي وأخرجه البيهقي في الدلائل (6/167): كلهم من طريق روح بن القاسم عن أبي جعفرٍ– وهو أيضا الخطمي – عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف , وقال روحٌ في جميع رواياته: " وشفعني في نفسي".
وروى البيهقي في الدّلائل (6/167-168) من طريقين وإسنادهما صحيح , والطبراني في الدعاء (2/1290) وفي الصغير (1/184) وفي الكبير وصححه بعد سوقه من طرق (9/17-18) كما ذكره أبو الحسن الهيثمي في " مجمع الزوائد " وأقره عليه , كما أقر المنذري قبله في " الترغيب والترهيب " , وقبله الحافظ عبد الغني المقدسي في الترغيب رقم 91 ..
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أنّ رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال عثمان بن حنيف : ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدصلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي عز وجل فيقضي لي حاجتي" وتذكر حاجتك, ورح إلي حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة. وقال ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إنّ الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلَّمتَه في، فقال عثمان بن حنيف : ما كلَّمتُه ولكن شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير البصر فشكا إليه ذهاب بصره... فذكر الحديث باختصار.
والصحابي المذكور فَِهم من حديث دعاء الحاجة أنه لا يختص بزمنه صلى الله عليه وسلم وهذا توسل به .
وهكذا علّم الرسول صلى الله عليه و سلم الضرير الدعاء ، وفيه التوسل بالشخص وصرفه عن ظاهره تحريف للكلم عن مواضعه بهوى .
وأما كون استجابة دعاء الضرير بدعاء الرسول صلوات الله عليه – وهو غير مذكور في الرواية – أوبدعاء الضرير ، فلا شأن لنا بذلك ، بل الحجة هي نص الدعاء المأثور عن الرسول عليه الصلاة والسلام .
وقد نص على صحة هذا الحديث جماعة من الحفاظ .
وقد قال القادحون في هذا الحديث بأنَّ التوسُّل بذات النَّبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه لم يبينه النَّبي صلى الله عليه وسلم ولم يرشد إليه أمّته ولم يعلِّمهم إيَّّاه)
والصحيحُ عكسُه , لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن وعلَّم التوسُّل به للضرير وأرشده إليه في حديث الضرير الذي ثبتت صحّتَه بالأدلَّة الواضحة, ولقد تقرَّر في قواعد الأصول أنَّ العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه , وأنَّ تبيينه وإرشاده و تعليمه لفرد من أفراد الأمّة تبيينٌ وإرشادٌ وتعليمٌ لعمومها , إلاّ إذا ثبت نسخٌ أو تخصيصٌ , وهيهات أن يَثْبُتَ النَّسخُ أو التَّخصيصُ لهذا الحديث ..
فقد قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (5/42): لا خلاف بين علماء أهل الأثَر والفقه أن الحديث إذا رواه ثقةٌ عن ثقةٍ حتى يتصل بالنبيصلى الله عليه وسلم أنّه حُجَّةٌ يُعمَلُ بها إلا أن ينسخه غيرُه.
ثم قال في الجزء نفسه (ص220): فضائله صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليها النسخ ولا الاستثناء ولا النقصان.
وقالوا: (العلة الأولى في حديث الضرير: أنه من رواية شُعبةَ عن أبي جعفر عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف , وأبو جعفر هذا مجهول ولذلك قال الترمذي عن أبي جعفر: وليس الخطمي , فأبو جعفر الخطمي ثقة مدني معروفٌ. والحديث إذا كان في إسناده مجهول لا يصح الاحتجاج به.) .
وفيه لَبسٌ واضحٌ وتهرُّبٌ من مواطن التحقيق , لأنه يوهم أنّ الحديث ليست له روايةٌ مُعتَبَرَةٌ غير رواية شُعبة, وهو خلاف الواقع، فقد سبق أن بيَّنتُ في هذا البحث أنّ له ثلاث روايات أخرى غير رواية شعبة هي: رواية حماد بن سلمة , ورواية هشام الدستوائي , ورواية روح بن القاسم, وكل واحدة منها تثبته على انفرادها فكيف بهن مجتمعات؟.
قولهم: ( أبو جعفر هذا مجهول , ولذلك قال الترمذي عن أبى جعفر: وليس الخطمي).
وهذا مردود من ستة أوجه:
أولها: أنّ أبا جعفر الخطمي هذا وإن كان لم يُعَيَّنْ في روايات شعبة عند الترمذي في السنن (رقم 3649) والنسائي في عمل اليوم والليلة (رقم 664) وعبد بن حميد في منتخب مسنده (رقم 379) وأحمد في إحدى روايتيه في المسند (4/138) وفي رواية حماد بن سلمة عند النسائي في العمل (رقم 633)
فقد عُيِّنَ في بقية روايات شعبة عند ابن ماجه في سننه (1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والبخاري في تاريخه (6/209) والحاكم في مستدركه (1/313،519) والبيهقي في الدلائل (6/166) والبغوي في معجم الصحابة (4/246) وابن أبي حاتم في العلل (3/229)، وفي إحدى روايتيه عند أحمد في المسند (4/138)
وعُيِّنَ كذلك في روايات حماد بن سلمة عند أحمد في المسند (4/138) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) وابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص98) وفتاويه (1/274)
وعُيِّنَ كذلك في روايتي هشام الدستوائي عند النسائي في عمل اليوم والليلة (رقم 665) والبخاري في التاريخ الكبير (6/210)
وعُيِّنَ كذلك في روايات روح بن القاسم عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633)والحاكم في المستدرك (1/526) والبيهقي في الدلائل (6/167)
وقد تقرر في علم المصطلح : أنَّ الراويَ إذا أُبهم في طريق وعُيِّنَ في طريق مُعتَبَر آخر حُمِلَ المُبهَمُ على المُبيَّنِ , وزال الإبهامُ وارتفع الإشكالُ, وعلى هذا المنوال ألَّف الخطيبُ كتابَه: "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" ودَرَجَ عليه كافة المحدثين أيضًا قبل الخطيب وبعده.
ثانيها: أنّ الحافظ المَزِّي في تهذيب الكمال (21/242) والحافظ ابنَ حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب (6/20) عَدَّا أبا جعفر الخطميَّ هذا في الرواة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ولم يعُدَّا فيهم أبا جعفر غيره.
ثالثها: أنّ الترمذي صحّح هذا الحديث في سننه , وليس من عادته تصحيحُ أحاديث المجهولين , أَحْرَى إذا كانت لا تُروَى إلا من طريقهم.
رابعها: أنّ بعض هؤلاء قد غيَّر العبارة الواردة في بعض نُسخ الترمذي: ( وهو غير الخطمي) فأبدلها بقوله: ( وليس الخطمي) وأرجو أن يكون هذا التغيير وقع بدافع الخطإ والنسيان لا بدافع حاجة في النفس , لأن العبارة الأصليةَ تقبل التوجيه , والمبدلة لا تقبله , إذ الاحتمال قد يتطرق إلى أن يكون أصل رواية الترمذي هو لفظة (عينُ) بدلا من (غيرُ) لِطِبَاقٍ بين اللفظتين, وكذلك يتطرق إلى أن تكون لفظةغيرُ) قد زيدت في بعض النُّسَخ , وهذا يؤيده كون أكثر نُسَخِ سنن الترمذي ليست فيها تلك اللفظةُ كما سياتي بيانه بإذن الله.
خامسها: أنّ الخطمي هو المدني: عمير بن يزيد وهو الذي في جميع روايات هذا الحديث كما تواطأ عليه الحُفَّاظُ حيث قال بعضهم: أبو جعفر المدني , وقال بعضهم الخطمي وقال بعضهم: المدني الخطمي وقال بعضهم: المدني وهو الخطمي عمير بن يزيد .
فممن قال: (الخطمي) شعبة في روايتيه عند البيهقي في الدلائل (6/166) وابن أبي حاتم في العلل (3/229), وحماد بن سلمة في رواياته عند أحمد في المسند (4/138) والبخاري وابن أبي خيثمة في تاريخيهما
وممن قال: (المدني) شُعْبَةُ في رواياته عند البخاري في التاريخ الكبير (6/210) وأحمد في المسند (4/138) وابن ماجه في السنن (رقم 1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والبغوي في معجم الصحابة (4/346) والحاكم في المستدرك (1/313 , 519) وقد وافقه الذهبي على ذلك
وممن قال: (المدني وهو الخطمي) روح بن القاسم في روايتيه عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/526) وأقره الذهبي على ذلك وكذا في دلائل النبوة للبيهقي (6/167), وفي معجم الطبراني الكبير (9/17-18) وقال في الصغير (1/184) أبو جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد)
وممن نص كذلك على أنه الخطمي: الترمذي في سننه كما في طبعة بولاق وهي أول الطبعات , وكما في طبعة دار سحنون بتونس ضمن موسوعة السنة , وكما في طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1395 هـ , وكما في طبعة دار الكتب العلمية سنة 1408 هـ , وكذلك نسخة ابن كثير التي نقل منها في موضعين من تاريخه (6/161 , 295) , ونسخة المَزِّي التي نقل منها في تحفة الأشراف (7/226) , ونسخة الإمام السبكي التي نقل منها في شفاء السقام (ص: 134)، وكذلك نقل "شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم وعادل مرشد وإبراهيم الزئبق ومحمّد رضوان وسعيد اللَّحام وهشيم عبد الغفور وعامر غضبان ومحمّد أنس الخن ومحمّد بركات وعبد اللطيف حرز الله", نقلوا كلُّهم في تحقيقهم لمسند الإمام أحمد (28/479) طبعة مؤسّسة الرّسالة عن النُّسخ الّتي اطّلعوا عليها من سنن التّرمذيّ أنّه قال بأنّ أبا جعفرٍ هذا هو الخطميّ.
وقد جزم كلٌّ من الطّبراني في الصّغير (1/184) وابن أبي حاتم في العلل (3/229) وابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص 99) وفتاويه (1/275) والدَّارقطني في تعليقاته على ضعفاء ابن حبّان (ص 213) والمَزِّيُّ في تهذيب الكمال (19/359) وابن تيميّة في قاعدته (ص93) وفتاويه (1/266) والذهبي في جزء السّيرة من تاريخه (ص 364): جزموا كلهم بأنَّ الخطميَّ هو الّذي روى عنه شُعبةُ. وصرح الألباني في توسله (ص 76، 93) بأن هذا الحديث: لا شُبهة في سنده ولا شك في صحته.
سادسها: أنَّ لفظة: (وهوغيرالخطمي) بافتراض ثبوتها عن الترمذي يلزم الرجوع إلى بقية روايات شعبة عند غير الترمذي, ثم الرجوع إلى روايات رفيق شعبة: حماد بن سلمة, ثم الرجوع إلى روايات هشام الدستوائي وروح بن القاسم, وحينئذ نجد روايتي شعبة عند البيهقي في الدلائل (6/166) وابن أبي حاتم في العلل (3/229) مصرحتين بأنّه الخطمي، ونجد رواياته عند أحمد في إحدى روايتيه (4/138) وابن ماجه في سننه (رقم:1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والحاكم في مستدركه (1/313 , 519) والبغوي في معجم الصحابة (4/346): مصرحة كلها بأن أبا جعفر هذا هو المدني, والمدني هوالخطمي , ونجد روايات حماد بن سلمة عند أحمد في مسنده (4/138) والبخاري في تاريخه (6/209) وكذا ابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص98) وفتاويه (1/274): مصرحة كلها بأنه الخطمي وكذلك نجد تصريح النسائي في روايته في عمل اليوم والليلة (رقم 665) من طريق هشام الدستوائي بأنه الخطمي ونجد روايتي روح بن القاسم عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/526): مصرحتين بأنه الخطمي.
قالوا حتى الخطميُّ لو قُدِّرَ أنه هو, غير معروف بالمدينة ).
والظاهرُ أنَّهم وقفوا على تعريف ابن المدينيِّ لأبي جعفر الخطمي وهو قوله عنه هو مدني قدم البصرة, وليس لأهل المدينة عنه أثر, ولا يعرفونه)، غير أنهم فاتهم أنَّ ابن المديني أراد أن يبين أنَّ أهل المدينة لم يرووا عن أبي جعفر الخطمي , لأنه وإن كان مدنيا وأخذ عن أشياخ المدينة كأبي أمامة وسعيد بن المسيب والحارث بن فضيل الخطمي وعُمارة بن خزيمة بن ثابت وعُمارة بن عثمان بن حنيف ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم، فإنه انتقل إلى البصرة وعنه روى أئمةٌ حفاظٌ أثباتٌ من أهل البصرة هم: شعبة ابن الحجاج وحماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم ويحي بن سعيد القَطَّان .
ومُجمَلُ القول عن الخطميِّ أنه أنصاريٌّ مدنيٌّ, روى عن علماء المدينة دون أن يروي عنه أهلُها لأنه انتقل إلى البصرة وأقام بها, فكانت شُهرتُه وتلامذتُهُ بالبصرة دون المدينة, هذا هو الذي أراد ابن المديني من تعريفه السابق لاغير، فإن كانوا فهموا من تعريف ابن المديني جهالة الخطمي فلا وجه لذلك الفهم.
وأقوال هؤلاء عن الخطمي متناقضةٌ، فقولُهم في هذه المقابلة بجهالته متناقضٌ مع قولهم: (فأبو جعفر الخطميُّ ثقةٌ مدنيٌّ معروفٌ).
وتجهيلهم للخطمي بقولهم حتى الخطميُّ لو قُدِّرَ أنه هو, غير معروف بالمدينة ) غلط محض , فلجهالةُ مطلقًا على قسمين: جهالةُ عين وجهالةُ حال, فالأولى ترتفع برواية ثقتين عن الراوي, كما قال الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" ص88, 89, وابن الصلاح في "المقدمة" ص101, والعراقي في " شرحه لألفيته" ص158, والنووي في "التقريب" مع شرح السيوطي له: "تدريب الراوي" ص209 , 210, والصنعاني في "توضيح الأفكار" ج2 ص 174, 175 ,190 ,191, وغير هؤلاء.
وأبو جعفر الخطميُّ هذا روى عنه خمسةُ حُفَّاظٍ ثقاتٍ أثباتٍ, تقدمت أسماءهم, فجهالةُ العين إذن منفيةٌ عنه على الأقل.
وأما جهالة الحال فترتفع ـ في المذهب الصحيح ـ بتوثيق حافظٍ واحدٍ متيقِّظٍ عارفٍ بأسباب التَّزكيَّة, كما قال الخطيب في "الكفاية" ص96, و ابن الصلاح في "المقدمة" ص98, 99, والعراقي في "الألفية" رقم 263, وابن حجرفي "شرح نخبة الفكر" ص41, والنووي في "التقريب" والسيوطي في "التدريب" ص203, وغيرهم, وأبو جعفر الخطميُّ هذا وثقه تسعةٌ من حفاظ الحديث متيقظون عارفون بأسباب التَّزكية وهم: يحي بن معين وابن مهدي وابن نمير وابن حبان والعجلي والنسائي والطبراني والذهبي وابن حجر, ولم يَصِفه أحدٌ من حفاظ الحديث بشيء من أنواع الجرح, بل قال عنه ابن عبد البر في "الاستغناء" ج1 ص505: هو عند جميعهم ثقةٌ.
وهنا أسألهم كيف يمكن بعد كل ما تقدم جرح الخطمي هذا بالجهالة أوغيرها؟ وإن كان أخذ العلم عن أهل بلده ولم ينشره فيه ونشره في بلد آخر كيف يمكن جرحه بذلك؟ وهل عدم معرفةِ الراوي في مدينةٍ دون أخرى يَستلزمُ جهالتَهُ؟ ومتى كان ذلك جرحًا تُرَدُّ به أحاديثُ الثِّقات؟ أو سالبًا يسلبهم الثقَة الثَّابِتَةَ لهم؟ ومن قال بذلك من أئمة الجرح والتعديل؟ وفي أي كتاب من كتبهم يوجد؟ ولماذا تجرأتم على نقض الإجماع الذي نقلهُ ابنُ عبد البر على توثيق الخطمي هذا بعبارتكم التي ابتكرتم في الجرح لكنه غير معروف بالمدينة)؟
يـا ناطـح الجبل العالي ليهدمــه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
فتبين بهذه الحجج البالغة والبراهين الدامغة: أنّ أبا جعفر هذا هو الخطمي وأن ما زعموه من جهالة أبي جعفر لا أصل له ثابتًا ولا فرع نابتًا.
وقالوا: (العلّة الثانية في هذا الحديث: أنّ فيه أن عثمان احتجب, والخلفاء الراشدون لم يُعرَف أنَّ واحداً منهم قد احتجب عن الناس)
وهذا مردود من وجهين:
الوجه الأول: أنّ عثمان ـ وهو ابن عفان ـ لا ذكر له في شيء من طرق أصل هذا الحديث حتى يمكن إعلاله باحتجابه, وكذلك لفظُ الاحتجاب لم يرد في شيء من طرق هذا الحديث بما في ذلك طريق القصة التي في خلافة عثمان ، فإن كانوا فهموا الاحتجاب عن الناس من قول عثمان بن حنيف في القصة: (فجاء البواب فأخذ بيده) فكون عثمان اتخذ بوابا لا يلزم منه دوام الاحتجاب المنهي عنه شرعا , لما ثبت في الصحيحين من أنّ له صلى الله عليه وسلم بوابا اسمه رباح, ولما ثبت فيهما أيضا عن أبي موسى الأشعري أنه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم في أحد الأيام, وإن كانوا فهموا الاحتجاب من قول عثمان بن حنيف في نفس القصة: (وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته) فقد جاء في رواية الطبراني في الصغير (1/184) وفي الكبير (9/17-18): أن ذلك وقع من عثمان بسبب النسيان حيث قال للرجل: ما ذكرتُ حاجتك حتى كانت هذه الساعة.
قولهم : ( والخلفاء الراشدون لم يُعرف أنّ واحدا منهم قد احتجب عن الناس)
هذا تحكم من غير إحاطة, إذ قد ثبت في الصحيحين وسنن أبي داود (3/139) ومصنف عبد الرزاق (5/469) وتمهيد ابن عبد البر (8/163-164) وشرح السنة للبغوي (6/337) وغيرهم من رواية مالك بن أوس عن عمر قال: فبينما أنا جالس عنده – يعني عمر- أتاه حاجبه يَرْفَأ فقال: هل لك في
عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون, قال نعم, فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يَرْفَأ يسيرا ثم قال: هل لك في علي وعباس, قال نعم, فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا.
قلت: فهذا الأثر الصحيح مصرحٌ بأن ثاني الخلفاء الراشدين كان له حاجب, كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم حاجب, فاتخاذ الحاجب إذن لا يلزم منه دوامُ الاحتجاب المنهي عنه شرعا.
الوجه الثاني: أنّ هذا الإعلال بالاحتجاب المزعوم فيه إدراج للقصة الواقعة في خلافة عثمان في أصل الحديث الواقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, وإدراجُها في أصله وهي متميزة عنه تاريخًا وسببًا, ثمّ إعلال أصله بها لا يُستساغ صدورُهما ممن ينتسب إلى العلم إلا عن فادح الغفلة والنسيان.
وقالوا: (العلة الثالثة: أنّ في هذا الحديث " اللهم شفعني فيه وشفعه فِيَّ ", فكيف يُريد الرجل أن يشفع في النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا حُمل ذلك على أنَّ معناه: اللهم استجب دعائي له بالاستجابة واستجب دعاءه لي بردِّ البصر فيكون هذا من التوسل بدعائه لا بشخصه والتوسل بدعائه غير محل خلاف أصلاً)
وهو إعلالٌ باطلٌ مردودٌ بأنَّ هذه الزيادة انفرد شعبةُ بذكرها دون سائر الرواة, وهناك طريقتان للتعامل معها.
الطريقة الأولى : هيَّ حملُ الهاء في «شفعني فيه» على أنها هاءُ سَكْتٍ لتطابق معنى زيادة « فشفعه في وشفعني في نفسي» التي هي أصح زيادة وردت في هذا الحديث لثبوتها عن الحفاظ الأربعة الذين رووه عن أبي جعفر الخطمي الذي عليه مداره, وحينئذ فلا تَعارُضَ بين الزيادتين أصلاً لاتحادهما معنىً، وهذا هو الأولى لأنَّ الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول كما بينه ابن حجرفي الفتح ج3 ص94 وج 8 ص451 وج 9 ص474 وج13 ص410., وهاءُ السَّكْتِ وردت كثيرا في القرآن وفي الأثر، من ذلك قوله تعالى في سورة الحاقة: هَآؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَّه إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَّهْ، وقوله: يَالَـــيْـــتَـــنِي لَمُ أوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمَ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة َ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ، وفي سورة القارعة: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، ومن أمثلتها في الأثر قول سعد بن أبي وقاص كما في طبقات ابن سعد (3/140) وأصله في صحيح البخاري: " لقد خِبْتُ إذن وضلَّ عمليَهْ" أي عملي، وكذلك المعنى في عبارة (وشفعني فيهْ) أي: فِيَّ بِيَاءِ المتكلِّم أي «شفعني في نفسي», وروايةُ حمادٍ بنِ سلمة التي ذكرها ابنُ تيميّة في قاعدته (ص99) وفتاويه (1/275) مُوضِّحةٌ لهذا المعنى لأنّ فيها " اللهم فشفّعني في نفسي وشفّع نبيّي في ردّ بصري". وبهذا تتّفق الرواياتُ كلُّها وينسجمُ المعنى ويَبطُلُ الإعلالُ من أصله .
أضِفْ إلى هذا أنّ حمل الهاء في هذه العبارة على الضمير يلزم منه أن يكون الأعمى شافعا في النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مستحيل شرعا وعقلا, أويُلجَأ إلى التأويلات البعيدة المتعسَّفة مثل ما فعل ابنُ تيميّة والألباني وتلميذُه الرِّفاعي , حيث قال ابنُ تيميّة في قاعدته (ص96) وفتاويه (1/271,335, 336) " وشفعني فيه" أي في دعائه وسؤاله لي, وقال الألباني في توسله (ص80): أي اقبل شفاعتي أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في أن ترد عليّ بصري, وقال الرِّفاعي في توصله (ص169؛ 238): أي واقبل شفاعتي بقبولك شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلمفي أي اقبل دعائي في قبول دعائه من أجل أن ترد على بصري, وقال أحدهم: اللهم استجب دعائي له بالاستجابة واستجب دعاءه لي بردِّ البصر.
هكذا تواردوا على هذه التأويلات البعيدة المتعسَّفة وغفلوا عن هذا التحقيق الجليّ الواضح, والعجب لابن تيميّة والألباني والرفاعي حيث صحّحوا عبارة " وشفعني فيه" وبالغوا في الاحتجاج بها في القاعدة (ص100) والفتاوي (1/266, 268؛ 270؛ 271؛ 274؛ 276؛ 277؛ 324). وفي التوسل (ص80؛ 81؛ 83) وفي التوصل: (ص168؛ 237؛ 238). دون أن يشير أحدٌ منهم إلى عِلَّةِ الشكّ التي فيها مع وقوفهم عليها, في الوقت الذي طعن ابنُ تيميّة والألبانيُّ في زيادة حمّاد بن سلمة المتقدمة التي هي: (ثم ما كانت حاجةٌ فافعل مـثلَ ذلك) أو قال (فُعِلَ مثلُ ذلك), مع أنّ العبارتين زِيدَتَا من ثقتين حافظين في متن حديثٍ واحدٍ , وحمادٌ أفقه من شعبة , وفِقْهُ الراوي من مرجّحات روايته كما بيَّنهُ ابنُ أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/25) والحاكم في علوم الحديث (1/11)، والخليلي في الإرشاد (1/177)، والخطيب في الكفاية (ص436)، والحازمي في الاعتبار (ص39)، والحسن بن عبد الرحمن في المحدث الفاصل (ص238)، وابن الأثير في جامع الأصول (1/62)، والسبكي في جمع الجوامع (ص 113)، وابن حجر في الفتح (1/362)، والسيوطي في شرح الكوكب الساطع (2/466)، ثم إنّ شُعبة نُقِلَ عنه الشكُّ في أصل زيادته من طريقين, وحمادٌ لم يُنقَلْ عنه قطّ شكٌّ في أصل زيادته, وروايةُ مَن جَزَمَ أرجحُ من رواية من شَكَّ كما بينه ابنُ حجر في الفتح (1/228, 2/178, 3/31, 563, 6/178, 8/5).
وأعجب من هذا أنّ ابن تيميّة في قاعدته (ص96) وفتاويه (1/271): زعم أنّ شعبة وحماد بن سلمة وهشام الدستوائي قالوا في رواياتهم للحديث: (وشفعني فيه), وهذا خلاف الواقع لأنّ هذه العبارة لا توجد إلا في بعض روايات شعبة وحده , وقد نُقِلَ عنه الشَّكُّ فيها من طريقين كما سبق, بل إنَّ الذي وردعن حماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم, إنما هوعبارة (شفعني في نفسي), بدل(شفعني فيه),
ومن العجيب زعم الرفاعي في التوصل (ص 168؛ 237؛ 238) أنّ عبارة (شفعني فيه) في سنن الترمذي, ولم أقف عليها في شيءٍ من نُسَخِ سننه التي وقفت عليها ولا أعلم أحدًا غيره نسبها إلى الترمذي قطّ.
والحقيقةُ أنَّ ابنَ تيميّة والألباني والرفاعي, وإن اعترفوا بصحة هذا الحديث المخالف لنحلتهم, فإنهم قد تعسفوا له تأويلات بعيدة, وتخبطوا في شأنه.
الطريقة الثانية: في التعامل مع عبارةشفعني فيه) هي: أن يُرجَّحَ بينها وبين عبارة (شفعني في نفسي), وحينئذ يتَّضح أنَّ عبارة (شفعني فيه) مرجوحةٌ , لأن شعبة وهو الذي تفرد بها دون سائر الروات نُقِلَ عنه الشك فيها من طريقين وذلك في روايتي أحمد (4/138) وابن خزيمة (2/225)، وقال عنها ابنُ كثير في تاريخه (6/161): كأنها غلط من الراوي.
قلت: ويتأكد كونُها مرجوحةً إذا حُملت الهاءُ فيها على الضمير, مع أنَّنا لو افترضنا أنها ثبتت, لما كان ذلك قادحًا في صحة الحديث لما تقدم من كونه ثبت من دونها في ثلاث روايات أخر غير رواية شعبة.(1)
قالوا : ( العلّة الربعة : ما وجدنا الحديث في سنن النسائي, وعادة النسائي إذا كان الحديث مُختلَفاً فيه على الراوي أن يأتي به من الوجه الذي اختُلِفَ فيه على الراوي بعد ذكره الأَوَّلَ, فقد أورد هذا الحديث بالرواية السابقة من رواية عُمارة بن خزيمة بن ثابت, ثم أورده بعد ذلك من رواية عُمارة بن زيد بن ثابت, ولم نجد لعُمارة بن زيد بن ثابت في كتب الرجال ذكرًا, إلا ذكرًا لا يُبشِّرُ بخير, فإذن هذا الحديثُ الذي اعتمدوا عليه في إباحة التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ ضعيفٌ لا يصل إلى مرتبة الاحتجاج)
وهو كلام مردود من أوله إلى آخره باستثناء قولهم: (وعادة النسائي) إلى قولهم: ( فقد أورد هذا الحديث بالرواية السابقة من رواية عمارة بن خزيمة بن ثابت )
وبيان ذلك أنّ سنن النسائي حيث أُطلقت تنصرف إلى المُجتبىَ كما هو معروف عند حُفَّاظ الحديث, وهذا الحديث ليس في المُجتبىَ إطلاقًا وإنما هو في عمل اليوم والليلة , وهو في أواخر السنن الكبرى , وقد طُبِعَ مستقلا عنها عدة طبعات، وهذا الحديث رواه النسائي فيه من طريق شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف ، ثم ذكر النسائيُّ أنّ شعبة وحماد بن سلمة خالفهما هشام الدستوائي وروح بن القاسم فروياه عن أبي جعفر:عمير بن يزيد, ـ وهو أيضا الخطمي ـ عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف , وهذا يعني أنّ أبا جعفر الخطمي له في هذا الحديث شيخان أحدهما عمارة بن خزيمة بن ثابت والآخر أبو أمامة وكلاهما رواه عن عثمان بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم, فكان أبو جعفر الخطمي تارة يحدث به على هذا الوجه وتارة يحدث به على الوجه الآخر, وكلا الوجهين صحيح لا مطعن فيه, ومن اعتبر هذا نوعًا من الاختلاف القادح, فقد خالف منهج المحدثين.
وأما قولهم ثم أورده ـ يعني النسائيَّ ـ بعد ذلك من رواية عُمارة بن زيد بن ثابت, ولم نجد لعُمارة بن زيد بن ثابت في كتب الرجال...)
فهو كلام مردود بأنَّ عُمارة بن زيد بن ثابت لا رواية له في شيء من كتب النسائي على الإطلاق, ولوكان هذا الحديثُ رُوِيَّ عنهُ في شيء من كتب الحديث لكان معدودا في الرواة عن عثمان بن حنيف وفي شيوخ أبى جعفر الخطمي، ولوكان النسائيُّ رَوَى عنه في شيء من كتبه لكان مُترجَمًا في كاشف الذهبي مع ذيل العراقي، وفي تهذيب الكمال للمَزِّي، وفي كتابي ابن حجر التهذيب, والتقريب, لأن كافة الرواة الذين روى لهم النسائيُّ محصورون في هذه الكتب, وعمارة هذا لا ذكر له في شيء منها على الإطلاق, بل لاذكر له في شيء من كتب الرجال إطلاقًا.
وقالوا: ( بأن الحديث أخرجه الترمذي وأصحاب السنن وأحمد )
وهذا حجة عليهم لأن رواية شعبة عند أحمد وابن ماجه فيها التصريح بأن أبا جعفر هذا هو المدني، والمدني هو الخطمي، وكذلك رواية أحمد من طريق حماد بن سلمة - رفيق شعبة - فيها التصريح بأنه الخطمي. لكنهم تغاضوا عن هذا كله ولم يذكروا شيئا عن روايات حماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم لعلمهم أنها ناسفة لدعواهم.
وقالوا : ( بأن الذين صححوا الحديث توهَّموا أنّ أبا جعفر هو الخطمي)
وهذا عكس الواقع، لأنهم لم يتوهَّمُوا ذلك بل تيقنوه جازمين, وصرحوا به واعتمدوه في كتبهم.
وقالوا: ( بأن مالكًا أخرج في الموطإ أنّ فتية من الأنصار تعاقروا الخمرَ في المدينة فقتلوا أحدهم فرفع مروانُ أمرَه إلى معاوية فأمره أن يقتاد له منهم ), وهو مردود من ثلاثة أوجه:
أولها: أنّ هذا الذي أشاروا إليه مجرد بلاغ, والبلاغ لا تقوم به حجة كما هو معروف عند علماء الحديث, وليس هذا البلاغ من بلاغات مالك التي وصلها الحافظ ابن عبد البر في التمهيد.
ثانيها: أنّ هذه القصة التي ذكروها لا تصح كما قال ابن حزم في المحلى (10/421).
ثالثها: أنّ المعاقرة التي ذكر أنها في الموطإ وشنَّع بها على هذا الرجل, لم أجد ذكرها في شيء من نُسَخِ الموطإ التي وقفت عليها ولم أر من نسبها إليه غيره, وإنما رأيت فيها: عن مالك أنه بلغه أنّ مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يذكر أنه أوتي بسكران قد قتل رجلا فكتب إليه معاوية: أن اقتله به. وذكر ابن أبي شيبة في المصنف (6/592) والبيهقي في السنن (8/42): نحوه ولم يذكر واحدٌ منهما المعاقرة ولم يذكرها أيضا ابنُ حزم في المحلى ولم يسم الرجل المقتول كما زعم هؤلاء , وإنما نقل تسميته عن ابن أبي الزناد حيث قال ابن حزم في المحلى (10/421): "ومن طريق يحي بن سعيد الأنصاري وعبد الرحمن بن أبي الزناد: أنّ معاوية أقاد من السكران, قال ابن أبي الزناد: وكان القاتل محمد بن النعمان الأنصاري, والمقتول عُمارة بن زيد بن ثابت".
قال ابن حزم: وهذا لا يصح لأن يحي لم يولد إلا بعد موت معاوية, وعبد الرحمن بن أبي الزناد في غاية الضعف, أول من ضعفه مالكٌ.
قلت: وعبد الرحمن أيضا لم يولد إلا بعد موت معاوية بأربعين سنة وبعد موت مروان بن الحكم بخمس وثلاثين سنة.
انظر تاريخ موت معاوية في تهذيب الكمال (28/179) وتهذيب التهذيب (28/179), والتقريب (2/592).
وتاريخ موت مروان في تهذيب الكمال (28/389) وتهذيب التهذيب (8/111), والتقريب (1/ 335).
وتاريخ ميلاد عبد الرحمن بن أبي الزناد في تهذيب الكمال (17/101) وتهذيب التهذيب (5/85) والتقريب (1/335).
وقالوا: ( بأن عُمارة بن زيد بن ثابت ليس بحجة إذا كان هو الذي قُتل في معاقرة الخمر)
وجوابه من وجهين:
أولهما: أنّ هذه القصة قد اتضح بالأدلة الواضحة أنها لا تصح لانقطاعها.
ثانيهما: أنّ عُمارة بن زيد بن ثابت تقدم أنه لا وجود له في شيء من طرق هذا الحديث على الإطلاق, بل لا وجود له في شيء من كتب الرجال فكيف يأتي به المحاضرُ من عند نفسه؟
جرد الحجج المصححة للحديث :
وبالجملة فإن نسبة هؤلاء للموطإ ما ليس فيه وتشنيعهم به على هذا الرجل واحتجاجهم بهذه القصّة مع التغاضي عن انقطاعها, وعن تضعيف ابن حزم لها, وعن كونها أجنبيةً على هذا الحديث, وإقحامها لهذا الرجل المجهول العين والحال في سند الحديث، ثمّ إعلالها به, تعصُّبٌ واضحٌ نتجت عنه التلبيساتُ والتي قابلناها بِعَدَدِهَا من الحجج القاطعة والبراهين الدامغة المصحّحة للحديث, وهي بالتفصيل:
1.- عدُّ الحفاظ لأبي جعفر الخطمي في الرواة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت وعدم عدهم لأبي جعفر آخر غيره.
2.- كون الراوي إذا أُبهِم في طريق وعُيِّنَ في طريق معتبَر آخر حُمِلَ المُبهمُ على المبيَّن وزال الإبهام وارتفع الإشكال.
3.- كون أكثر نُسَخِ سنن الترمذي مصرحةً بأنه قال بأن أبا جعفر هذا:هو الخطمي.
4.- تصحيح الترمذي نفسه لهذا الحديث وهو غيرُ معروف بتصحيح أحاديث المجهولين أحرى إذا كانت لا تُروَى إلا من طُرُقهم.
5.- روايتا شعبة عند البيهقي في الدلائل وابن أبي حاتم في العلل المصرحتان بأن أبا جعفر هذا هو الخطمي.
6.- روايات شعبة عند أحمد وابن خزيمة وابن ماجه والحاكم والبغوي والبخاري في التاريخ الكبير المصرحة بأنَّ أبا جعفر هذا هو المدني الذي هو الخطمي.
7.- روايات حماد بن سلمة ـ رفيق شعبة ـ عند أحمد والبخاري في التاريخ وابن أبي خيثمة المصرحة بأنَّ أبا جعفر هذا هوالخطمي.
8.- رواية هشام الدستوائي عند النسائي التي صرح فيها النسائي بأنَّ أبا جعفر هذا هو: عمير بن يزيد (الذي هو أبو جعفر الخطمي).
9.- روايتا روح بن القاسم عند ابن السني والحاكم المصرحتين بأنَّ أبا جعفر هذا هو الخطمي.
10.- تخطئة الحفاظ لتلك الرواية التي فيها أنه غيرُ الخطمي.
11.- تصاريحهم بأن الخطمي هو الذي روى عنه شُعبةُ.
12.- تصحيحهم لهذا الحديث في كتبهم واعتمادهم له.
13.- كون هذا الحديث لم يُضعفه حافظٌ قط من الحفاظ الذين خرَّجوه في كتبهم ولا من الحُفَّاظِ الذين لم يُخرِّجوه.
14.- نَقْلُ ابنِ تيميّة عن سائر العلماء أنهم قالوا: هو أبو جعفر الخطمي. وتصويبه لهم في ذلك في القاعدة (ص93) والفتاوي (1/266), واعترافُ الألباني في توسله (ص76, 93) بأن هذا الحديث لا شُبهة في سنده ولا شك في صحته.
وانطلاقًا مما سلف وتأسيسًا على ما تقدم , فإن عدم اعتبار شيء من هذه الحجج المقنعة والبراهين الدامغة, والاقتصار على تلك الرِّوايةِ البيِّنَةِ الخطإ, والإعراض عن غيرها, والإتيان برجل مجهول لا ذكر له في شيء من طرق هذا الحديث على الإطلاق, وإقحامه في سنده, وإعلاله به، هذه الأمورُ تصعُبُ استساغةُ صدورها ممن يحترمُ نفسه ويَتحلَّى بالأمانة العلميَّةِ.
وخلاصة القول: أنّ هذا الحديث صحيحٌ لذاته صريحٌ في دلالته على التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه, ثابتٌ عنه صلى الله عليه وسلم بما تَثبُتُ به الأدلَّةُ الشرعيةُ ولا يُمكن دفعُه ولا التخلُّصُ منه بحال من الأحوال, وهو معجزةٌ ظاهرةٌ من معجزاتهصلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته, وقد يَتَرَتَّبُ على إنكاره وردِّه ما يترتب على إنكار المعجزة وردِّها.
وكل من يحاول دفعَه والتخلُّصَ منه فإنما يحاول ذلك بصدر التعصب والعدوان لا بيد الدليل والبرهان .
وخلاصة القول أنه قد نصّ على صحّته جمعٌ كبيرٌ من حفّاظ الحديث ومن العلماء المحدّثين من بينهم : التّرمذيّ في كافة نسخ سننه, وابن ماجه في سننه(1/441), والطّبراني في الصّغير (1/184), والحاكم في المستدرك (1/313), والذّهبي في تلخيصه له, والسّيوطي في الجامع الصغير (رقم 1508) والحافظ أبو عبد الله المقدسي كما قال ابن تيمية في قاعدته (ص98), وفتاويه(1/274), كما صحّحه ابن خزيمة بإخراجه له في صحيحه(ج 2 ص 225 ), وحتّى ابن تيميّة نفسه صرّح في قاعدته (ص 132), وفتاويه(1/323) بصحّة هذا الحديث, وكذلك الألباني في توسّله (ص 76 ؛93). حيث صرّح بأنّ هذا الحديث لا شبهة في سنده ولا شكّ في صحته.
عثمان محمد النابلسي
حديث الضرير وهو: ما رواه الإمام أحمد في المسند (4 /138) والترمذي في سننه (5/229) والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص 204 ـ205) وابن ماجه (1/441) واللفظ له وابن خزيمة في صحيحه (2 /225) وعبدُ بنُ حُميدٍ في مُنتخَبِ مسنده (رقم 379) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) والحاكم في المستدرك (1/313 ,519) وصحّحه ووافقه الذهبي و أخرجه البيهقي في الدلائل (6/166) والبغوي في معجم الصحابة (4/346) و ابن أبي حاتم في العلل (3/229) : كلُّهم من طريق شُعبةَ عن أبي جعفر- وهو المدني الخطمي عمير بن زيد - عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أنّ رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :ادع الله لي أن يعافيني. فقال: إن شئتَ أخَّرتُ وهو خيرٌ لك وإن شئتَ دعوتُ, فقال ادعه، فأمره أن يتوضَّأ فيُحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمدصلى الله عليه وسلم نبي الرحمة , يا محمدُ.. إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في».
ولا يخفى أن هذا الحديث من دلائل نبوته صلى الله عليه و على آله وسلم ومعجزاته ، حيث أن رجلا أعمى أبصر ببركته صلى الله عليه و على آله وسلم كما كان عيسى بن مريم يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله .
وترجم له المحدّثون بـقولهم: " باب من له إلى الله حاجة ، أو إلى أحد من خلقه " .
وذكره الحافظ الجزري في " الحصن الحصين " ، والحافظ السيوطي في " الجامع الصغير " ، وشرْحه للمناوي ، و قال العلامة علي القاري :
{ " قوله ( " يا محمد " ) : إلتفات وتضرع لديه ، ليتوجه النبي صلى الله عليه و سلم بروحه إلى الله تعالى ، ويُغني السائل عما سواه ، وعن التوسل إلى غير مولاه، قائلاً : " إني أتوجه بك " أي بذريعتك ، الذريعة :الوسيلة ، والباء للاستعانة ، و " إلى ربي في حاجتي هذه " ، وهي المقصودة المعهودة " لتُقضى لي " . ويمكن أن يكون التقدير : ليقضي الله الحاجة لأجلك ، بل هذا هو الظاهر . وفي نسخة : " لتَقضي " بصيغة الفاعل ، أي : لتقضي أنت يا رسول الله الحاجة لي . والمعنى : لتكون سبباً لحصول حاجتي و وصول مرادي ، فالإسناد مجازي .}.انتهى .
قال الترمذي ـ كما في بعض نُسخ سُننه ـ: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو غيرُ الخطمي, وفي أكثر النُّسَخ أنه قال : وهو الخطمي .
زاد شُعبةُ في روايته عند أحمد وابن خزيمة والحاكم: «وشفعني فيه» لكنه نُقِلَ عنه الشك فيها من طريقين وذلك في روايتي أحمدٍ وابنِ خزيمة وقال شعبة أيضاً في روايته عند البيهقي في الدلائل:«وشفعني في نفسي», بدل:«وشفعني فيه».
و رواه الإمام أحمد في المسند (4 /138) والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص204) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) وابن أبى خيثمة في تاريخه ـ حسبما نقله ابن تيميّة في قاعدة (ص99) وفتاويه (1/275) ـ : كلهم من طريق حماد بن سلمة عن أبي جعفر- وهو أيضًا الخطمي- عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف . زاد حمادٌ في روايته عند ابن أبي خيثمة " ثم ما كانت حاجةٌ فافعل مثلَ ذلك أو قال " فُعِلَ مثلُ ذلك " على نقل ابن تيميّة في قاعدته وفتاويه.
ورواه النسائي في العمل (ص 205) والبخاري في التاريخ الكبير (6/210) كلاهما من طريق هشام الدستوائي عن أبي جعفر – وهو أيضا الخطمي – عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم زاد في رواية النسائي: «شفعه في وشفعني في نفسي ». وزاد أيضاً : فرجع وقد كُشف له عن بصره.
ورواه ابنُ السُّنِّي في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/625) وصحح إسناده وأقره الذهبي وأخرجه البيهقي في الدلائل (6/167): كلهم من طريق روح بن القاسم عن أبي جعفرٍ– وهو أيضا الخطمي – عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف , وقال روحٌ في جميع رواياته: " وشفعني في نفسي".
وروى البيهقي في الدّلائل (6/167-168) من طريقين وإسنادهما صحيح , والطبراني في الدعاء (2/1290) وفي الصغير (1/184) وفي الكبير وصححه بعد سوقه من طرق (9/17-18) كما ذكره أبو الحسن الهيثمي في " مجمع الزوائد " وأقره عليه , كما أقر المنذري قبله في " الترغيب والترهيب " , وقبله الحافظ عبد الغني المقدسي في الترغيب رقم 91 ..
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أنّ رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال عثمان بن حنيف : ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدصلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي عز وجل فيقضي لي حاجتي" وتذكر حاجتك, ورح إلي حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة. وقال ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إنّ الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلَّمتَه في، فقال عثمان بن حنيف : ما كلَّمتُه ولكن شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير البصر فشكا إليه ذهاب بصره... فذكر الحديث باختصار.
والصحابي المذكور فَِهم من حديث دعاء الحاجة أنه لا يختص بزمنه صلى الله عليه وسلم وهذا توسل به .
وهكذا علّم الرسول صلى الله عليه و سلم الضرير الدعاء ، وفيه التوسل بالشخص وصرفه عن ظاهره تحريف للكلم عن مواضعه بهوى .
وأما كون استجابة دعاء الضرير بدعاء الرسول صلوات الله عليه – وهو غير مذكور في الرواية – أوبدعاء الضرير ، فلا شأن لنا بذلك ، بل الحجة هي نص الدعاء المأثور عن الرسول عليه الصلاة والسلام .
وقد نص على صحة هذا الحديث جماعة من الحفاظ .
وقد قال القادحون في هذا الحديث بأنَّ التوسُّل بذات النَّبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه لم يبينه النَّبي صلى الله عليه وسلم ولم يرشد إليه أمّته ولم يعلِّمهم إيَّّاه)
والصحيحُ عكسُه , لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن وعلَّم التوسُّل به للضرير وأرشده إليه في حديث الضرير الذي ثبتت صحّتَه بالأدلَّة الواضحة, ولقد تقرَّر في قواعد الأصول أنَّ العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه , وأنَّ تبيينه وإرشاده و تعليمه لفرد من أفراد الأمّة تبيينٌ وإرشادٌ وتعليمٌ لعمومها , إلاّ إذا ثبت نسخٌ أو تخصيصٌ , وهيهات أن يَثْبُتَ النَّسخُ أو التَّخصيصُ لهذا الحديث ..
فقد قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (5/42): لا خلاف بين علماء أهل الأثَر والفقه أن الحديث إذا رواه ثقةٌ عن ثقةٍ حتى يتصل بالنبيصلى الله عليه وسلم أنّه حُجَّةٌ يُعمَلُ بها إلا أن ينسخه غيرُه.
ثم قال في الجزء نفسه (ص220): فضائله صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليها النسخ ولا الاستثناء ولا النقصان.
وقالوا: (العلة الأولى في حديث الضرير: أنه من رواية شُعبةَ عن أبي جعفر عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف , وأبو جعفر هذا مجهول ولذلك قال الترمذي عن أبي جعفر: وليس الخطمي , فأبو جعفر الخطمي ثقة مدني معروفٌ. والحديث إذا كان في إسناده مجهول لا يصح الاحتجاج به.) .
وفيه لَبسٌ واضحٌ وتهرُّبٌ من مواطن التحقيق , لأنه يوهم أنّ الحديث ليست له روايةٌ مُعتَبَرَةٌ غير رواية شُعبة, وهو خلاف الواقع، فقد سبق أن بيَّنتُ في هذا البحث أنّ له ثلاث روايات أخرى غير رواية شعبة هي: رواية حماد بن سلمة , ورواية هشام الدستوائي , ورواية روح بن القاسم, وكل واحدة منها تثبته على انفرادها فكيف بهن مجتمعات؟.
قولهم: ( أبو جعفر هذا مجهول , ولذلك قال الترمذي عن أبى جعفر: وليس الخطمي).
وهذا مردود من ستة أوجه:
أولها: أنّ أبا جعفر الخطمي هذا وإن كان لم يُعَيَّنْ في روايات شعبة عند الترمذي في السنن (رقم 3649) والنسائي في عمل اليوم والليلة (رقم 664) وعبد بن حميد في منتخب مسنده (رقم 379) وأحمد في إحدى روايتيه في المسند (4/138) وفي رواية حماد بن سلمة عند النسائي في العمل (رقم 633)
فقد عُيِّنَ في بقية روايات شعبة عند ابن ماجه في سننه (1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والبخاري في تاريخه (6/209) والحاكم في مستدركه (1/313،519) والبيهقي في الدلائل (6/166) والبغوي في معجم الصحابة (4/246) وابن أبي حاتم في العلل (3/229)، وفي إحدى روايتيه عند أحمد في المسند (4/138)
وعُيِّنَ كذلك في روايات حماد بن سلمة عند أحمد في المسند (4/138) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) وابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص98) وفتاويه (1/274)
وعُيِّنَ كذلك في روايتي هشام الدستوائي عند النسائي في عمل اليوم والليلة (رقم 665) والبخاري في التاريخ الكبير (6/210)
وعُيِّنَ كذلك في روايات روح بن القاسم عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633)والحاكم في المستدرك (1/526) والبيهقي في الدلائل (6/167)
وقد تقرر في علم المصطلح : أنَّ الراويَ إذا أُبهم في طريق وعُيِّنَ في طريق مُعتَبَر آخر حُمِلَ المُبهَمُ على المُبيَّنِ , وزال الإبهامُ وارتفع الإشكالُ, وعلى هذا المنوال ألَّف الخطيبُ كتابَه: "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" ودَرَجَ عليه كافة المحدثين أيضًا قبل الخطيب وبعده.
ثانيها: أنّ الحافظ المَزِّي في تهذيب الكمال (21/242) والحافظ ابنَ حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب (6/20) عَدَّا أبا جعفر الخطميَّ هذا في الرواة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ولم يعُدَّا فيهم أبا جعفر غيره.
ثالثها: أنّ الترمذي صحّح هذا الحديث في سننه , وليس من عادته تصحيحُ أحاديث المجهولين , أَحْرَى إذا كانت لا تُروَى إلا من طريقهم.
رابعها: أنّ بعض هؤلاء قد غيَّر العبارة الواردة في بعض نُسخ الترمذي: ( وهو غير الخطمي) فأبدلها بقوله: ( وليس الخطمي) وأرجو أن يكون هذا التغيير وقع بدافع الخطإ والنسيان لا بدافع حاجة في النفس , لأن العبارة الأصليةَ تقبل التوجيه , والمبدلة لا تقبله , إذ الاحتمال قد يتطرق إلى أن يكون أصل رواية الترمذي هو لفظة (عينُ) بدلا من (غيرُ) لِطِبَاقٍ بين اللفظتين, وكذلك يتطرق إلى أن تكون لفظةغيرُ) قد زيدت في بعض النُّسَخ , وهذا يؤيده كون أكثر نُسَخِ سنن الترمذي ليست فيها تلك اللفظةُ كما سياتي بيانه بإذن الله.
خامسها: أنّ الخطمي هو المدني: عمير بن يزيد وهو الذي في جميع روايات هذا الحديث كما تواطأ عليه الحُفَّاظُ حيث قال بعضهم: أبو جعفر المدني , وقال بعضهم الخطمي وقال بعضهم: المدني الخطمي وقال بعضهم: المدني وهو الخطمي عمير بن يزيد .
فممن قال: (الخطمي) شعبة في روايتيه عند البيهقي في الدلائل (6/166) وابن أبي حاتم في العلل (3/229), وحماد بن سلمة في رواياته عند أحمد في المسند (4/138) والبخاري وابن أبي خيثمة في تاريخيهما
وممن قال: (المدني) شُعْبَةُ في رواياته عند البخاري في التاريخ الكبير (6/210) وأحمد في المسند (4/138) وابن ماجه في السنن (رقم 1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والبغوي في معجم الصحابة (4/346) والحاكم في المستدرك (1/313 , 519) وقد وافقه الذهبي على ذلك
وممن قال: (المدني وهو الخطمي) روح بن القاسم في روايتيه عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/526) وأقره الذهبي على ذلك وكذا في دلائل النبوة للبيهقي (6/167), وفي معجم الطبراني الكبير (9/17-18) وقال في الصغير (1/184) أبو جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد)
وممن نص كذلك على أنه الخطمي: الترمذي في سننه كما في طبعة بولاق وهي أول الطبعات , وكما في طبعة دار سحنون بتونس ضمن موسوعة السنة , وكما في طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1395 هـ , وكما في طبعة دار الكتب العلمية سنة 1408 هـ , وكذلك نسخة ابن كثير التي نقل منها في موضعين من تاريخه (6/161 , 295) , ونسخة المَزِّي التي نقل منها في تحفة الأشراف (7/226) , ونسخة الإمام السبكي التي نقل منها في شفاء السقام (ص: 134)، وكذلك نقل "شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم وعادل مرشد وإبراهيم الزئبق ومحمّد رضوان وسعيد اللَّحام وهشيم عبد الغفور وعامر غضبان ومحمّد أنس الخن ومحمّد بركات وعبد اللطيف حرز الله", نقلوا كلُّهم في تحقيقهم لمسند الإمام أحمد (28/479) طبعة مؤسّسة الرّسالة عن النُّسخ الّتي اطّلعوا عليها من سنن التّرمذيّ أنّه قال بأنّ أبا جعفرٍ هذا هو الخطميّ.
وقد جزم كلٌّ من الطّبراني في الصّغير (1/184) وابن أبي حاتم في العلل (3/229) وابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص 99) وفتاويه (1/275) والدَّارقطني في تعليقاته على ضعفاء ابن حبّان (ص 213) والمَزِّيُّ في تهذيب الكمال (19/359) وابن تيميّة في قاعدته (ص93) وفتاويه (1/266) والذهبي في جزء السّيرة من تاريخه (ص 364): جزموا كلهم بأنَّ الخطميَّ هو الّذي روى عنه شُعبةُ. وصرح الألباني في توسله (ص 76، 93) بأن هذا الحديث: لا شُبهة في سنده ولا شك في صحته.
سادسها: أنَّ لفظة: (وهوغيرالخطمي) بافتراض ثبوتها عن الترمذي يلزم الرجوع إلى بقية روايات شعبة عند غير الترمذي, ثم الرجوع إلى روايات رفيق شعبة: حماد بن سلمة, ثم الرجوع إلى روايات هشام الدستوائي وروح بن القاسم, وحينئذ نجد روايتي شعبة عند البيهقي في الدلائل (6/166) وابن أبي حاتم في العلل (3/229) مصرحتين بأنّه الخطمي، ونجد رواياته عند أحمد في إحدى روايتيه (4/138) وابن ماجه في سننه (رقم:1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والحاكم في مستدركه (1/313 , 519) والبغوي في معجم الصحابة (4/346): مصرحة كلها بأن أبا جعفر هذا هو المدني, والمدني هوالخطمي , ونجد روايات حماد بن سلمة عند أحمد في مسنده (4/138) والبخاري في تاريخه (6/209) وكذا ابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص98) وفتاويه (1/274): مصرحة كلها بأنه الخطمي وكذلك نجد تصريح النسائي في روايته في عمل اليوم والليلة (رقم 665) من طريق هشام الدستوائي بأنه الخطمي ونجد روايتي روح بن القاسم عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/526): مصرحتين بأنه الخطمي.
قالوا حتى الخطميُّ لو قُدِّرَ أنه هو, غير معروف بالمدينة ).
والظاهرُ أنَّهم وقفوا على تعريف ابن المدينيِّ لأبي جعفر الخطمي وهو قوله عنه هو مدني قدم البصرة, وليس لأهل المدينة عنه أثر, ولا يعرفونه)، غير أنهم فاتهم أنَّ ابن المديني أراد أن يبين أنَّ أهل المدينة لم يرووا عن أبي جعفر الخطمي , لأنه وإن كان مدنيا وأخذ عن أشياخ المدينة كأبي أمامة وسعيد بن المسيب والحارث بن فضيل الخطمي وعُمارة بن خزيمة بن ثابت وعُمارة بن عثمان بن حنيف ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم، فإنه انتقل إلى البصرة وعنه روى أئمةٌ حفاظٌ أثباتٌ من أهل البصرة هم: شعبة ابن الحجاج وحماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم ويحي بن سعيد القَطَّان .
ومُجمَلُ القول عن الخطميِّ أنه أنصاريٌّ مدنيٌّ, روى عن علماء المدينة دون أن يروي عنه أهلُها لأنه انتقل إلى البصرة وأقام بها, فكانت شُهرتُه وتلامذتُهُ بالبصرة دون المدينة, هذا هو الذي أراد ابن المديني من تعريفه السابق لاغير، فإن كانوا فهموا من تعريف ابن المديني جهالة الخطمي فلا وجه لذلك الفهم.
وأقوال هؤلاء عن الخطمي متناقضةٌ، فقولُهم في هذه المقابلة بجهالته متناقضٌ مع قولهم: (فأبو جعفر الخطميُّ ثقةٌ مدنيٌّ معروفٌ).
وتجهيلهم للخطمي بقولهم حتى الخطميُّ لو قُدِّرَ أنه هو, غير معروف بالمدينة ) غلط محض , فلجهالةُ مطلقًا على قسمين: جهالةُ عين وجهالةُ حال, فالأولى ترتفع برواية ثقتين عن الراوي, كما قال الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" ص88, 89, وابن الصلاح في "المقدمة" ص101, والعراقي في " شرحه لألفيته" ص158, والنووي في "التقريب" مع شرح السيوطي له: "تدريب الراوي" ص209 , 210, والصنعاني في "توضيح الأفكار" ج2 ص 174, 175 ,190 ,191, وغير هؤلاء.
وأبو جعفر الخطميُّ هذا روى عنه خمسةُ حُفَّاظٍ ثقاتٍ أثباتٍ, تقدمت أسماءهم, فجهالةُ العين إذن منفيةٌ عنه على الأقل.
وأما جهالة الحال فترتفع ـ في المذهب الصحيح ـ بتوثيق حافظٍ واحدٍ متيقِّظٍ عارفٍ بأسباب التَّزكيَّة, كما قال الخطيب في "الكفاية" ص96, و ابن الصلاح في "المقدمة" ص98, 99, والعراقي في "الألفية" رقم 263, وابن حجرفي "شرح نخبة الفكر" ص41, والنووي في "التقريب" والسيوطي في "التدريب" ص203, وغيرهم, وأبو جعفر الخطميُّ هذا وثقه تسعةٌ من حفاظ الحديث متيقظون عارفون بأسباب التَّزكية وهم: يحي بن معين وابن مهدي وابن نمير وابن حبان والعجلي والنسائي والطبراني والذهبي وابن حجر, ولم يَصِفه أحدٌ من حفاظ الحديث بشيء من أنواع الجرح, بل قال عنه ابن عبد البر في "الاستغناء" ج1 ص505: هو عند جميعهم ثقةٌ.
وهنا أسألهم كيف يمكن بعد كل ما تقدم جرح الخطمي هذا بالجهالة أوغيرها؟ وإن كان أخذ العلم عن أهل بلده ولم ينشره فيه ونشره في بلد آخر كيف يمكن جرحه بذلك؟ وهل عدم معرفةِ الراوي في مدينةٍ دون أخرى يَستلزمُ جهالتَهُ؟ ومتى كان ذلك جرحًا تُرَدُّ به أحاديثُ الثِّقات؟ أو سالبًا يسلبهم الثقَة الثَّابِتَةَ لهم؟ ومن قال بذلك من أئمة الجرح والتعديل؟ وفي أي كتاب من كتبهم يوجد؟ ولماذا تجرأتم على نقض الإجماع الذي نقلهُ ابنُ عبد البر على توثيق الخطمي هذا بعبارتكم التي ابتكرتم في الجرح لكنه غير معروف بالمدينة)؟
يـا ناطـح الجبل العالي ليهدمــه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
فتبين بهذه الحجج البالغة والبراهين الدامغة: أنّ أبا جعفر هذا هو الخطمي وأن ما زعموه من جهالة أبي جعفر لا أصل له ثابتًا ولا فرع نابتًا.
وقالوا: (العلّة الثانية في هذا الحديث: أنّ فيه أن عثمان احتجب, والخلفاء الراشدون لم يُعرَف أنَّ واحداً منهم قد احتجب عن الناس)
وهذا مردود من وجهين:
الوجه الأول: أنّ عثمان ـ وهو ابن عفان ـ لا ذكر له في شيء من طرق أصل هذا الحديث حتى يمكن إعلاله باحتجابه, وكذلك لفظُ الاحتجاب لم يرد في شيء من طرق هذا الحديث بما في ذلك طريق القصة التي في خلافة عثمان ، فإن كانوا فهموا الاحتجاب عن الناس من قول عثمان بن حنيف في القصة: (فجاء البواب فأخذ بيده) فكون عثمان اتخذ بوابا لا يلزم منه دوام الاحتجاب المنهي عنه شرعا , لما ثبت في الصحيحين من أنّ له صلى الله عليه وسلم بوابا اسمه رباح, ولما ثبت فيهما أيضا عن أبي موسى الأشعري أنه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم في أحد الأيام, وإن كانوا فهموا الاحتجاب من قول عثمان بن حنيف في نفس القصة: (وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته) فقد جاء في رواية الطبراني في الصغير (1/184) وفي الكبير (9/17-18): أن ذلك وقع من عثمان بسبب النسيان حيث قال للرجل: ما ذكرتُ حاجتك حتى كانت هذه الساعة.
قولهم : ( والخلفاء الراشدون لم يُعرف أنّ واحدا منهم قد احتجب عن الناس)
هذا تحكم من غير إحاطة, إذ قد ثبت في الصحيحين وسنن أبي داود (3/139) ومصنف عبد الرزاق (5/469) وتمهيد ابن عبد البر (8/163-164) وشرح السنة للبغوي (6/337) وغيرهم من رواية مالك بن أوس عن عمر قال: فبينما أنا جالس عنده – يعني عمر- أتاه حاجبه يَرْفَأ فقال: هل لك في
عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون, قال نعم, فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يَرْفَأ يسيرا ثم قال: هل لك في علي وعباس, قال نعم, فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا.
قلت: فهذا الأثر الصحيح مصرحٌ بأن ثاني الخلفاء الراشدين كان له حاجب, كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم حاجب, فاتخاذ الحاجب إذن لا يلزم منه دوامُ الاحتجاب المنهي عنه شرعا.
الوجه الثاني: أنّ هذا الإعلال بالاحتجاب المزعوم فيه إدراج للقصة الواقعة في خلافة عثمان في أصل الحديث الواقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, وإدراجُها في أصله وهي متميزة عنه تاريخًا وسببًا, ثمّ إعلال أصله بها لا يُستساغ صدورُهما ممن ينتسب إلى العلم إلا عن فادح الغفلة والنسيان.
وقالوا: (العلة الثالثة: أنّ في هذا الحديث " اللهم شفعني فيه وشفعه فِيَّ ", فكيف يُريد الرجل أن يشفع في النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا حُمل ذلك على أنَّ معناه: اللهم استجب دعائي له بالاستجابة واستجب دعاءه لي بردِّ البصر فيكون هذا من التوسل بدعائه لا بشخصه والتوسل بدعائه غير محل خلاف أصلاً)
وهو إعلالٌ باطلٌ مردودٌ بأنَّ هذه الزيادة انفرد شعبةُ بذكرها دون سائر الرواة, وهناك طريقتان للتعامل معها.
الطريقة الأولى : هيَّ حملُ الهاء في «شفعني فيه» على أنها هاءُ سَكْتٍ لتطابق معنى زيادة « فشفعه في وشفعني في نفسي» التي هي أصح زيادة وردت في هذا الحديث لثبوتها عن الحفاظ الأربعة الذين رووه عن أبي جعفر الخطمي الذي عليه مداره, وحينئذ فلا تَعارُضَ بين الزيادتين أصلاً لاتحادهما معنىً، وهذا هو الأولى لأنَّ الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول كما بينه ابن حجرفي الفتح ج3 ص94 وج 8 ص451 وج 9 ص474 وج13 ص410., وهاءُ السَّكْتِ وردت كثيرا في القرآن وفي الأثر، من ذلك قوله تعالى في سورة الحاقة: هَآؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَّه إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَّهْ، وقوله: يَالَـــيْـــتَـــنِي لَمُ أوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمَ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة َ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ، وفي سورة القارعة: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، ومن أمثلتها في الأثر قول سعد بن أبي وقاص كما في طبقات ابن سعد (3/140) وأصله في صحيح البخاري: " لقد خِبْتُ إذن وضلَّ عمليَهْ" أي عملي، وكذلك المعنى في عبارة (وشفعني فيهْ) أي: فِيَّ بِيَاءِ المتكلِّم أي «شفعني في نفسي», وروايةُ حمادٍ بنِ سلمة التي ذكرها ابنُ تيميّة في قاعدته (ص99) وفتاويه (1/275) مُوضِّحةٌ لهذا المعنى لأنّ فيها " اللهم فشفّعني في نفسي وشفّع نبيّي في ردّ بصري". وبهذا تتّفق الرواياتُ كلُّها وينسجمُ المعنى ويَبطُلُ الإعلالُ من أصله .
أضِفْ إلى هذا أنّ حمل الهاء في هذه العبارة على الضمير يلزم منه أن يكون الأعمى شافعا في النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مستحيل شرعا وعقلا, أويُلجَأ إلى التأويلات البعيدة المتعسَّفة مثل ما فعل ابنُ تيميّة والألباني وتلميذُه الرِّفاعي , حيث قال ابنُ تيميّة في قاعدته (ص96) وفتاويه (1/271,335, 336) " وشفعني فيه" أي في دعائه وسؤاله لي, وقال الألباني في توسله (ص80): أي اقبل شفاعتي أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في أن ترد عليّ بصري, وقال الرِّفاعي في توصله (ص169؛ 238): أي واقبل شفاعتي بقبولك شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلمفي أي اقبل دعائي في قبول دعائه من أجل أن ترد على بصري, وقال أحدهم: اللهم استجب دعائي له بالاستجابة واستجب دعاءه لي بردِّ البصر.
هكذا تواردوا على هذه التأويلات البعيدة المتعسَّفة وغفلوا عن هذا التحقيق الجليّ الواضح, والعجب لابن تيميّة والألباني والرفاعي حيث صحّحوا عبارة " وشفعني فيه" وبالغوا في الاحتجاج بها في القاعدة (ص100) والفتاوي (1/266, 268؛ 270؛ 271؛ 274؛ 276؛ 277؛ 324). وفي التوسل (ص80؛ 81؛ 83) وفي التوصل: (ص168؛ 237؛ 238). دون أن يشير أحدٌ منهم إلى عِلَّةِ الشكّ التي فيها مع وقوفهم عليها, في الوقت الذي طعن ابنُ تيميّة والألبانيُّ في زيادة حمّاد بن سلمة المتقدمة التي هي: (ثم ما كانت حاجةٌ فافعل مـثلَ ذلك) أو قال (فُعِلَ مثلُ ذلك), مع أنّ العبارتين زِيدَتَا من ثقتين حافظين في متن حديثٍ واحدٍ , وحمادٌ أفقه من شعبة , وفِقْهُ الراوي من مرجّحات روايته كما بيَّنهُ ابنُ أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/25) والحاكم في علوم الحديث (1/11)، والخليلي في الإرشاد (1/177)، والخطيب في الكفاية (ص436)، والحازمي في الاعتبار (ص39)، والحسن بن عبد الرحمن في المحدث الفاصل (ص238)، وابن الأثير في جامع الأصول (1/62)، والسبكي في جمع الجوامع (ص 113)، وابن حجر في الفتح (1/362)، والسيوطي في شرح الكوكب الساطع (2/466)، ثم إنّ شُعبة نُقِلَ عنه الشكُّ في أصل زيادته من طريقين, وحمادٌ لم يُنقَلْ عنه قطّ شكٌّ في أصل زيادته, وروايةُ مَن جَزَمَ أرجحُ من رواية من شَكَّ كما بينه ابنُ حجر في الفتح (1/228, 2/178, 3/31, 563, 6/178, 8/5).
وأعجب من هذا أنّ ابن تيميّة في قاعدته (ص96) وفتاويه (1/271): زعم أنّ شعبة وحماد بن سلمة وهشام الدستوائي قالوا في رواياتهم للحديث: (وشفعني فيه), وهذا خلاف الواقع لأنّ هذه العبارة لا توجد إلا في بعض روايات شعبة وحده , وقد نُقِلَ عنه الشَّكُّ فيها من طريقين كما سبق, بل إنَّ الذي وردعن حماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم, إنما هوعبارة (شفعني في نفسي), بدل(شفعني فيه),
ومن العجيب زعم الرفاعي في التوصل (ص 168؛ 237؛ 238) أنّ عبارة (شفعني فيه) في سنن الترمذي, ولم أقف عليها في شيءٍ من نُسَخِ سننه التي وقفت عليها ولا أعلم أحدًا غيره نسبها إلى الترمذي قطّ.
والحقيقةُ أنَّ ابنَ تيميّة والألباني والرفاعي, وإن اعترفوا بصحة هذا الحديث المخالف لنحلتهم, فإنهم قد تعسفوا له تأويلات بعيدة, وتخبطوا في شأنه.
الطريقة الثانية: في التعامل مع عبارةشفعني فيه) هي: أن يُرجَّحَ بينها وبين عبارة (شفعني في نفسي), وحينئذ يتَّضح أنَّ عبارة (شفعني فيه) مرجوحةٌ , لأن شعبة وهو الذي تفرد بها دون سائر الروات نُقِلَ عنه الشك فيها من طريقين وذلك في روايتي أحمد (4/138) وابن خزيمة (2/225)، وقال عنها ابنُ كثير في تاريخه (6/161): كأنها غلط من الراوي.
قلت: ويتأكد كونُها مرجوحةً إذا حُملت الهاءُ فيها على الضمير, مع أنَّنا لو افترضنا أنها ثبتت, لما كان ذلك قادحًا في صحة الحديث لما تقدم من كونه ثبت من دونها في ثلاث روايات أخر غير رواية شعبة.(1)
قالوا : ( العلّة الربعة : ما وجدنا الحديث في سنن النسائي, وعادة النسائي إذا كان الحديث مُختلَفاً فيه على الراوي أن يأتي به من الوجه الذي اختُلِفَ فيه على الراوي بعد ذكره الأَوَّلَ, فقد أورد هذا الحديث بالرواية السابقة من رواية عُمارة بن خزيمة بن ثابت, ثم أورده بعد ذلك من رواية عُمارة بن زيد بن ثابت, ولم نجد لعُمارة بن زيد بن ثابت في كتب الرجال ذكرًا, إلا ذكرًا لا يُبشِّرُ بخير, فإذن هذا الحديثُ الذي اعتمدوا عليه في إباحة التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ ضعيفٌ لا يصل إلى مرتبة الاحتجاج)
وهو كلام مردود من أوله إلى آخره باستثناء قولهم: (وعادة النسائي) إلى قولهم: ( فقد أورد هذا الحديث بالرواية السابقة من رواية عمارة بن خزيمة بن ثابت )
وبيان ذلك أنّ سنن النسائي حيث أُطلقت تنصرف إلى المُجتبىَ كما هو معروف عند حُفَّاظ الحديث, وهذا الحديث ليس في المُجتبىَ إطلاقًا وإنما هو في عمل اليوم والليلة , وهو في أواخر السنن الكبرى , وقد طُبِعَ مستقلا عنها عدة طبعات، وهذا الحديث رواه النسائي فيه من طريق شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف ، ثم ذكر النسائيُّ أنّ شعبة وحماد بن سلمة خالفهما هشام الدستوائي وروح بن القاسم فروياه عن أبي جعفر:عمير بن يزيد, ـ وهو أيضا الخطمي ـ عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف , وهذا يعني أنّ أبا جعفر الخطمي له في هذا الحديث شيخان أحدهما عمارة بن خزيمة بن ثابت والآخر أبو أمامة وكلاهما رواه عن عثمان بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم, فكان أبو جعفر الخطمي تارة يحدث به على هذا الوجه وتارة يحدث به على الوجه الآخر, وكلا الوجهين صحيح لا مطعن فيه, ومن اعتبر هذا نوعًا من الاختلاف القادح, فقد خالف منهج المحدثين.
وأما قولهم ثم أورده ـ يعني النسائيَّ ـ بعد ذلك من رواية عُمارة بن زيد بن ثابت, ولم نجد لعُمارة بن زيد بن ثابت في كتب الرجال...)
فهو كلام مردود بأنَّ عُمارة بن زيد بن ثابت لا رواية له في شيء من كتب النسائي على الإطلاق, ولوكان هذا الحديثُ رُوِيَّ عنهُ في شيء من كتب الحديث لكان معدودا في الرواة عن عثمان بن حنيف وفي شيوخ أبى جعفر الخطمي، ولوكان النسائيُّ رَوَى عنه في شيء من كتبه لكان مُترجَمًا في كاشف الذهبي مع ذيل العراقي، وفي تهذيب الكمال للمَزِّي، وفي كتابي ابن حجر التهذيب, والتقريب, لأن كافة الرواة الذين روى لهم النسائيُّ محصورون في هذه الكتب, وعمارة هذا لا ذكر له في شيء منها على الإطلاق, بل لاذكر له في شيء من كتب الرجال إطلاقًا.
وقالوا: ( بأن الحديث أخرجه الترمذي وأصحاب السنن وأحمد )
وهذا حجة عليهم لأن رواية شعبة عند أحمد وابن ماجه فيها التصريح بأن أبا جعفر هذا هو المدني، والمدني هو الخطمي، وكذلك رواية أحمد من طريق حماد بن سلمة - رفيق شعبة - فيها التصريح بأنه الخطمي. لكنهم تغاضوا عن هذا كله ولم يذكروا شيئا عن روايات حماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم لعلمهم أنها ناسفة لدعواهم.
وقالوا : ( بأن الذين صححوا الحديث توهَّموا أنّ أبا جعفر هو الخطمي)
وهذا عكس الواقع، لأنهم لم يتوهَّمُوا ذلك بل تيقنوه جازمين, وصرحوا به واعتمدوه في كتبهم.
وقالوا: ( بأن مالكًا أخرج في الموطإ أنّ فتية من الأنصار تعاقروا الخمرَ في المدينة فقتلوا أحدهم فرفع مروانُ أمرَه إلى معاوية فأمره أن يقتاد له منهم ), وهو مردود من ثلاثة أوجه:
أولها: أنّ هذا الذي أشاروا إليه مجرد بلاغ, والبلاغ لا تقوم به حجة كما هو معروف عند علماء الحديث, وليس هذا البلاغ من بلاغات مالك التي وصلها الحافظ ابن عبد البر في التمهيد.
ثانيها: أنّ هذه القصة التي ذكروها لا تصح كما قال ابن حزم في المحلى (10/421).
ثالثها: أنّ المعاقرة التي ذكر أنها في الموطإ وشنَّع بها على هذا الرجل, لم أجد ذكرها في شيء من نُسَخِ الموطإ التي وقفت عليها ولم أر من نسبها إليه غيره, وإنما رأيت فيها: عن مالك أنه بلغه أنّ مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يذكر أنه أوتي بسكران قد قتل رجلا فكتب إليه معاوية: أن اقتله به. وذكر ابن أبي شيبة في المصنف (6/592) والبيهقي في السنن (8/42): نحوه ولم يذكر واحدٌ منهما المعاقرة ولم يذكرها أيضا ابنُ حزم في المحلى ولم يسم الرجل المقتول كما زعم هؤلاء , وإنما نقل تسميته عن ابن أبي الزناد حيث قال ابن حزم في المحلى (10/421): "ومن طريق يحي بن سعيد الأنصاري وعبد الرحمن بن أبي الزناد: أنّ معاوية أقاد من السكران, قال ابن أبي الزناد: وكان القاتل محمد بن النعمان الأنصاري, والمقتول عُمارة بن زيد بن ثابت".
قال ابن حزم: وهذا لا يصح لأن يحي لم يولد إلا بعد موت معاوية, وعبد الرحمن بن أبي الزناد في غاية الضعف, أول من ضعفه مالكٌ.
قلت: وعبد الرحمن أيضا لم يولد إلا بعد موت معاوية بأربعين سنة وبعد موت مروان بن الحكم بخمس وثلاثين سنة.
انظر تاريخ موت معاوية في تهذيب الكمال (28/179) وتهذيب التهذيب (28/179), والتقريب (2/592).
وتاريخ موت مروان في تهذيب الكمال (28/389) وتهذيب التهذيب (8/111), والتقريب (1/ 335).
وتاريخ ميلاد عبد الرحمن بن أبي الزناد في تهذيب الكمال (17/101) وتهذيب التهذيب (5/85) والتقريب (1/335).
وقالوا: ( بأن عُمارة بن زيد بن ثابت ليس بحجة إذا كان هو الذي قُتل في معاقرة الخمر)
وجوابه من وجهين:
أولهما: أنّ هذه القصة قد اتضح بالأدلة الواضحة أنها لا تصح لانقطاعها.
ثانيهما: أنّ عُمارة بن زيد بن ثابت تقدم أنه لا وجود له في شيء من طرق هذا الحديث على الإطلاق, بل لا وجود له في شيء من كتب الرجال فكيف يأتي به المحاضرُ من عند نفسه؟
جرد الحجج المصححة للحديث :
وبالجملة فإن نسبة هؤلاء للموطإ ما ليس فيه وتشنيعهم به على هذا الرجل واحتجاجهم بهذه القصّة مع التغاضي عن انقطاعها, وعن تضعيف ابن حزم لها, وعن كونها أجنبيةً على هذا الحديث, وإقحامها لهذا الرجل المجهول العين والحال في سند الحديث، ثمّ إعلالها به, تعصُّبٌ واضحٌ نتجت عنه التلبيساتُ والتي قابلناها بِعَدَدِهَا من الحجج القاطعة والبراهين الدامغة المصحّحة للحديث, وهي بالتفصيل:
1.- عدُّ الحفاظ لأبي جعفر الخطمي في الرواة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت وعدم عدهم لأبي جعفر آخر غيره.
2.- كون الراوي إذا أُبهِم في طريق وعُيِّنَ في طريق معتبَر آخر حُمِلَ المُبهمُ على المبيَّن وزال الإبهام وارتفع الإشكال.
3.- كون أكثر نُسَخِ سنن الترمذي مصرحةً بأنه قال بأن أبا جعفر هذا:هو الخطمي.
4.- تصحيح الترمذي نفسه لهذا الحديث وهو غيرُ معروف بتصحيح أحاديث المجهولين أحرى إذا كانت لا تُروَى إلا من طُرُقهم.
5.- روايتا شعبة عند البيهقي في الدلائل وابن أبي حاتم في العلل المصرحتان بأن أبا جعفر هذا هو الخطمي.
6.- روايات شعبة عند أحمد وابن خزيمة وابن ماجه والحاكم والبغوي والبخاري في التاريخ الكبير المصرحة بأنَّ أبا جعفر هذا هو المدني الذي هو الخطمي.
7.- روايات حماد بن سلمة ـ رفيق شعبة ـ عند أحمد والبخاري في التاريخ وابن أبي خيثمة المصرحة بأنَّ أبا جعفر هذا هوالخطمي.
8.- رواية هشام الدستوائي عند النسائي التي صرح فيها النسائي بأنَّ أبا جعفر هذا هو: عمير بن يزيد (الذي هو أبو جعفر الخطمي).
9.- روايتا روح بن القاسم عند ابن السني والحاكم المصرحتين بأنَّ أبا جعفر هذا هو الخطمي.
10.- تخطئة الحفاظ لتلك الرواية التي فيها أنه غيرُ الخطمي.
11.- تصاريحهم بأن الخطمي هو الذي روى عنه شُعبةُ.
12.- تصحيحهم لهذا الحديث في كتبهم واعتمادهم له.
13.- كون هذا الحديث لم يُضعفه حافظٌ قط من الحفاظ الذين خرَّجوه في كتبهم ولا من الحُفَّاظِ الذين لم يُخرِّجوه.
14.- نَقْلُ ابنِ تيميّة عن سائر العلماء أنهم قالوا: هو أبو جعفر الخطمي. وتصويبه لهم في ذلك في القاعدة (ص93) والفتاوي (1/266), واعترافُ الألباني في توسله (ص76, 93) بأن هذا الحديث لا شُبهة في سنده ولا شك في صحته.
وانطلاقًا مما سلف وتأسيسًا على ما تقدم , فإن عدم اعتبار شيء من هذه الحجج المقنعة والبراهين الدامغة, والاقتصار على تلك الرِّوايةِ البيِّنَةِ الخطإ, والإعراض عن غيرها, والإتيان برجل مجهول لا ذكر له في شيء من طرق هذا الحديث على الإطلاق, وإقحامه في سنده, وإعلاله به، هذه الأمورُ تصعُبُ استساغةُ صدورها ممن يحترمُ نفسه ويَتحلَّى بالأمانة العلميَّةِ.
وخلاصة القول: أنّ هذا الحديث صحيحٌ لذاته صريحٌ في دلالته على التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه, ثابتٌ عنه صلى الله عليه وسلم بما تَثبُتُ به الأدلَّةُ الشرعيةُ ولا يُمكن دفعُه ولا التخلُّصُ منه بحال من الأحوال, وهو معجزةٌ ظاهرةٌ من معجزاتهصلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته, وقد يَتَرَتَّبُ على إنكاره وردِّه ما يترتب على إنكار المعجزة وردِّها.
وكل من يحاول دفعَه والتخلُّصَ منه فإنما يحاول ذلك بصدر التعصب والعدوان لا بيد الدليل والبرهان .
وخلاصة القول أنه قد نصّ على صحّته جمعٌ كبيرٌ من حفّاظ الحديث ومن العلماء المحدّثين من بينهم : التّرمذيّ في كافة نسخ سننه, وابن ماجه في سننه(1/441), والطّبراني في الصّغير (1/184), والحاكم في المستدرك (1/313), والذّهبي في تلخيصه له, والسّيوطي في الجامع الصغير (رقم 1508) والحافظ أبو عبد الله المقدسي كما قال ابن تيمية في قاعدته (ص98), وفتاويه(1/274), كما صحّحه ابن خزيمة بإخراجه له في صحيحه(ج 2 ص 225 ), وحتّى ابن تيميّة نفسه صرّح في قاعدته (ص 132), وفتاويه(1/323) بصحّة هذا الحديث, وكذلك الألباني في توسّله (ص 76 ؛93). حيث صرّح بأنّ هذا الحديث لا شبهة في سنده ولا شكّ في صحته.
عثمان محمد النابلسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق