الأحد، 23 أبريل 2017

ثبوت التصرف والشعور لأرواح الصالحين من أهل القبو

ثبوت التصرف والشعور لأرواح الصالحين من أهل القبور

أولاً :

استفاضة الأخبار وتواترها تواترًا معنويًا بشعور الميّت وسماعه


إن الدلائل لسماع الموتى وتصرّف أرواحهم أصعب من أن تحصر , لكثرتها وتنوعها , حتى قال العلماء المحققون باستفاضة أحاديث سماع الموتى وتواترها تواتراً معنوياً , وإن لم يكن شيء منه متواتراً بعينه بالتواتر اللفظي , وذلك لأن الأدلة الكثيرة المستفيضة يعضد بعضها بعضاً , فإن للنصوص من القوة عند الاجتماع ما ليس لها عند الافتراق , إذ إنّ المعوّل عليه في حال الانفراد هو الصحة والضعف , أمّا عند تكاثر الأدلة وتعاضدها واجتماعها , بحيث يصعب حصرها في مسألة معينة , فإنها حينئذ تفيد اليقين أو الظن القريب من اليقين , بغض النظر عن قوّة أفرادها وضعفها , ومسألة سماع الأموات تثبت لا بمجرد لحاظ دليل أو دليلين , بل من اجتماع أدلة متكاثرة وقرائن متعددة توجب سماع الأموات وتبطل غيره من الاحتمالات التي يقبلها النص المفرد , وكتب الأئمة الأئمة الشريفة قد فصّلت أدلّة سماع الأموات , ككتاب الروح لابن القيم, والصارم المنكي , وشفاء السقام في زيارة خير الأنام , وارتياح الأكباد بفقد الأولاد للسخاوي , وشرح الصدور للسيوطي , وتذكرة القرطبي , وشروح صحيح البخاري كفتح الباري للعسقلاني وعمدة القاري للعيني والكواكب الرداري للكرماني , وشرح صحيح مسلم للنووي , والزهد لابن المبارك واأحمد بن حنبل , إلى غير ذلك من كتب المحدثين , وزبر المتقدمين والمُحْدَثين , من المتكلمين والمفسرين , وسأذكر في هذا المطلب بعض أدلة سماع الموتى وشعورهم ممّا يكفي الحيّ العاقل , أمّا صاحب الغيّ الباقل , الذي لم يفتح بصره , ولم يَرفع كَدِره , فينكر سماع الأموات , وحسّهم ونطقهم , وشعورهم وإدراكهم , ويشبههم بالجمادات , الخالية عن مطلق الإدراكات , مع ثبوت ذلك بما يبلغ بمجموعة إلى حد التواتر المعنوي , فلا ينفعه شيء إلا أن يبكي على نفسه , إلى أن يدخل في رَمثه , فيسمع فيه خطابات الأحياء , ويبدو له ما لم يكن يحتسب حين كونه من الأحياء , ويحصل له علم اليقين بسماع الدَّفين , فيتحسر على ما فات منه من الاعتقاد واليقين , عصمنا اللّه وجميع خلقه من مثل هذه الحسرة بعد فوته , وحفظنا اللّه وجميع عباده من مثل هذه الِترة بعد مماته .

قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى :
(وَاسْتَفَاضَتْ الْآثَارُ بِمَعْرِفَةِ الْمَيِّتِ أَهْلَهُ وَبِأَحْوَالِ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ ) .


ملاحظة : قال الشاه ولي الله الدهلوي في التفهيمات : ( فكانت الأحاديث المستفيضة من هذا الوجه متواتراً أو ملحقاً بالمتواتر) .

وقال ابن القيم في كتاب الروح :
( وَقد شرع النَّبِي لأمته إِذا سلمُوا على أهل الْقُبُور أَن يسلمُوا عَلَيْهِم سَلام من يخاطبونه فَيَقُول السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين , وَهَذَا خطاب لمن يسمع وَيعْقل , وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ هَذَا الْخطاب بِمَنْزِلَة خطاب الْمَعْدُوم والجماد , وَالسَّلَف مجمعون على هَذَا , وَقد تَوَاتَرَتْ الْآثَار عَنْهُم بِأَن الْمَيِّت يعرف زِيَارَة الْحَيّ لَهُ ويستبشر بِهِ )

وقال ابن كثير في التفسير (3/439) :
(وقد تواترت الآثار عنهم –أي السلف- بأن الميت يعرف بزيارة الحي له ويستبشر ) .

وقال اللكنوي في تذكرة الراشد (المسألة 58) :
( فانظر إلى هذه الأموات , كيف أنكروا سماع الأموات , وحسّهم ونطقهم , وشعورهم وإدراكهم , وشبهوهم بالجمادات , الخالية عن مطلق الإدراكات , مع ثبوت ذلك بما يبلغ بمجموعة إلى حد التواتر المعنوي , وأن لم يكن شيء منه متواتراً بعينه بالتواتر اللفظي..)

وقال العلامة أنور شاه الكشميري في فيض الباري :
( واعلم أنَّ مسألة كلام المَيِّت وسماعِهَ واحدةٌ وأنكرها حنفيةُ العَصْر , وفي رسالةٍ غير مطبوعة لعليِّ القاري: أنَّ أحدًا من أئمتنا لم يَذْهَب إلى إنكارِها، وإنما استنبطوها مِن مسألةٍ في باب الإيمان، وهي: حلف رجلٌ أن لا يكلِّم فلانًا فكلَّمه بَعْدَما دُفِن لا يَحنَث، قال القاري: ولا دليلَ فيها على ما قالوا، فإِنَّ مَبْنَى الأَيْمان على العُرْف وهم لا يُسمُّونه كلامًا، وأنكره الشيخ ابنُ الهمام رحمه الله تعالى أيضًا في «الفتح»، ثم أَوْرَد على نَفْسه: أنَّ السَّماع إذا لم يَثْبت فما معنى السَّلام على القبر؟ وأجاب عنه: أنهم يسمعون في هذا الوقت فقط ، ولا دليلَ فيه على العُموم. ثُم عاد قائلا: أنه ثَبَت منهم سَماعُ قَرْع النِّعال أيضًا: فأجابَ عنه بِمثْله.
أقول: والأحاديثُ في سماع الأمواتِ قد بلغت مَبْلغَ التواتر... )



ثانياً :

علم الميّت بمن يغسله ويكفنه ويحمله




(1) - أخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وإبن أبي الدُّنْيَا والمروزي وإبن مَنْدَه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ : ( إِن الْمَيِّت يعرف من يغسلهُ ويحمله ويكفنه وَمن يدليه فِي حفرته) .

(2) - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن مُجَاهِد قَالَ : (إِذا مَاتَ الْمَيِّت فَملك قَابض نَفسه فَمَا من شَيْء إِلَّا وَهُوَ يرَاهُ عِنْد غسله وَعند حمله حَتَّى يوصله إِلَى قَبره) ..

(3) - وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ : ( الرّوح بيد ملك يمشي بِهِ فَإِذا دخل قَبره جعله فِيهِ)

(4) - وَأخرج أَبُو نعيم عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ : ( مَا من ميت يَمُوت إِلَّا وروحه فِي يَد ملك ينظر إِلَى جسده كَيفَ يغسل وَكَيف يُكفن وَكَيف يمشى بِهِ وَيُقَال لَهُ وَهُوَ على سَرِيره اسْمَع ثَنَاء النَّاس عَلَيْك) .

(5) - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ : (مَا من ميت يَمُوت إِلَّا وَهُوَ يعلم مَا يكون فِي أَهله بعده وَإِنَّهُم ليغسلونه ويكفنونه وَإنَّهُ لينْظر إِلَيْهِم)

(6) - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: ( بَلغنِي أَنه مَا من ميت يَمُوت إِلَّا وروحه فِي يَد ملك الْمَوْت فهم يغسلونه ويكفنونه وَهُوَ يرى مَا يصنع بِهِ أَهله فَلَو يقدر على الْكَلَام لنهاهم عَن الرنة والعويل)

(7) - وَأخرج عَن سُفْيَان قَالَ: (إِن الْمَيِّت ليعرف كل شَيْء حَتَّى إِنَّه ليناشد غاسله بِاللَّه عَلَيْك إِلَّا خففت غسْلي قَالَ وَيُقَال لَهُ وَهُوَ على سَرِيره اسْمَع ثَنَاء النَّاس عَلَيْك)

(8) - وَأخرج عَن حُذَيْفَة قَالَ : (الرّوح بيد ملك وَإِن الْجَسَد ليغسل وَإِن الْملك ليمشي مَعَه إِلَى الْقَبْر فَإِذا سوي عَلَيْهِ سلك فِيهِ فَذَلِك حِين يُخَاطب)

(9) - وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة قَالَ : (إِن الرّوح بيد الْملك والجسد يقلب فَإِذا حملوه تَبِعَهُمْ فَإِذا وضع فِي الْقَبْر بثه فِيهِ)

(10) - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ : ( الرّوح بيد ملك يمشي بِهِ فِي الْجِنَازَة يَقُول لَهُ إسمع مَا يُقَال لَك فَإِذا بلغ حفرته دَفنه مَعَه)

(11) - وَأخرج عَن ابْن أبي نجيح قَالَ : ( مَا من ميت يَمُوت إِلَّا وروحه فِي يَد ملك ينظر إِلَى جسده كَيفَ يغسل وَكَيف يُكفن وَكَيف يمشي بِهِ إِلَى قَبره ثمَّ تُعَاد إِلَيْهِ روحه فيجلس فِي قَبره) .

(12) -وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم عَن حَيَّان بن جبلة قَالَ : بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ : ( إِن الشَّهِيد إِذا أستشهد أنزل الله لَهُ جسدا كأحسن جَسَد ثمَّ يُقَال لروحه أدخلي فِيهِ فَينْظر إِلَى جسده الأول مَا فعل بِهِ وَيتَكَلَّم فيظن أَنهم يسمعُونَ كَلَامه فَينْظر إِلَيْهِم فيظن أَنهم يرونه حَتَّى يَأْتِيهِ أَزوَاجه يَعْنِي من الْحور الْعين فيذهبن بِهِ ) .



ثالثاً :

علم الميّت بما يجري وهو محمول على الأكتاف



(13) - وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : ( إِذا وضعت الْجِنَازَة واحتملها الرِّجَال على أَعْنَاقهم فَإِن كَانَت صَالِحَة قَالَت قدموني وَإِن كَانَت غير صَالِحَة قَالَت يَا وَيْلَهَا أَيْن تذهبون بهَا يسمع صَوتهَا كل شَيْء إِلَّا الْإِنْسَان وَلَو سَمعه الْإِنْسَان صعق ) .


رابعاً :

استبشار الميت المؤمن بتعجيله إِلَى الْمَقَابِر




(14) - وَأخرج ابن أبي الدُّنْيَا عَن بكر الْمُزنِيّ قَالَ : ( حدثت أَن الْمَيِّت يستبشر بتعجيله إِلَى الْمَقَابِر) .

خامساً :

شعور الميت وكلامه وهو موضوع على سريره

(15) - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي الْقُبُور عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : ( مَا من ميت يوضع على سَرِيره فيخطى بِهِ ثَلَاث خطوَات إِلَّا تكلم بِكَلَام يسمعهُ من شَاءَ الله إِلَّا الثقلَيْن الْإِنْس وَالْجِنّ , يَقُول : يَا إخوتاه! وَيَا حَملَة نعشاه! لَا تغرنكم الدُّنْيَا كَمَا غرتني , وَلَا يلْعَب بكم الزَّمَان كَمَا لعب بِي , تركت مَا خلفت لورثتي , وَالديَّان يَوْم الْقِيَامَة يخاصمني ويحاسبني , وَأَنْتُم تشيعوني وتدعوني ) .

(16) - وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أم الدَّرْدَاء قَالَت : ( إِن الْمَيِّت إِذا وضع على سَرِيره فَإِنَّهُ يُنَادي: يَا أهلاه! وَيَا جيراناه! يَا حَملَة سريراه! لَا تغرنكم الدُّنْيَا كَمَا غرتني وَلَا تلعبن بكم كَمَا تلاعبت بِي , فَإِن أَهلِي لم يتحملوا عني من وزري شَيْئا) .

(17) - وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ : ( لَا يقبض الْمُؤمن حَتَّى يرى الْبُشْرَى , فَإِذا قبض نَادَى فَلَيْسَ فِي الدَّار دَابَّة صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا وَهِي تسمع صَوته إِلَّا الثقلَيْن الْإِنْس وَالْجِنّ , يَقُول: عجلوا بِي إِلَى أرْحم الرَّاحِمِينَ , فَإِذا وضع على سَرِيره قَالَ : مَا أَبْطَأَ مَا تمشون, فَإِذا أَدخل فِي لحده أقعد فأري مَقْعَده من الْجنَّة وَمَا أعد الله لَهُ وملىء قَبره من روح وَرَيْحَان ومسك فَيَقُول : يَا رب قدمني , فَيُقَال لم يَأن لَك إِن لَك إخْوَة وأخوات لما يلْحقُوا وَلَكِن نم قرير الْعين. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا نَام نَائِم طاعم ناعم وَلَا فتاة فِي الدُّنْيَا نومَة بأقصر وَلَا أحلى من نومته حَتَّى يرفع رَأسه إِلَى الْبُشْرَى يَوْم الْقِيَامَة ) . (1)

-------------------------------------

1- شرح الصدور للسيوطي , باب معرفَة الْمَيِّت بِمن يغسلهُ..., وباب مقر الأرواح , وبَاب من يحضر الْمَيِّت من الْمَلَائِكَة وَغَيرهم , باختصار .

_____________________________________________________
سادساً :

سماع الميّت خطاب الناس بعد دفنه


قال ابن القيّم في الروح :

( من تلقين الْمَيِّت فِي قَبره وَلَوْلَا أَنه يسمع ذَلِك وَينْتَفع بِهِ لم يكن فِيهِ فَائِدَة وَكَانَ عَبَثا وَقد سُئِلَ عَنهُ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله فَاسْتَحْسَنَهُ وَاحْتج عَلَيْهِ بِالْعَمَلِ .
(18) - ويروى فِيهِ حَدِيث ضَعِيف ذكره الطبرانى فِي مُعْجَمه من حَدِيث أَبى أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله : ( إِذا مَاتَ أحدكُم فسويتم عَلَيْهِ التُّرَاب فَليقمْ أحدكُم على رَأس قَبره ثمَّ يَقُول يَا فلَان ابْن فُلَانَة فَإِنَّهُ يسمع ولايجيب ثمَّ ليقل يَا فلَان ابْن فُلَانَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدا ثمَّ ليقل يَا فلَان ابْن فُلَانَة يَقُول أرشدنا رَحِمك الله وَلَكِنَّكُمْ لاتسمعون فَيَقُول أذكر مَا خرجت عَلَيْهِ من الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وان مُحَمَّد رَسُول الله وَأَنَّك رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا فان مُنْكرا ونكيرا يتَأَخَّر كل وَاحِد مِنْهُمَا وَيَقُول انْطلق بِنَا مَا يقعدنا عِنْد هَذَا وَقد لقن حجَّته وَيكون الله وَرَسُوله حجيجه دونهمَا ) , فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله فَإِن لم يعرف أمه قَالَ ينْسبهُ إِلَى امهِ حَوَّاء .

فَهَذَا الحَدِيث وَإِن لم يثبت , فاتصال الْعَمَل بِهِ فِي سَائِر الْأَمْصَار والأعصار من غير انكار كَاف فِي الْعَمَل بِهِ وَمَا أجْرى الله سُبْحَانَهُ الْعَادة قطّ بِأَن أمه طبقت مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وَهِي أكمل الْأُمَم عقولا وأوفرها معارف تطِيق على مُخَاطبَة من لَا يسمع وَلَا يعقل وتستحسن ذَلِك لاينكره مِنْهَا مُنكر بل سنه الأول للْآخر ويقتدي فِيهِ الآخر بِالْأولِ فلولا ان الْمُخَاطب يسمع لَكَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الْخطاب للتراب والخشب وَالْحجر والمعدوم وَهَذَا وان استحسنه وَاحِد فالعلماء قاطبة على استقباحه واستهجانه .

(19) -- وَقد روى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حضر جَنَازَة رجل فَلَمَّا دفن قَالَ : (سلوا لأخيكم التثيب فَإِنَّهُ الْآن يسْأَل) ..
فَأخْبر أَنه يسْأَل حِينَئِذٍ وَإِذا كَانَ يسْأَل فَإِنَّهُ يسمع التَّلْقِين...الخ ) .


(20) - وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن رَاشد بن سعد وضمرة بن حبيب وَحَكِيم بن عُمَيْر قَالُوا : ( إِذا سوي على الْمَيِّت قَبره وَانْصَرف النَّاس عَنهُ , كَانَ يسْتَحبّ أَن يُقَال للْمَيت عِنْد قَبره : يَا فلَان قل لَا إِلَه إِلَّا الله , ثَلَاث مَرَّات, يَا فلَان قل رَبِّي الله ديني الْإِسْلَام ونبيي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ينْصَرف ) .

(21) - وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه من وَجه آخر عَن أبي أمامه الْبَاهِلِيّ قَالَ : ( إِذا مت فدفنتموني فَليقمْ إِنْسَان عِنْد رَأْسِي فَلْيقل : يَا صدي بن عجلَان! اذكر مَا كنت عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ) .
(انظر: شرح الصدور , بَاب مَا يُقَال عِنْد الدّفن والتلقين )


(22) - وروى القرطبي في التذكرة بإسناده (ص342) :
( عن سعيد الأزدي قال: دخلت على أبي أمامة الباهلي وهو في النزع فقال لي: يا سعيد إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا.
فقال: «إذا مات الرجل منكم فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه فليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه سيسمع.
فليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يستوي قاعداً.
فليقل يا فلان ابن فلانة فإنه سيقول: أرشدنا يرحمك الله فلقيل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله باعث من في القبور، فإن منكر ونكيراً عند
ذلك يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول: ما نصنع عند رجل لقن حجته فيكون الله حجيجهما دونه ) .

قال الشيخ عبد العلي اللكنوي في رسائل الأركان (ص151 ط اليوسفي) :

(وما قيل أن التلقين لغو لأن الميت لا يسمع فهذا باطل , لأنه قد ورد في الحديث الصحيح أن الميت أسمع لصوت النعال من الأحياء , ورسول الله –ص- قد نادى الكفرة الملقين في قليب بدر وقال إنهم يسمعون ولا يقدرون على الجواب , لما لحقهم من العذاب الشديد ) .

فائدة :

نقل الإمام النووي في المجموع عن الإمام ابن الصلاح مقراً :

( وسئل الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله عنه فقال التلقين هو الذى نختاره ونعمل به قال وروينا فيه حديثا من حديث أبى امامة ليس إسناده بالقائم لكن اعتضد بشواهد وبعمل أهل الشام قديما) .
فقد نقل عن ابن الصلاح اعتضاد الحديث بشواهد ذكرها بعد ذلك , وبعمل أهل الشام زمن من يقتدى به وإلى زمانه .

وقال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير عن حديث أبي أمامة (2/310) :

(وإسناده صالح , وقد قواه الضياء في أحكامه وأخرجه عبد العزيز في الشافي والراوي عن أبي أمامة سعيد الآزدي بيض لها بن أبي حاتم, ولكن له شواهد)

وقال الإمام السخاوي في المقاصد الحسنة :

(وضعفه ابن الصلاح ثم النووي وابن القيم والعراقي وشيخنا في بعض تصانيفه وآخرون وقواه الضياء في أحكامه ثم شيخنا بما له من الشواهد وعزى الإمام أحمد العمل به لأهل الشام وابن العربي لأهل المدينة وغيرهما كقرطبة وغيرها وأفردت للكلام عليه جزءا) .

وجميع الذين نقل عنهم تضعيفه ذهبوا إلى اعتضاد الحديث بشواهد ,وبعمل أهل الشام كما ذكر عنهم الإمام أحمد بن حنبل .

و نقل العلامة ملا علي قاري عن الإمام ابن حجر الهيتمي تحسين حديث التلقين هذا وأنه قال فيه :

(اعتضد بشواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن ) .

وقال النفراوي في الفواكه الدواني :

(وَقَالَ ابْنُ الطَّلَّاعِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ : هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَعْمَلُ بِهِ ، وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ لَكِنْ اُعْتُضِدَ بِالْقَوَاعِدِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الشَّامِ )

وقال الكشميري في فيض الباري :

( وذهب بعضُهم إلى أن الحديثَ إذا تأيَّد بالعملِ ارتقى من حال الضَّعْف إلى مرتبة القبول. قلت: وهو الأَوْجَهُ عندي ) .


سابعاً :

سماع الميت قرع النعال عند ذهاب الناس


(23) - أخرج الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إن العَبْد إِذا وضع فِي قَبره وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه إِنَّه يسمع قرع نعَالهمْ قَالَ يَأْتِيهِ ملكان فَيُقْعِدَانِهِ ) .

(24) - وَأخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد حسن عَن إِبْنِ عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ : (إِن الْمَيِّت ليسمع خَفق نعَالهمْ حِين يولون ) .

(25) - وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وإبن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ : ( شَهِدنَا جَنَازَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا فرغ من دَفنهَا وَانْصَرف النَّاس قَالَ: "إِنَّه الْآن يسمع خَفق نعالكم" ) .

(26) - وَأخرج هناد فِي الزّهْد وإبن أبي شيبَة وإبن جرير وإبن الْمُنْذر وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وإبن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الْمَيِّت إِذا وضع فِي قَبره إِنَّه ليسمع خَفق نعَالهمْ حِين يولون عَنهُ)

(27) - وَأخرج جُوَيْبِر فِي تَفْسِيره عَن الضَّحَّاك عَن إِبْنِ عَبَّاس قَالَ : ( شهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار فَانْتهى إِلَى الْقَبْر وَلم يلْحد لَهُ فَجَلَسَ وَجلسَ النَّاس كَأَن على رؤوسهم الطير , فَضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَصَره فِي الأَرْض ينْكث بمخصرة مَعَه , ثمَّ رفع طرفه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ : "أعوذ بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر ثَلَاث مَرَّات ..." إلى أن قال : "فَيَقُول ملك الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة الَّذين هَبَطُوا إِلَيْهَا يَا رب قبضنا روح فلَان بن فلَان الْمُؤمن وَهُوَ أعلم مِنْهُم بذلك فَيَقُول الله ردُّوهُ إِلَى الأَرْض فَإِنِّي مِنْهَا خلقتهمْ وفيهَا أعيدهم وَمِنْهَا أخرجهم تَارَة أُخْرَى , فَإِنَّهُ ليسمع خَفق نعالكم ونفض أَيْدِيكُم إِذا وليتم عَنهُ مُدبرين" ) .

فسماعه قرع نعالهم يدلّ على أنّ الميّت يسمع ما حوله ..


ثامناً :

سماع الميت سؤال الملكين وجوابه لهما



قد تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيث بذلك مُؤَكدَة من رِوَايَة أنس والبراء وَتَمِيم الدَّارِيّ وَبشير بن الْكَمَال وثوبان وَجَابِر بن عبد الله وَعبد الله بن رَوَاحَة وَعبادَة بن الصَّامِت وَحُذَيْفَة وضمرة بن حبيب وإبن عَبَّاس وإبن عمر وإبن مَسْعُود وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعمر بن الْخطاب وَعَمْرو بن الْعَاصِ ومعاذ بن جبل وَأبي أُمَامَة وَأبي الدَّرْدَاء وَأبي رَافع وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي قَتَادَة وَأبي هُرَيْرَة وَأبي مُوسَى وَأَسْمَاء وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ .

(28) - أخرج الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن العَبْد إِذا وضع فِي قَبره وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه إِنَّه يسمع قرع نعَالهمْ قَالَ يَأْتِيهِ ملكان فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل وَعند ابْن مردوية مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ بَين أظْهركُم لذِي يُقَال لَهُ مُحَمَّد قَالَ فَأَما الْمُؤمن فَيَقُول أشهد أَنه عبد الله وَرَسُوله فَيُقَال لَهُ أنظر إِلَى مَقْعَدك من النَّار قد أبدلك الله بِهِ مقْعدا من الْجنَّة قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا قَالَ قَتَادَة وَذكر لنا أَنه يفسح لَهُ فِي قَبره سَبْعُونَ ذِرَاعا ويملأ عَلَيْهِ خضر وَأما الْمُنَافِق وَالْكَافِر فَيُقَال لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول لَا أَدْرِي كنت أَقُول مَا يَقُول النَّاس فَيُقَال لَا دَريت وَلَا تليت وَيضْرب بمطراق من حَدِيد ضَرْبَة فَيَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا من يَلِيهِ إِلَّا الثقلَيْن . (شرح الصدور : بَاب فتْنَة الْقَبْر وسؤال الْملكَيْنِ, باختصار)


تاسعاً :

سماع الموتى بعد عدّة أيام
(29) - وروى الطبراني بإسناد صحيح –كما قال ابن حجر في الفتح- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن سِيدَانَ ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ( أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْقَلِيبِ، فَقَالَ:"يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟"فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ يَسْمَعُونَ؟ قَالَ:"يَسْمَعُونَ كَمَا تَسْمَعُونَ، وَلَكِنْ لا يُجِيبُونَ" ) .

(30) - وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من مُرْسل عبيد بن مَرْزُوق قَالَ : ( كَانَت إمرأة بِالْمَدِينَةِ تقم الْمَسْجِد فَمَاتَتْ فَلم يعلم بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم , فَمر على قبرها فَقَال : ( مَا هَذَا الْقَبْر؟) , فَقَالُوا: أم محجن , قَالَ : (الَّتِي كَانَت تقم الْمَسْجِد؟) , قَالُوا: نعم , فَصف النَّاس فصلى عَلَيْهَا ثمَّ قَالَ : (أَي الْعَمَل وجدت أفضل؟) , قَالُوا : يَا رَسُول الله أتسمع؟! قَالَ : (مَا أَنْتُم بأسمع مِنْهَا) , فَذكر أَنَّهَا أَجَابَتْهُ قُم الْمَسْجِد ). (شرح الصدور , باب معرفَة الْمَيِّت بِمن يغسله...)

تنبيه : لا يوجد دليل على أن سماع الميّت مختص بالنبي –- .

عاشراً :

تعذب الميّت بسماعه بكاء أهله

(31) - وأخرج الشيخان عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ) .

قال النووي في شرح مسلم :

( معناه أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ويرق لهم . وإلى هذا ذهب الطبرى ، قال القاضى عياض : وهو أولى الأقوال ، واحتجوا له بأن النبى صلى الله عليه وسلم زجر امرأة عن البكاء على ابنها وقال : " إن أحدكم إذا بكى استعبر له صويحبه ، فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم " ) .

حادي عشر :
تبشير الكافر بالنار عند المرور على قبره

(32) - روى ابن ماجة في سننه عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : ( جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ وَكَانَ وَكَانَ فَأَيْنَ هُوَ قَالَ فِي النَّارِ قَالَ فَكَأَنَّهُ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ أَبُوكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ مُشْرِكٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ .
قَالَ فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ بَعْدُ وَقَالَ لَقَدْ كَلَّفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَبًا مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلَّا بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ) . ورواه الطبراني في المعجم الكبير .


ثاني عشر :
تقريع النبي –- قتلى المشركين في بدر



(33) - وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف على قَتْلَى بدر فَقَالَ : ( يَا فلَان بن فلَان يَا فلَان بن فلَان , هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا؟! فَإِنِّي وجدت مَا وَعَدَني رَبِّي حَقًا , فَقَالَ عمر : يَا رَسُول الله! مَا تكلم من أجساد لَا أَرْوَاح لَهَا!! فَقَالَ : مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم غير أَنهم لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يردوا عَليّ شَيْئا ) .
شرح الصدور .


ثالثَ عشر :
تقريع الأنبياء أقوامهم بعد هلاكهم



(34) - قال تعالى : (( فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (*) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (*) ) .

قال ابن كثير في تفسيره (3/444) :

( هذا تقريع من صالح -عليه السلام- لقومه لما أهلكهم الله بمخالفتهم إياه، وتمردهم على الله , وإبائهم عن قبول الحق، وإعراضهم عن الهدى إلى العَمى -قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم تقريعا وتوبيخا وهم يسمعون ذلك , كما ثبت في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على أهل بدر، أقام هناك ثلاثًا، ثم أمر براحلته فشُدّت بعد ثلاث من آخر الليل فركبها ثم سار حتى وقف على القليب، قليب بدر، فجعل يقول: "يا أبا جهل بن هشام، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، ويا فلان بن فلان: هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا" . فقال له عمر: يا رسول الله، ما تُكَلّم من أقوام قد جيفوا؟ فقال: "والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يجيبون".

(35) - وفي السيرة أنه، عليه السلام قال لهم: "بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم".

وهكذا صالح، عليه السلام، قال لقومه: { لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ } أي: فلم تنتفعوا بذلك، لأنكم لا تحبون الحق ولا تتبعون ناصحا؛ ولهذا قال: { وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ }) .

فهذا خطاب من سيدنا صالح -- لقومه بعدما هلكوا , وذلك تلو دعوته إياهم ورفضهم الاستجابة , فقاموا بعقر الناقة , ثم نزل العذاب بهم وهلكوا , فخاطبهم ليبيّن أنه أعذر إليهم في الإبلاغ والنصيحة والتحذير مما حل بهم ، فلم يسمعوا قوله ولم يقبلوا نصيحته , ومن كان حالهم كذلك فهم ليسوا مستحقين بأن يأسى الإنسان عليهم ..

والذين أنكروا دلالة الآية على سماعهم الكلام , أجابوا عن هذا الاستدلال ببعض الوجوه الضعيفة أهمها:

الأول : أن في الآية تقديم وتأخير تقديره : ( فتولى عنهم وقال : يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تبحون الناصحين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ) .
وجوابه : أن سياق الآيات يدلّ على انتهاء الكلام الدائر بينه وبين قومه , وهذا لا يكون إلا بهلاكهم
وكذلك ظاهر الآيات وترتيبها يدلّ على هلاكهم , وليس هناك دليل على صرف هذه الآيات عن ظاهرها , إذ إن الآيات رتبت أحداث القصة ببدء سيدنا صالح دعوة قومه إلى توحيد الله -- وتذكيرهم بآلائه , ونهيهم عن أن يمسوا الناقة بسوء , ثم دار النقاش بين الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ وبين الذين اسْتُضْعِفُوا وانتهى بكفر المستكبرين بما جاءهم به نبيهم , فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وطلبوا نزول العذاب , فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ , فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وخاطبهم , فسياق القصة وأحداثها تدل على أنّ الهلاك كان بعد عقرهم الناقة , وهذا ما بينه قوله تعالى : ((فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا )) .
ثم إن الآيات ربطت بحرف "الفاء" الذي يدل على الترتيب والتعقيب بين هلاكهم وخطابه إياهم , وظاهر العطف بالفاء يدل على أن هذا التولي كان بعد هلاكهم ومشاهدة ما جرى عليهم , مما يدل على أن الخطاب كان عقب العذاب ,

الثاني : أنّ سيدنا صالحاً قال ذلك متحزناً ومتفجعاً عليهم , كما يخاطب العاشق الأطلال والديار متفجعاً على من كان فيها ..
فالجواب : أنّه لو كان هدف سيدنا صالح التحزن والتفجع على قومه , لكان الأولى أن يشكو حزنه إلى الله تعالى , أو أن يخاطب الناجين من قومه ممن قد آمن ليُظهر لهم حزنه ..
ومما يدلّ على أن خطاب سيدنا صالح لقومه لم يكن من باب التحزن والتفجع , أنّ سيدنا شعيب قومه بعد هلاكهم كخطاب سيدنا صالح , فقد أخبر القرآن عنه : ((فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ)) , إلا أنه نفى التحزن والأسى عليهم فقال بعدها : ((فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ)) ..

ثم كيف يتفجع نبي من أنبياء الله على من أراد الله إهلاكهم واستحقوا عذابه بحيث جحدوا آياته وكذبوا أنبياءه!, فأعلنوا العداء لله تعالى والحرب على أوليائه؟!
ومعلوم أن الله تعالى نهى النبي –ص- عن الحزن على من قامت عليهم الحجة وتبينت له المحجة إلا أنه عاند ورفض الحق , فقد قال تعالى :
(( وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)) الحجر: 88
وقال تعالى : (( وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)) النحل: 127
وقال تعالى : (( وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)) النمل: 70
وقال تعالى : (( وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ)) آل عمران: 176
وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ)) المائدة: 41
وقال تعالى : (( وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ)) لقمان: 23

فإذا كان الله تعالى قد نهى نبيّه عن الحزن على من قامت عليه الحجة وعاند , فكيف بأعداء الله الذين استحقوا العذاب وهلكوا؟!

أضف إلى ذلك أنّ الأصل في خطاب الغير أن يكون الكلام موجهاً إليهم , والقول بأنّ خطاب الغير لا يراد به تكليمهم مخالف لحقيقة خطابهم , فيجب حمل الكلام على حقيقته , إذ لا يتصور أن يوجه سيدنا صالح الكلام إليهم ثم لا يقصدهم بكلامه ..

وكذلك ليس هناك دليل عقلي يحيل سماعهم كلامه , ولا يوجد هناك دليل نقلي يصرف كلامه معهم إلى عدم إرادتهم بكلامه , فيبقى كلامه معهم على حقيقته , والكلام والخطاب يكون لمن يسمع ..

وصيغة خطابه إياهم تدل على أنّه لم يقصد التحزن فقط , بدليل أنه قال لهم : ((ولكن لا تحبون الناصحين))..
ثم إنّ تحزنه عليهم لا ينفي خطابه إياهم وسماعهم الخطاب ..
وحمل خطاب سيدنا صالح لهلكى قومه على التحزن ولسان الحال كخطاب الأطلال والديار تحزناً وتفجعاً , يعتبر من التحكم الباطل والتفسير بالرأي المذموم إذ لم يدل عليه دليل ..

وهذا النوع من التأويل نابع عن اعتقاد أمر مسبقاً ثم محاولة تفسير الآية لتوافق ذلك المعتقد , ففيه لي لأعناق النصوص بناء على موقف مسبق ..

الثالث : أن سيدنا صالحاً أراد أن ِيَعْتَبرَ بذلكَ مَن بقي معهُ من المؤمنينَ , وذلك بأن يسمعوه فيعتبروا وينزجروا.
والجواب : أنّ الذين بقوا معه سيدنا صالح هم المؤمنون الناجون من العذاب , فمثل هؤلاء لا حاجة في قصدهم بالخطاب لأنهم مستجيبون مذعنون أصلاً , فيكون قصدهم بالخطاب عبثاً .
وقد قال سيدنا صالح في خطابه لقومه : ((وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)) , وهذا يبيّن عدم إرادة المؤمنين بالخطاب , إذ لا فائدة من خطابهم بهذا بعدما انصاعوا لدعوة نبيهم .

(36) - وقد أخبر القرآن الكريم عن قصة سيدنا شعيب , فقد جاء في الآيات: (( وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (*) وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (*) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (*) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (*) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (*))

وهذه الآيات أوضح دلالة في توجيه سيدنا شعيب الكلامَ إلى قومه , وأن خطابه إياهم على الحقيقة لا على سبيل التحزن والأسى , فقد قال : ((فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ)) ..

قال ابن كثير في تفسيره :
( فلا أسفة عليكم وقد كفرتم بما جئتم به، ولهذا قال: { فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ })


رابع عشر :
ملاقاة الْأَرْوَاح للْمَيت إِذا خرجت روحه واجتماعهم به وسؤالهم لَهُ


قال ابن تيمية مجموع الفتاوى " ( 24 / 368 ) :

وأما قوله " هل تجتمع روحه مع أرواح أهله وأقاربه ؟ " : ففي الحديث عن أبى أيوب الأنصاري وغيره من السلف ورواه أبو حاتم فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم :

(37) - ( أن الميت إذا عرج بروحه تلقته الأرواح يسألونه عن الأحياء فيقول بعضهم لبعض : دعوه حتى يستريح ، فيقولون له : ما فعل فلان ؟ فيقول : عمِل عمَل صلاح ، فيقولون : ما فعل فلان ؟ فيقول : ألم يقدم عليكم ؟ فيقولون : لا ، فيقولون : ذُهب به إلى الهاوية ) .
ولما كانت أعمال الأحياء تُعرض على الموتى : كان أبو الدرداء يقول : " اللهم إنى أعوذ بك أن أعمل عملا أخزى به عند عبد الله بن رواحة " ، فهذا اجتماعهم عند قدومه يسألونه فيجيبهم .

وأما استقرارهم فبحسب منازلهم عند الله ، فمَن كان من المقرَّبين : كانت منزلته أعلى مِن منزلة مَن كان مِن أصحاب اليمين ، لكن الأعلى ينزل إلى الأسفل والأسفل لا يصعد إلى الاعلى ، فيجتمعون إذا شاء الله كما يجتمعون فى الدنيا ، مع تفاوت منازلهم ويتزاورون .
وسواء كانت المدافن متباعدة في الدنيا أو متقاربة ، قد تجتمع الأرواح مع تباعد المدافن ، وقد تفترق مع تقارب المدافن ، يدفن المؤمن عند الكافر ، وروح هذا في الجنة ، وروح هذا في النار ، والرجلان يكونان جالسيْن أو نائميْن في موضعٍ واحدٍ وقلبُ هذا ينعَّم ، وقلب هذا يعذَّب ، وليس بين الروحيْن اتصال ، فالأرواح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف " رواه مسلم )

(38) - أخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن نفس الْمُؤمن إِذا قبضت تلقاها أهل الرَّحْمَة من عباد الله كَمَا يلقون البشير من أهل الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ أنظروا صَاحبكُم يستريح فَإِنَّهُ كَانَ فِي كرب شَدِيد ثمَّ يسألونه مَا فعل فلَان وفلانة هَل تزوجت فَإِذا سَأَلُوهُ عَن الرجل الَّذِي قد مَاتَ قبله فَيَقُول قد مَاتَ ذَلِك قبلي فَيَقُولُونَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست الْأُم وبئست المربية وَقَالَ إِن أَعمالكُم ترد على أقاربكم وعشائركم من أهل الْآخِرَة فَإِن كَانَ خيرا فرحوا وَاسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا اللَّهُمَّ هَذَا فضلك ورحمتك فَأَتمَّ نِعْمَتك عَلَيْهِ وَأمته عَلَيْهَا ويعرض عَلَيْهِم عمل الْمُسِيء فَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ ألهمه عملا صَالحا ترْضى بِهِ وتقربه إِلَيْك .

(39) - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن أبي لَبِيبَة قَالَ لما مَاتَ بشر بن الْبَراء بن معْرور وجدت عَلَيْهِ أمه وجدا شَدِيدا فَقَالَت يَا رَسُول الله لَا يزَال الْهَالِك يهْلك من بني سَلمَة فَهَل تتعارف الْمَوْتَى فَأرْسل إِلَى بشر بِالسَّلَامِ قَالَ نعم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهُم ليتعارفون كَمَا يتعارف الطير فِي رُؤُوس الشّجر وَكَانَ لَا يهْلك هَالك من بني سَلمَة إِلَّا جَاءَتْهُ أم بشر فَقَالَت يَا فلَان عَلَيْك السَّلَام فَيَقُول وَعَلَيْك فَتَقول إقرأ على بشر السَّلَام .

(40) - وَأخرج إِبْنِ مَاجَه عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ دخلت على جَابر بن عبد الله وَهُوَ يَمُوت فَقلت إقرأ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مني السَّلَام .

(41) - وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ الْجنَّة مطوية معلقَة بقرون الشَّمْس تنشر فِي كل عَام مرّة وأرواح الْمُؤمنِينَ فِي جَوف طير كالزرازير يَتَعَارَفُونَ وَيُرْزَقُونَ من ثَمَر الْجنَّة .

(42) - وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن روحي الْمُؤمنِينَ ليلتقيان على مسيرَة يَوْم وَمَا رأى أَحدهمَا صَاحبه قطّ .

(43) - وَأخرج الْبَزَّار بِسَنَد صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه إِن الْمُؤمن ينزل بِهِ الْمَوْت ويعاين مَا يعاين يود لَو خرجت نَفسه وَالله يحب لقاءه وَإِن الْمُؤمن تصعد روحه إِلَى السَّمَاء فَتَأْتِيه أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فيستخبرونه عَن معارفه من أهل الدُّنْيَا فَإِذا قَالَ تركت فلَانا فِي الدُّنْيَا أعجبهم ذَلِك وَإِذا قَالَ إِن فلَانا قد مَاتَ قَالُوا مَا جِيءَ بِهِ إِلَيْنَا .

(44) - وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس فِي تَفْسِيره حَدثنَا الْمُبَارك بن فضَالة عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَاتَ العَبْد تلقى روحه أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فَيَقُولُونَ لَهُ مَا فعل فلَان فَإِذا قَالَ مَاتَ قبلي قَالُوا ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست الْأُم وبئست المربية .

(45) - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن سعيد بن جُبَير قَالَ إِذا مَاتَ الْمَيِّت إستقبله وَلَده كَمَا يسْتَقْبل الْغَائِب .

(46) - وَأخرج عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ بلغنَا أَن الْمَيِّت إِذا مَاتَ إحتوشه أَهله وأقاربه الَّذين قد تقدموه من الْمَوْتَى فَلَهو أفرح بهم وَلَهُم أفرح بِهِ من الْمُسَافِر إِذا قدم إِلَى أَهله .

(47) - وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة فِي المُصَنّف وإبن أبي الدُّنْيَا عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ إِن أهل الْقُبُور ليستوكفون الْمَيِّت كَمَا يتلَقَّى الرَّاكِب يسألونه فَإِذا سَأَلُوهُ مَا فعل فلَان مِمَّن قد مَاتَ فَيَقُول ألم يأتكم فَيَقُولُونَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون سلك بِهِ غير طريقنا ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية .
قَالَ فِي الصِّحَاح : ( التوكف التوقع يُقَال مَا زلت أتوكفه حَتَّى لَقيته) .

(48) - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن صَالح المري قَالَ بَلغنِي أَن الْأَرْوَاح تتلاقى عِنْد الْمَوْت فَتَقول أَرْوَاح الْمَوْتَى للروح الَّتِي تخرج إِلَيْهِم كَيفَ كَانَ مَا وَرَاءَك وَفِي أَي الجسدين كنت فِي طيب أم فِي خَبِيث .

(49) - وَأخرج عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ إِذا مَاتَ الْمَيِّت تَلَقَّتْهُ الْأَرْوَاح يستخبرونه كَمَا يستخبر الرَّاكِب مَا فعل فلَان وَفُلَان .

(50) - وَذكر الثَّعْلَبِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مثل ذَلِك وَفِي آخِره حَتَّى إِنَّهُم ليسألونه عَن هرة الْبَيْت قَالَ الْقُرْطُبِيّ قد قيل فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَرْوَاح جنود مجندة فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف إِنَّه هَذَا التلاقي وَقيل تلاقي أَرْوَاح النيام والموتى .

(51) - وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وإبن أبي الدُّنْيَا عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ لَو أَنِّي آيس من لقيا من مَاتَ من أَهلِي لألفاني قد مت كمدا .

(52) - وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر من طَرِيق أبي جَعْفَر أَحْمد بن سعيد الدَّارمِيّ قَالَ سَمِعت السّديّ قَالَ سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن مهْدي يَقُول لما اشْتَدَّ بسفيان الْمَرَض جزع جزعا شَدِيدا فَدخل عَلَيْهِ مَرْحُوم بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله مَا هَذَا الْجزع تقدم على رب عبدته سِتِّينَ سنة صمت لَهُ صليت لَهُ حججْت لَهُ أرأيتك لَو كَانَ لَك عِنْد رجل يَد أَلَيْسَ كنت تحب أَن تَلقاهُ حَتَّى يكافئك قَالَ فَسرِّي عَنهُ قَالَ أَبُو جَعْفَر حدث بِهَذَا السَّنَد وَنحن مَعَ أبي نعيم فَقَالَ أَبُو نعيم لما اشْتَدَّ بالْحسنِ بن عَليّ بن أبي طَالب وَجَعه جزع فَدخل عَلَيْهِ رجل فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد مَا هَذَا الْجزع مَا هُوَ إِلَّا أَن تفارق روحك جسدك فَتقدم على أَبَوَيْك عَليّ وَفَاطِمَة وعَلى جديك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخَدِيجَة وعَلى عميك حَمْزَة وجعفر وعَلى أخوالك الْقَاسِم وَالطّيب والطاهر وَإِبْرَاهِيم وعَلى خَالَاتك رقية وَأم كُلْثُوم وَزَيْنَب قَالَ فَسرِّي عَنهُ .

(53) - وَأخرج أَبُو نعيم عَن اللَّيْث بن سعد قَالَ أستشهد رجل من أهل الشَّام وَكَانَ يَأْتِي إِلَى أَبِيه كل لَيْلَة جُمُعَة فِي الْمَنَام فيحدثه ويستأنس بِهِ فَغَاب عَنهُ جُمُعَة ثمَّ جَاءَ فِي الْجُمُعَة الْأُخْرَى فَقَالَ يَا بني لقد أحزنتني وشق عَليّ تخلفك فَقَالَ إِنَّمَا شغلني عَنْك أَن الشُّهَدَاء أمروا أَن يتلقوا عمر بن عبد الْعَزِيز فتلقيناه وَذَلِكَ عِنْد موت عمر بن عبد الْعَزِيز.

(54) - وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه قَالَ خليلان مُؤْمِنَانِ وخليلان كَافِرَانِ مَاتَ أحد الْمُؤمنِينَ فبشر بِالْجنَّةِ فَذكر خَلِيله فَقَالَ اللَّهُمَّ إِن خليلي فلَانا كَانَ يَأْمُرنِي بطاعتك وَطَاعَة رَسُولك ويأمرني بِالْخَيرِ وينهاني عَن الشَّرّ وينبئني أَنِّي ملاقيك اللَّهُمَّ فَلَا تضله بعدِي حَتَّى تريه كَمَا أريتني وترضى عَنهُ كَمَا رضيت عني ثمَّ يَمُوت الآخر فَيجمع بَين أرواحهما فَيُقَال ليثنين كل وَاحِد مِنْكُمَا على صَاحبه فَيَقُول كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه نعم الْأَخ وَنعم الصاحب وَنعم الْخَلِيل وَإِذا مَاتَ أحد الْكَافرين بشر بالنَّار فيذكر خَلِيله فَيَقُول اللَّهُمَّ إِن خليلي يَأْمُرنِي بمعصيتك ومعصية رَسُولك ويأمرني بِالشَّرِّ وينهاني عَن الْخَيْر وينبئني أَنِّي غير ملاقيك اللَّهُمَّ فَلَا تهده بعدِي حَتَّى تريه كَمَا أريتني وتسخط عَلَيْهِ كَمَا سخطت عَليّ ثمَّ يَمُوت الآخر فَيجمع بَين أرواحهما فَيُقَال ليثن كل وَاحِد مِنْكُمَا على صَاحبه فَيَقُول كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه بئس الْأَخ وَبئسَ الصاحب .

(55) - وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن خالدة بنت عبد الله بن أنيس قَالَت جَاءَت أم الْبَنِينَ بنت أبي قَتَادَة بعد موت أَبِيهَا بِنصْف شهر إِلَى عبد الله بن أنيس وَهُوَ مَرِيض فَقَالَت يَا عَم أقرىء أبي السَّلَام . (شرح الصدور : بَاب ملاقاة الْأَرْوَاح للْمَيت إِذا خرجت روحه) .

يتبع ............خامس عشر :
السلام على الميّت , ورده السلام

(56) - وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى الْمقْبرَة فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون .

(57) - وَأخرج النَّسَائِيّ وإبن مَاجَه عَن بُرَيْدَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمهُمْ إِذا خَرجُوا إِلَى الْمَقَابِر السَّلَام عَلَيْكُم أهل الديار من الْمُسلمين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون أَنْتُم لنا فرط وَنحن لكم تبع أسأَل الله لنا وَلكم الْعَافِيَة.

(58) - وَأخرج مُسلم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَيفَ أَقُول لَهُم يَا رَسُول الله قَالَ قولي السَّلَام على أهل الديار من الْمُسلمين وَيرْحَم الله الْمُسْتَقْدِمِينَ منا والمستأخرين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون.

(59) - وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن إِبْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقبور الْمَدِينَة فَأقبل عَلَيْهِم بِوَجْهِهِ فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْقُبُور يغْفر الله لنا وَلكم وَأَنْتُم سلفنا وَنحن بالأثر.

(60) - وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه دنا من الْقُبُور فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الديار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين أَنْتُم لنا سلف فارط وَنحن لكم تبع عَمَّا قَلِيل لَاحق اللَّهُمَّ إغفر لنا وَلَهُم وَتجَاوز بعفوك عَنَّا وعنهم.

(61) - وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة عَن سعد بن أبي وَقاص أَنه كَانَ يرجع من ضيعته فيمر بقبور الشُّهَدَاء فَيَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون ثمَّ يَقُول لأَصْحَابه أَلا تسلمون على الشُّهَدَاء فيردوا عَلَيْكُم.

(62) - وَأخرج إِبْنِ عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ لَا يمر بلَيْل وَلَا نَهَار بِقَبْر إِلَّا سلم عَلَيْهِ.

(63) - وَأخرج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ إِذا مَرَرْت بالقبور وَقد كنت تعرفهم فَقل السَّلَام عَلَيْكُم أَصْحَاب الْقُبُور وَإِذا مَرَرْت بالقبور لَا تعرفهم فَقل السَّلَام على الْمُسلمين . (شرح الصدور , بَاب زِيَارَة الْقُبُور وَعلم الْمَوْتَى بزوارهم ورؤيتهم لَهُم)

(64) - وروى ابن عبد البر في " الاستذكار " و " التمهيد " ، من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام " صححه أبو محمد عبد الحق , وأقره ابن عبد البر .
قال الإمام العيني في عمدة القاري (8/69) : (وعند ابن عبد البر بسند صحيح) وذكره .

قال ابن القيم في كتاب الروح :

( ويكفي في هذا تسمية المسلم عليهم زائرًا، ولولا أنهم يشعرون به لما صحّ تسميته زائرًا، فإن المزور إن لم يعلم بزيارة من زاره، لم يصح أن يقال: زاره، وهذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأُمم، وكذلك السلام عليهم أيضًا، فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال، وقد علّم النبيّ صلى الله عليه وسلم أُمته إذا زاروا القبور أن يقولوا: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء اللَّه بكم لاحقون، يرحم اللَّه المستقدمين منّا ومنكم والمستأخرين، نسأل اللَّه لنا ولكم العافية" ، وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع، ويخاطب، ويعقل، ويردّ، وإن لم يسمع المسلم الردّ ) .

(65) - وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن إِبْنِ عمر قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قبر مُصعب بن عُمَيْر حِين رَجَعَ من أحد فَوقف عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه فَقَالَ أشهد أَنكُمْ أَحيَاء عِنْد الله فزوروهم وسلموا عَلَيْهِم فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يسلم عَلَيْهِم أحد إِلَّا ردوا عَلَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة .

(66) - وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه وقف على قبر مُصعب بن عُمَيْر حِين رَجَعَ من أحد فَوقف عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه فَقَالَ أشهد أَنكُمْ أَحيَاء عِنْد الله فزوروهم وسلموا عَلَيْهِم فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يسلم عَلَيْهِم أحد إِلَّا ردوا عَلَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة .

(67) - وَأخرج الْعقيلِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ أَبُو رزين يَا رَسُول الله إِن طريقي على الْمَوْتَى فَهَل من كَلَام أَتكَلّم بِهِ إِذا مَرَرْت عَلَيْهِم قَالَ قل السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْقُبُور من الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ أَنْتُم لنا سلف وَنحن لكم تبع وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون قَالَ أَبُو رزين يَا رَسُول الله يسمعُونَ قَالَ يسمعُونَ وَلَكِن لَا يستطيون أَن يجيبوا قَالَ يَا أَبَا رزين أَلا ترْضى أَن يرد عَلَيْك بعددهم من الْمَلَائِكَة .

تنبيه :

- قال الإمام السيوطي في شرح الصدور  قَوْله "لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يجيبوا" أَي جَوَابا يسمعهُ الْجِنّ وَالْإِنْس , فهم يردون حَيْثُ لَا يسمع) .

- وقال الألوسي في روح المعاني (21/50) : ( يسمعون السلام ولا يستطيعون رده : محمول على نفي استطاعة الرد على الوجه المعهود الذي يسمعه الأحياء ) .

وقال القرطبي في التذكرة بعد سوقه بعض الأحاديث السابقة (ص144) :
(فصل: هذه الأحاديث تشتمل على فقه عظيم وهو جواز زيارة القبور للرجال والنساء والسلام عليها , ورد الميت السلام على من يسلم عليه ) .

وقال ابن كثير في التفسير : ( والسلام على من لم شعر ويعلم بالمسلم محال ) .

وقال ابن تيمية في اقتضاء الصراط : (سماع الميت للأصوات من السلام والقراءة حق ) .

وقال في مجموع الفتاوى (24/379) : ( وأما سؤال السائل : هل يتكلم الميت في قبره؟ فجوابه أنه يتكلم...)

وقال القاري في المرقاة : (فإن سائر الأموات أيضا يسمعون السلام والكلام ) .

وقال الصنعاني في سبل السلام : ( وفيه أنهم يعلمون بالمار بهم وسلامه عليهم وإلا لكان إضاعة ) .

وقال العثماني في فتح الملهم : (إشارة إلى أنهم يعرفون الزائر ويدركون كلامه وسلامه) .

وقال النووي في شرح مسلم : (قَالَ الْمَازِرِيّ : قَالَ بَعْض النَّاس : الْمَيِّت يَسْمَع عَمَلًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث ، ثُمَّ أَنْكَرَهُ الْمَازِرِيّ وَادَّعَى أَنَّ هَذَا خَاصّ فِي هَؤُلَاءِ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاض وَقَالَ : يُحْمَل سَمَاعهمْ عَلَى مَا يُحْمَل عَلَيْهِ سَمَاع الْمَوْتَى فِي أَحَادِيث عَذَاب الْقَبْر وَفِتْنَته ، الَّتِي لَا مَدْفَع لَهَا ، وَذَلِكَ بِإِحْيَائِهِمْ أَوْ إِحْيَاء جُزْء مِنْهُمْ يَعْقِلُونَ بِهِ وَيَسْمَعُونَ فِي الْوَقْت الَّذِي يُرِيد اللَّه ، هَذَا كَلَام الْقَاضِي ، وَهُوَ الظَّاهِر الْمُخْتَار الَّذِي يَقْتَضِيه أَحَادِيث السَّلَام عَلَى الْقُبُور . وَاَللَّه أَعْلَم )


سادس عشر :
إجماع السلف وتواتر آثارهم على استئناس الميّت بزيارة الحي وردّ السلام عليه


قال ابن القيم في كتاب الروح :

( وَقد شرع النَّبِي لأمته إِذا سلمُوا على أهل الْقُبُور أَن يسلمُوا عَلَيْهِم سَلام من يخاطبونه فَيَقُول السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين , وَهَذَا خطاب لمن يسمع وَيعْقل , وَلَوْلَا ذَلِك لَكَانَ هَذَا الْخطاب بِمَنْزِلَة خطاب الْمَعْدُوم والجماد , وَالسَّلَف مجمعون على هَذَا , وَقد تَوَاتَرَتْ الْآثَار عَنْهُم بِأَن الْمَيِّت يعرف زِيَارَة الْحَيّ لَهُ ويستبشر بِهِ )

وقال ابن كثير في التفسير (3/439) :

(وقد تواترت الآثار عنهم –أي السلف- بأن الميت يعرف بزيارة الحي له ويستبشر ) .

وقال السيوطي في الحاوي للفتاوي :

( مَسْأَلَةٌ: هَلْ يَعْلَمُ الْأَمْوَاتُ بِزِيَارَةِ الْأَحْيَاءِ وَبِمَا هُمْ فِيهِ؟ز
وَهَلْ يَسْمَعُ الْمَيِّتُ كَلَامَ النَّاسِ وَمَا يُقَالُ فِيهِ؟ وَأَيْنَ مَقَرُّ الْأَرْوَاحِ؟ وَهَلْ تَجْتَمِعُ وَيَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟ وَهَلْ يُسْأَلُ الشَّهِيدُ وَالطِّفْلُ؟
الْجَوَابُ: هَذِهِ مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ قَلَّ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا بِمَا يَشْفِي، وَأَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَتَتَبَّعُ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ.
أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى، فَنَعَمْ يَعْلَمُونَ بِذَلِكَ ....
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ عِلْمُ الْأَمْوَاتِ بِأَحْوَالِ الْأَحْيَاءِ وَبِمَا هُمْ فِيهِ، فَنَعَمْ أَيْضًا...
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ هَلْ يَسْمَعُ الْمَيِّتُ كَلَامَ النَّاسِ وَثَنَاءَهُمْ عَلَيْهِ وَقَوْلَهُمْ فِيهِ، فَنَعَمْ أَيْضًا....
وأما المسألة الخامسة وهي هل تجتمع الأرواح ويرى بعضهم بعضا؟ فنعم أيضا ..)

ثم ساق جملة من الأحاديث والأخبار منها :

(68) - رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي " كِتَابِ الْقُبُورِ " مِنْ حَدِيثِ عائشة قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَا مِنْ رَجُلٍ يَزُورُ قَبْرَ أَخِيهِ وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ إِلَّا اسْتَأْنَسَ بِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ» ".

(69) - وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي " كِتَابِ الْقُبُورِ "، عَنْ محمد بن قدامة الجوهري، عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى الْقَزَّازِ ، عَنْ هشام بن سعد، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرٍ يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَعَرَفَهُ، وَإِذَا مَرَّ بِقَبْرٍ لَا يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ.

(70) - وَرَوَى فِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ بِزُوَّارِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ. وَعَنِ الضحاك قَالَ: مَنْ زَارَ قَبْرًا يَوْمَ السَّبْتِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلِمَ الْمَيِّتُ بِزِيَارَتِهِ، قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِمَكَانِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. (الحاوي للفتاوي للسيوطي , ص576 , دار الكتاب العربي) .


سابع عشر :
معرفة الأموات بأعمال الأحياء


( وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ عِلْمُ الْأَمْوَاتِ بِأَحْوَالِ الْأَحْيَاءِ وَبِمَا هُمْ فِيهِ، فَنَعَمْ أَيْضًا...
(71) - رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: ثَنَا عبد الرزاق، عَنْ سفيان، عَمَّنْ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقَارِبِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ مِنَ الْأَمْوَاتِ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُمْ حَتَّى تَهْدِيَهُمْ كَمَا هَدَيْتَنَا» ".

(72) - وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا الصلت بن دينار، عَنِ الحسن، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى عَشَائِرِكُمْ وَعَلَى أَقْرِبَائِكُمْ فِي قُبُورِهِمْ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا: اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِطَاعَتِكَ» ".

(73) - وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي " نَوَادِرِ الْأُصُولِ "، مِنْ حَدِيثِ عبد الغفور بن عبد العزيز، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ عَلَى اللَّهِ، وَتُعْرَضُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَيَفْرَحُونَ بِحَسَنَاتِهِمْ وَتَزْدَادُ وُجُوهُهُمْ بَيَاضًا وَإِشْرَاقًا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُؤْذُوا أَمْوَاتَكُمْ» .

(74) - وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْمَنَامَاتِ، ثَنَا القاسم بن هاشم ومحمد بن رزق الله قَالَا: ثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ، ثَنَا أبو إسماعيل السلولي: سَمِعْتُ مالك بن الداء: يَقُولُ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهَ اللَّهَ فِي إِخْوَانِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ، فَإِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ» .
وَأخرجه الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وإبن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المنامات وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان .

(75) - وَقَالَ: ثَنَا عبد الله بن شبيب، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ الْحِزَامِيُّ، ثَنَا فليح بن إسماعيل، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أبي صالح وَالْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَفْضَحُوا مَوْتَاكُمْ بِسَيِّئَاتِ أَعْمَالِكُمْ، فَإِنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى أَوْلِيَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ» .

(76) - وَقَالَ: ثَنَا الحسن بن عبد العزيز، نَبَّأَ عمر بن أبي سلمة، عَنْ سعيد بن عبد العزيز، عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ يَمْقُتَنِي خَالِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إِذَا لَقِيتُهُ.
وَقَالَ: ثَنَا أبو هشام، ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ عبد الوهاب بن مجاهد، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِنَّهُ لَيُبَشَّرُ بِصَلَاحِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ لِتَقَرَّ بِذَلِكَ عَيْنُهُ ) (الحاوي للفتاوي , ص577)

(77) - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن مُجَاهِد قَالَ إِن الرجل ليبشر بصلاح وَلَده فِي قَبره . (شرح الصدور , بَاب أَحْوَال الْمَوْتَى فِي قُبُورهم وأنسهم فِيهَا...) .

وقال القرطبي في التذكرة :

( (78) - قال ابن المبارك: وأخبرنا صفوان بن عمرو، قال: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير أن أبا الدرداء كان يقول: إن أعمالكم تعرض على موتاكم فيسرون ويساؤون قال: يقول أبو الدرداء: اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملاً يخزى به عبد الله بن رواحة.
وفي رواية : اللهم إني أعوذ بك من عمل يخزيني عند عبد الله بن رواحة .

(79) - أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلي الثقفي قال: أخبرني عثمان بن عبد الله بن أوس أن سعيد بن جبير قال له: أستأذن لي على ابنة أخي، وهي زوجة عثمان وهي ابنة عمرو بن أوس، فاستأذنت له فدخل عليها ثم قال: كيف يفعل بك زوجك؟ قالت: إنه إلي لمحسن فيما استطاع.
فالتفت إلي ثم قال: يا عثمان أحسن إليها فإنك لا تصنع بها شيئاً إلا جاء عمرو بن أوس فقلت: وهل تأتي الأموات أخبار الأحياء؟ قال: نعم ما من أحد له حميم إلا ويأتيه أخبار أقاربه فإن كان خيراً سر به وفرح وهنئ به وإن كان شراً ابتأس وحزن به حتى إنهم ليسألون عن الرجل قد مات فيقال: أو لم يأتكم؟ فيقولون: لا، خولف به إلى أمه الهاوية ...
فصل: هذه الأخبار وإن كانت موقوفة فمثلها لا يقال من جهة الرأي ). (التذكرة للقرطبي , ص50-51 , مكتبة الرحاب)

وقال ابن القيم في الروح ص27:

(وهذا باب طويل جدا، فإن لم تسمح نفسُك بتصديقه وقلتَ هذه منامات وهي غير معصومة , فتأمّلْ من رأى صاحبا له أو قريبا أو غيره فأخبره بأمر لا يعلمه إلا صاحب الرؤيا , أو أخبره بمال دفنه أو حذّره من أمر يقع أو بشّره بأمر يوجد فوقع كما قال ، أو أخبره بأنه يموت هو أو بعض أهله إلى كذا وكذا فيقع كما أخبر، أو أخبره بخصب أو جدب أو عدوّ أو نازلة أو مرض أو بغرض له فوقع كما أخبره، والواقع من ذلك لا يحصيه إلا الله ، والناس مشتركون فيه , وقد رأينا نحن وغيرنا من ذاك عجائب!! ) .ثامن عشر :
تزاور أرواح الموتى


قال ابن القيم في الروح :
( الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وهى أَن ارواح الْمَوْتَى هَل تتلاقي وتتزاور وتتذاكر أم لَا؟
وَهِي أَيْضا مَسْأَلَة شريفة كَبِيرَة الْقدر وجوابها أَن الْأَرْوَاح قِسْمَانِ أَرْوَاح معذبة وأرواح منعمة فالمعذبة فِي شغل بِمَا هى فِيهِ من الْعَذَاب عَن التزاور والتلاقي , والأرواح المنعمة الْمُرْسلَة غير المحبوسة تتلاقي وتتزاور وتتذاكر مَا كَانَ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا وَمَا يكون من أهل الدُّنْيَا فَتكون كل روح مَعَ رفيقها الَّذِي هُوَ على مثل عَملهَا وروح نَبينَا مُحَمَّد فِي الرفيق الْأَعْلَى قَالَ الله تَعَالَى {وَمن يطع الله وَالرَّسُول فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} وَهَذِه الْمَعِيَّة ثَابِتَة فِي الدُّنْيَا وَفِي الدَّار البرزخ وَفِي دَار الْجَزَاء والمرء مَعَ من أحب فِي هَذِه الدّور الثَّلَاثَة
وروى جرير عَن مَنْصُور عَن أبي الضحي عَن مَسْرُوق قَالَ قَالَ أَصْحَاب مُحَمَّد مَا يَنْبَغِي لنا أَن نُفَارِقك فِي الدُّنْيَا فَإِذا مت رفعت فَوْقنَا فَلم نرك فَأنْزل الله تَعَالَى {وَمن يطع الله وَالرَّسُول فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا}
وَقَالَ الشّعبِيّ جَاءَ رجل من الْأَنْصَار وَهُوَ يبكي إِلَى النَّبِي فَقَالَ مَا يبكيك يَا فلَان فَقَالَ يَا نَبِي الله وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لأَنْت أحب إِلَى من أهلى ومالى وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لأَنْت أحب إِلَى من نفسى وَأَنا أذكرك أَنا وأهلى فيأخذني كَذَا حَتَّى أَرَاك فَذكرت موتك وموتى فَعرفت أَنِّي ان أجامعك إِلَّا فِي الدُّنْيَا وَإنَّك ترفع بَين النَّبِيين وَعرفت اني إِن دخلت الْجنَّة كنت فِي منزل أدني من مَنْزِلك فَلم يرد النَّبِي شَيْئا فَأنْزل الله تَعَالَى وَمن يطع الله وَرَسُول فألئك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين والصديقيين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ إِلَى قَوْله {وَكفى بِاللَّه عليما} وَقَالَ تَعَالَى {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي} اى أدخلى جُمْلَتهمْ وكونى مَعَهم وَهَذَا يُقَال للروح عِنْد الْمَوْت
وَفِي قصَّة الاسراء من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود قَالَ لما اسرى النَّبِي لَقِي إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فتذكروا السَّاعَة فبدأوا بإبراهيم فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَلم يكن عِنْده مِنْهَا علم ثمَّ بمُوسَى فَلم يكن عِنْده مِنْهَا علم حَتَّى أَجمعُوا الحَدِيث الى عِيسَى فَقَالَ عِيسَى عهد الله الى فيمادون وجبتها فَذكر خُرُوج الدَّجَّال قَالَ فأهبط فَأَقْتُلهُ وَيرجع النَّاس إِلَى بِلَادهمْ فتستقبلهم يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهم من كل حدب يَنْسلونَ فَلَا يَمرونَ بِمَاء إِلَّا شربوه وَلَا يَمرونَ بِشَيْء الا أفسدوه فيجأرون إِلَى فأدعو الله فيميتهم فتجأر الأَرْض الى الله من ريحهم ويجأرون الى فادعو وَيُرْسل الله السَّمَاء بِالْمَاءِ فَيحمل أجسامهم فيقذفها فِي الْبَحْر ثمَّ ينسف الْجبَال ويمد الأَرْض مد الْأَدِيم فعهد الله الى اذا كَانَ كَذَلِك فَإِن السَّاعَة من النَّاس كالحامل المتم لَا يدرى أَهلهَا مَتى تفجؤهم بولادتها لَيْلًا أَو نَهَارا ذكره الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا .
وَهَذَا نَص فِي تَذَاكر الْأَرْوَاح الْعلم .
وَقد أخبرنَا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَن الشُّهَدَاء بِأَنَّهُم أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ وَأَنَّهُمْ يستبشرون بالذين لم يلْحقُوا بهم من خَلفهم وَإِنَّهُم يستبشرون بِنِعْمَة من الله وَفضل وَهَذَا يدل على تلاقيهم من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنهم عِنْد رَبهم يرْزقُونَ وَإِذا كَانُوا أَحيَاء فهم يتلاقون الثَّانِي أَنهم إِنَّمَا اسْتَبْشَرُوا باخوانهم لقدومهم ولقائهم لَهُم الثَّالِث ان لفظ يستبشرون يُفِيد فِي اللُّغَة أَنهم يبشر بَعضهم بَعْضًا مثل يتباشرون
وَقد تَوَاتَرَتْ المرائى بذلك , فَمِنْهَا مَا ذكره صَالح بن بشير قَالَ رَأَيْت عَطاء السلمى فِي النّوم بعد مَوته فَقلت لَهُ يَرْحَمك الله لقد كنت طَوِيل الْحزن فِي الدُّنْيَا فَقَالَ أما وَالله لقد أعقبني ذَلِك فَرحا طَويلا وسرورا دَائِما فَقلت فِي أى الدَّرَجَات أَنْت قَالَ مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ ..الخ ) . (الروح لابن القيم , ص17-18 , دار الكتب العلمية)

ثم ساق جملة من أقوال السلف ومرائيهم في ذلك .

(80) - وَأخرج الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده والوائلي فِي الْإِبَانَة والعقيلي عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحْسنُوا أكفان مَوْتَاكُم فَإِنَّهُم يتباهون ويتزاورون فِي قُبُورهم.

(81) - وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن إِبْنِ سِيرِين قَالَ كَانَ يحب حسن الْكَفَن وَيُقَال إِنَّهُم يتزاورون فِي أكفانهم .

(82) - وَأخرج إِبْنِ عدي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حسنوا أكفان مَوْتَاكُم فَإِنَّهُم يتزاورون فِي قُبُورهم.

(83) - وَأخرج الْعقيلِيّ والخطيب فِي التَّارِيخ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ولي أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه فَإِنَّهُم يتزاورون فِي أكفانهم.

(84) - وَأخرج التِّرْمِذِيّ وإبن مَاجَه وَمُحَمّد بن يحيى الْهَمدَانِي فِي صَحِيحه وإبن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي قَتَادَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ولي أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه فَإِنَّهُم يتزاورون فِي قُبُورهم.

(85) - وَأخرج السلَفِي فِي المشيخة البغدادية عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ كَانُوا يستحبون أَن يكون الْكَفَن ملفوفا مزرورا وَقَالَ إِنَّهُم يتزاورون فِي قُبُورهم.

(86) - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن الشّعبِيّ قَالَ إِن الْمَيِّت إِذا وضع لحده أَتَاهُ أَهله وَولده فيسألهم عَمَّن خلف بعده كَيفَ فعل فلَان وَمَا فعل فلَان . (شرح الصدور , بَاب أَحْوَال الْمَوْتَى فِي قُبُورهم وأنسهم فِيهَا..)


تاسع عشر :
إحساس الميت بالزائر و علمه بمن يموت


جاء في فتاوى ابن تيمية :
( مسألة في الأحياء إذا زاروا الأموات هل يعلم الأموات بزيارتهم؟! ، وهل يعلمون بالميت إذا مات من أقاربهم أو غيره أم لا ؟
الجواب : نعم ، قد جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات...)

ثم ذكر بعض الآثار الدالة على ما قال ..

(87) - وَأخرج مُسلم عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه قَالَ فِي مرض مَوته إِذا دفنتموني فَشُنُّوا عَليّ التُّرَاب شنا وَأقِيمُوا عِنْد قَبْرِي قدر مَا تنحر جزور وَيقسم لَحمهَا آنس بكم وَأنْظر مَاذَا أراجع بِهِ رسل رَبِّي .

قال الشيخ محمد الإمين الشنقيطي في أضواء البيان :
( ومعلوم أن هذا الحديث له حكم الرفع، لأن استئناس المقبور بوجود الأحياء عند قبره لا مجال للرأي فيه ) .

وجاء في "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (1/ 366) :
( ومعرفة الميت زائره، ليس مختصا به -صلى الله عليه وسلم-) .


عشرين :
تواطؤ رؤى المؤمنين على إدراك الميّت , وهو كتواطؤ روايتهم له


ذكر ابن القيم مجموعة من رؤى الصالحين تدل على سماع الميّت وإدراكه , ثم قال :
( وَهَذِه المرائى وَإِن لم تصح بمجردها لإثبات مثل ذَلِك فهى على كثرتها وَأَنَّهَا لَا يحصيها إِلَّا الله قد تواطأت على هَذَا الْمَعْنى وَقد قَالَ النَّبِي : (أرى رُؤْيا رؤياكم قد تواطأت على أَنَّهَا فِي الْعشْر الْأَوَاخِر) يَعْنِي لَيْلَة الْقدر , فَإِذا تواطأت رُؤْيا الْمُؤمنِينَ على شَيْء كَانَ كتواطؤ روايتهم لَهُ , وكتواطؤ رَأْيهمْ على استحسانه واستقباحه وَمَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن وَمَا رَأَوْهُ قبيحا فَهُوَ عِنْد الله قَبِيح على أَنا لم نثبت هَذَا بِمُجَرَّد الرُّؤْيَا بل بِمَا ذَكرْنَاهُ من الْحجَج وَغَيرهَا ) .


حادياً وعشرين :
الروح تشرف على القبر


قال ابن تيمية (مجموع الفتاوى : 24/303):
( الروح تشرف على القبر ، وتعاد إلى اللحد أحيانا ) .

وقال ابن القيم في الروح :
(وقال: أبو عمر بن عبد البر أرواح الشهداء في الجنة، وأرواح عامة المؤمنين على أفنية قبورهم )

وَقَالَ الْحَافِظ اِبْنِ حجر فِي فَتَاوِيهِ :
( أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي عليين وأرواح الْكَافرين فِي سِجِّين وَلكُل روح بجسدها إتصال معنوي لَا يشبه الإتصال فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا بل أشبه شَيْء بِهِ حَال النَّائِم وَإِن كَانَ هُوَ أَشد من حَال النَّائِم إتصالا قَالَ وَبِهَذَا يجمع بَين مَا ورد أَن مقرها فِي عليين أَو سِجِّين وَبَين مَا نَقله إِبْنِ عبد الْبر عَن الْجُمْهُور أَيْضا أَنَّهَا عِنْد أفنية قبورها قَالَ وَمَعَ ذَلِك فَهِيَ مَأْذُون لَهَا فِي التَّصَرُّف وتأوي إِلَى محلهَا من عليين أَو سِجِّين قَالَ وَإِذا نقل الْمَيِّت من قبر إِلَى قبر فالإتصال الْمَذْكُور مُسْتَمر وَكَذَا لَو تَفَرَّقت الْأَجْزَاء إنتهى قلت وَيُؤَيّد كَون الْمقر فِي عليين مَا أخرجه إِبْنِ عَسَاكِر من طَرِيق إِبْنِ إِسْحَاق قَالَ حَدثنِي الْحُسَيْن بن عبيد الله عَن إِبْنِ عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بعد قتل جَعْفَر لقد مر بِي اللَّيْلَة جَعْفَر يقتفي نَفرا من الْمَلَائِكَة لَهُ جَنَاحَانِ متخضبة قوادمها بِالدَّمِ يُرِيدُونَ بيشة بَلَدا بِالْيمن) .


ثانياً وعشرين :
الروح تذهب حيث شاءت


(88) - وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وإبن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المنامات عَن سعيد بن الْمسيب أَن سلمَان الْفَارِسِي وَعبد الله بن سَلام إلتقيا فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه إِن لقِيت رَبك قبلي فَأَخْبرنِي مَاذَا لقِيت فَقَالَ أَو تلقى الْأَحْيَاء الْأَمْوَات قَالَ نعم أما الْمُؤْمِنُونَ فَإِن أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة وَهِي تذْهب حَيْثُ شَاءَت . (نقلاً عن شرح الصدور , باب مقر الأرواح)


ثالثاً وعشرين :
علم الميّت بما يجري لأهله بعده


قال ابن القيّم في الروح ص14 :
((89) - وَصَحَّ عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن شهر بن حَوْشَب أَن الصعب بن جثامة وعَوْف ابْن مَالك كَانَا متآخيين قَالَ صَعب لعوف أى أخى أَيّنَا مَاتَ قبل صَاحبه فليتراءا لَهُ قَالَ أَو يكون ذَلِك قَالَ نعم فَمَاتَ صَعب فَرَآهُ عَوْف فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنَّهُ قد اتاه قَالَ قلت أى أخى قَالَ نعم قلت مَا فعل بكم قَالَ غفر لنا بعد المصائب قَالَ وَرَأَيْت لمْعَة سَوْدَاء فِي عُنُقه قلت أى أخى مَا هَذَا قَالَ عشرَة دَنَانِير استسلفتها من فلَان الْيَهُودِيّ فهن فِي قَرْني فَأَعْطوهُ إِيَّاهَا وَأعلم أَن أى أخي انه لم يحدث فِي أهلى حدث بعد موتى إِلَّا قد لحق بى خَبره حَتَّى هرة لنا مَاتَت مُنْذُ أَيَّام وَاعْلَم أَن بنتى تَمُوت إِلَى سِتَّة أَيَّام فأستوصوا بهَا مَعْرُوفا فَلَمَّا أَصبَحت قلت إِن فِي هَذَا لمعلما فَأتيت أَهله فَقَالُوا مرْحَبًا بعوف أهكذا تَصْنَعُونَ بتركة إخْوَانكُمْ لم تقربنا مُنْذُ مَاتَ صَعب قَالَ فَأتيت فأعتللت بِمَا يعتل بِهِ النَّاس فَنَظَرت إِلَى الْقرن فأنزلته فأنتثلت مَا فِيهِ فَوجدت الصرة الَّتِي فِيهَا الدَّنَانِير فَبعثت بهَا إِلَى الْيَهُودِيّ فَقلت هَل كَانَ لَك على صَعب شَيْء قَالَ رحم الله صعبا كَانَ من خِيَار أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هى لَهُ قلت لتخبرني قَالَ نعم اسلفته عشرَة دَنَانِير فنبذتها إِلَيْهِ قَالَ هى وَالله بِأَعْيَانِهَا قَالَ قلت هَذِه وَاحِدَة قَالَ فَقلت هَل حدث فِيكُم حدث بعد موت صَعب قَالُوا نعم حدث فِينَا كَذَا حدث قَالَ قلت اذْكروا قَالُوا نعم هرة مَاتَت مُنْذُ ايام فَقلت هَاتَانِ اثْنَتَانِ قلت أَيْن أبنة أخى قَالُوا تلعب فَأتيت بهَا فمسستها فَإِذا هى محمومه فَقلت اسْتَوْصُوا بهَا مَعْرُوفا فَمَاتَتْ فِي سِتَّة أَيَّام .
وَهَذَا من فقه عَوْف رَحمَه الله, وَكَانَ من الصَّحَابَة حَيْثُ نفذ وَصِيَّة الصعب بن جثامة بعد مَوته وَعلم صِحَة قَوْله بالقرائن الَّتِي أخبرهُ بهَا من أَن الدَّنَانِير عشرَة وهى فِي الْقرن ثمَّ سَأَلَ اليهودى فطابق قَوْله لما فِي الرُّؤْيَا فَجزم عَوْف بِصِحَّة الْأَمر فَأعْطى الْيَهُودِيّ الدَّنَانِير وَهَذَا فقه إِنَّمَا يَلِيق بأفقه النَّاس وأعلمهم وهم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ) .


رابعاً وعشرين :
علم الميّت بتفاصيل ما يجري حوله


قال ابن القيم في الروح ص15 :

((90) - قَالَ أَبُو عَمْرو روى هِشَام بن عمار عَن صَدَقَة بن خَالِد حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر قَالَ حَدثنِي عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ حَدَّثتنِي ابْنة ثَابت بن قيس بن شماس قَالَت لما نزلت يَا أَيهَا الَّذين آمنو لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي دخل أَبُو هابية وأغلق عَلَيْهِ بَابه فَفَقدهُ رَسُول الله وَأرْسل إِلَيْهِ يسْأَله مَا خَبره قَالَ أَنا رجل شَدِيد الصَّوْت أَخَاف أَن يكون قد حَبط عملى قَالَ لست مِنْهُم بل تعيش بِخَير وَتَمُوت بِخَير قَالَ ثمَّ أنزل الله {إِن الله لَا يحب كل مختال فخور} فأغلق عَلَيْهِ بَابه وطفق يبكي فَفَقدهُ رَسُول الله فَأرْسل إِلَيْهِ فَأخْبرهُ فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي أحب الْجمال وَأحب أَن أسود قومى فَقَالَ لست مِنْهُم بل تعيش حميدا وَتقتل شَهِيدا وَتدْخل الْجنَّة قَالَت فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْيَمَامَة خرج مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى مُسَيْلمَة فَلَمَّا الْتَقَوْا وأنكشفوا قَالَ ثَابت وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِل مَعَ رَسُول الله ثمَّ حفر كل وَاحِد لَهُ حُفْرَة فثبتا وقاتلا حَتَّى قتلا وعَلى ثَابت يَوْمئِذٍ ذرع لَهُ نفيسة فَمر بِهِ رجل من الْمُسلمين فَأَخذهَا فَبَيْنَمَا رجل من الْمُسلمين نَائِم إِذْ أَتَاهُ ثَابت فِي مَنَامه فَقَالَ لَهُ أوصيك بِوَصِيَّة فاياك أَن تَقول هَذَا حلم فتضعيه إِنِّي لما قتلت أمس مربى رجل من الْمُسلمين فَأخذ ذرعى ومنزلة فِي أقصي النَّاس وَعند خبائه فرس يستين فِي طوله وَقد كفا على الدرْع برمة وَفَوق البرمة رجل فأت خَالِدا فمره أَن يبْعَث إِلَى درعى فيأخذها وَإِذا قدمت الْمَدِينَة على الْخَلِيفَة رَسُول الله يَعْنِي أَبَا بكر الصّديق فَقل لَهُ أَن على من الدّين كَذَا وَكَذَا وَفُلَان من رقيقى عَتيق وَفُلَان فَأتي الرجل خَالِدا فَأخْبرهُ فَبعث إِلَى الدرْع فَأتي بهَا وَحدث أَبَا بكر برؤياه فَأجَاز وَصيته قَالَ وَلَا نعلم أحدا أجيزت وَصيته بعد مَوته غير ثَابت بن قيس رَحمَه الله انْتهى مَا ذكره أَبُو عَمْرو
فقد اتّفق خَالِد أَبُو بكر الصّديق وَالصَّحَابَة مَعَه على الْعَمَل بِهَذِهِ الرُّؤْيَا وتنفيذ الْوَصِيَّة بهَا وانتزاع الدرْع مِمَّن هى فِي يَده وَهَذَا مَحْض الْفِقْه .
وَإِذا كَانَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك يقبلُونَ قَول الْمُدَّعِي من الزَّوْجَيْنِ مَا يصلح لَهُ دون الآخر يقرينه صَدَقَة فَهَذَا أولى )
ثم قال ابن القيّم :
( وَالْمَقْصُود جَوَاب السَّائِل وَأَن الْمَيِّت إِذا عرف مثل هَذِه الجزيئات وتفاصليها فمعرفته بزيارة الحى لَهُ وسلامة عَلَيْهِ ودعائه لَهُ أولى وَأَحْرَى ) .
فكُن من الإيمان في مَزِيد = وفي صفاءِ القلبِ ذا تَجديد
بكَثْرة الصلاةِ والطاعاتِ = وتَرْكِ ما للنَّفس من شَهْوَات
رد مع اقتباس رد مع اقتباس
27-03-2012, 16:55 #85 الصورة الرمزية عثمان محمد النابلسي عثمان محمد النابلسي  عثمان محمد النابلسي غير متواجد حالياً
طالب علم
تاريخ التسجيل
Apr 2008
المشاركات
438
خامساً وعشرين :
الحياء من الميّت لمعرفته بما حوله


(91) - وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة قَالَت كنت أَدخل الْبَيْت فأضع ثوبي وَأَقُول إِنَّمَا هُوَ أبي وَزَوْجي فَلَمَّا دفن عمر مَعَهُمَا مَا دَخلته إِلَّا وَأَنا مشدودة عَليّ ثِيَابِي حَيَاء من عمر رَضِي الله .

(92) - وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة وَالْحَاكِم عَن عقبَة بن عَامر الصَّحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لِأَن أَطَأ على جَمْرَة أَو على حد سيف حَتَّى يخطف رجْلي أحب إِلَيّ من أَن أَمْشِي على قبر رجل مُسلم وَمَا أُبَالِي أَفِي الْقُبُور قضيت حَاجَتي أم فِي السُّوق بَين ظهرانيه وَالنَّاس ينظرُونَ. وَأخرجه إِبْنِ مَاجَه عَن حُذَيْفَة مَرْفُوعا

(93) - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور عَن سليم بن عُمَيْر أَنه مر على مَقْبرَة وَهُوَ حاقن قد غَلبه الْبَوْل فَقيل لَهُ لَو نزلت فبلت قَالَ سُبْحَانَ الله وَالله إِنِّي لأستحيي من الْأَمْوَات كَمَا أستحيي من الْأَحْيَاء .


سادسًا وعشرين :
شعور الميت وتأذّيه من فعل الحي


قال اللكنوي في عمدة الرعاية :

( ما ذكروه من أن الإيلام لا يتحقق في الميت , مخالف للأحاديث الدالة على أن الميت يتأذى بما يتأذى منه الحي..) .


(94) - وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وإبن مَنْدَه عَن عمَارَة بن حزم قَالَ رَآنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا على قبر فَقَالَ يَا صَاحب الْقَبْر إنزل من على الْقَبْر لَا تؤذي صَاحب الْقَبْر وَلَا يُؤْذِيك.

(95) - وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْنِ مَسْعُود أَنه سُئِلَ عَن الْوَطْء على الْقَبْر قَالَ كَمَا أكره أَذَى الْمُؤمن فِي حَيَاته فَإِنِّي أكره أَذَاهُ بعد مَوته.

(96) - وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه عَن الْقَاسِم بن مخيمر قَالَ لِأَن أَطَأ على سِنَان رُمْحِي حَتَّى ينفذ من قدمي أحب إِلَيّ من أَطَأ على قبر وَإِن رجلا وطىء على قبر وَإِن قلبه ليقظان إِذْ سمع صَوتا من الْقَبْر إِلَيْك عني يَا رجل لَا تؤذيني .

(97) - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن أبي قلَابَة قَالَ أَقبلت من الشَّام إِلَى الْبَصْرَة فَنزلت الخَنْدَق فتطهرت وَصليت رَكْعَتَيْنِ بِاللَّيْلِ ثمَّ وضعت رَأْسِي على قبر فَنمت ثمَّ إنتبهت فَإِذا بِصَاحِب الْقَبْر يشتكي وَيَقُول لقد آذيتني مُنْذُ اللَّيْلَة .

(98) - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من طَرِيق الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن إِبْنِ ميناء قَالَ دخلت الْجَبانَة فَصليت رَكْعَتَيْنِ خفيفتين ثمَّ اضطجعت إِلَى قبر فوَاللَّه إِنِّي لنبهان إِذْ سَمِعت قَائِلا فِي الْقَبْر يَقُول قُم فقد آذيتني .

(99) - وَأخرج الديلمي وإبن مَنْدَه من حَدِيث أم سَلمَة مَرْفُوعا أَحْسنُوا الْكَفَن وَلَا تُؤْذُوا مَوْتَاكُم بعويل وَلَا بتزكية وَلَا بِتَأْخِير وَصِيَّة وَلَا بقطيعة وعجلوا قَضَاء دينه واعدلوا بِهِ عَن جيران السوء .

(100) - أخرج الديلمي عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْمَيِّت يُؤْذِيه فِي قَبره مَا يُؤْذِيه فِي بَيته .

(شرح الصدور , بَاب تأذيه بِسَائِر وُجُوه الْأَذَى , وباب دفن العبد فِي الأَرْض الَّتِي خلق مِنْهَا , وبَاب تأذي الْمَيِّت بِمَا يبلغهُ عَن الْأَحْيَاء من القَوْل فِيهِ , باختصار)

(101) - وروى الطَّبَرَانِيّ وإبن أبي شيبَة عَن بنت مخرمَة أَنَّهَا ذكرت عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولدا لَهَا مَاتَ ثمَّ بَكت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيغلب أحدكُم أَن يصاحب صويحبه فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا فَإِذا مَاتَ إسترجع فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِن أحدكُم ليبكي فيستعبر إِلَيْهِ صويحبه فيا عباد الله لَا تعذبوا مَوْتَاكُم
وَهَذَا القَوْل عَلَيْهِ ابْنِ جرير وَاخْتَارَهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة آخِرهم اِبْنِ تَيْمِية .

(102) - وَأخرج أَحْمد عَن أبي الرّبيع قَالَ كنت مَعَ إِبْنِ عمر فِي جَنَازَة فَسمع صَوت إِنْسَان يَصِيح فَبعث إِلَيْهِ فأسكته فَقلت لَهُ لم أسكته يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن قَالَ إِنَّه يتَأَذَّى بِهِ الْمَيِّت حَتَّى يدْخل قَبره

(103) - وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْنِ مَسْعُود أَنه رأى نسْوَة فِي جَنَازَة فَقَالَ إرجعن مَأْزُورَات غير مَأْجُورَات إنكن لتفتن الْأَحْيَاء وتؤذين الْأَمْوَات (شرح الصدور , بَاب تأذي الْمَيِّت بالنياحة عَلَيْهِ)

تنبيه : قال البعض أن الموتى لا يسمعون ويستثنى من ذلك ما جاء به الدليل .
والجواب : أنّ سماع الموتى ثبت في كثير من المواطن فلا عبرة بنفيه في بعضها , لأن من ثبت سماعه في كثير من المواضع فسماعه في بعضها مما لم يرد الدليل بإثباته ونفيه من باب أولى .

قال الإمام الكشميري في فيض الباري :
(أقول: والأحاديثُ في سماع الأمواتِ قد بلغت مَبْلغَ التواتر. وفي حديثٍ صحَّحه أبو عمرو: أن أحدًا إذا سَّلَّم على الميتِ فإِنه يَرُدُّ عليه، ويعرِفُه إن كان يَعْرِفُه في الدَّنيا - بالمعنى - وأخرجه ابن كثير أيضًا وتردَّد فيه. فالإِنكار في غير مَحَلِّه، ولا سيما إذا لم يُنقل عن أحدٍ من أئمتنا رحمهم الله تعالى، فلا بد من التزام السماع في الجملة، وأما الشيخ ابن الهمام رحمه الله تعالى فجعلَ الأَصْل هو النَّفّي، وكلَّ مَوْضِع ثبت فيه السَّماعُ جَعَله مستثنًى ومقتصِرًا على المَوْرد.
قلت: إذن ما القائدة في عُنوان النَّفي؟ وما الفَرق بين نفي السَّماع، ثُم الاستثناء في مواضِعَ كثيرةٍ، وادعاء التَّخصِيص، وبين إثبات السَّماع في الجملة مَعَ الإِقرار بأنا لا ندري ضوابِطَ أسماعِهم، فإِنَّ الأحياءَ إذا لم يَسْمعُوا في بَعْضِ الصُّوَرِ فمن ادَّعى الطَّرْد في الأموات، ولذا قلتُ بالسماع في الجملة )


سابعاً وعشرين :
تلاقي أرواح الأحياء والأموات


قال ابن القيّم في الروح ص20-21:

( الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة وهى هَل تتلاقي أَرْوَاح الْأَحْيَاء وأرواح الْأَمْوَات أم لَا؟
شَوَاهِد هَذِه الْمَسْأَلَة وأدلتها كثر من أَن يحصيها إِلَّا الله تَعَالَى والحس وَالْوَاقِع من أعدل الشُّهُود بهَا فتلقي أَرْوَاح الْأَحْيَاء والأموات كَمَا تلاقي أَرْوَاح الْأَحْيَاء ...
(104) - وَقد قَالَ تَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يتفكرون}
قَالَ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا عبد الله بن حُسَيْن الْحَرَّانِي حَدثنَا جدى أَحْمد بن شُعَيْب حَدثنَا مُوسَى بن عين عَن مطرف عَن جَعْفَر بن أبي الْمُغيرَة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ بَلغنِي أَن أَرْوَاح الْأَحْيَاء والأموات تلتقي فِي الْمَنَام فيتسألون بَينهم فَيمسك الله أَرْوَاح الْمَوْتَى وَيُرْسل أَرْوَاح الْأَحْيَاء إِلَى أجسادها
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره حَدثنَا عبد الله بن سُلَيْمَان حَدثنَا الْحُسَيْن حَدثنَا عَامر حَدثنَا اسباط عَن السدى وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّتِي لم تمت فِي منامها} قَالَ يتوفاها فِي منامها فيلتقي روح الحى وروح الْمَيِّت فيتذاكران ويتعارفان قَالَ فترجع روح الحى إِلَى جسده فِي الدُّنْيَا إِلَى بَقِيَّة أجلهَا وتريد روح الْمَيِّت أَن ترجع إِلَى جسده فتحبس
وَهَذَا أَحْمد الْقَوْلَيْنِ فِي الْآيَة وَهُوَ أَن الممسكة من توفيت وَفَاة الْمَوْت أَولا والمرسلة من توفيت وَفَاة النّوم وَالْمعْنَى على هَذَا القَوْل أَنه يتوفي نفس الْمَيِّت فيمسكها وَلَا يرسلها إِلَى جَسدهَا قبل يَوْم الْقِيَامَة ويتوفي نفس النَّائِم ثمَّ يرسلها إِلَى جسده إِلَى بَقِيَّة أجلهَا فيتوفاها الْوَفَاة الْأُخْرَى
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الْآيَة أَن الممسكة والمرسلة فِي الْآيَة كِلَاهُمَا توفّي وَفَاة النّوم فَمن استكملت أجلهَا أمْسكهَا عِنْده فَلَا يردهَا إِلَى جَسدهَا وَمن لم تستكمل أجلهَا ردهَا إِلَى جَسدهَا لتستكمله وَاخْتَارَ شيخ الْإِسْلَام هَذَا القَوْل وَقَالَ عَلَيْهِ يدل الْقُرْآن وَالسّنة قَالَ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذكر إمْسَاك الَّتِى قضي عَلَيْهَا الْمَوْت من هَذِه الْأَنْفس الَّتِى توفاها وَفَاة النّوم وَأما الَّتِى توفاها حِين مَوتهَا فَتلك لم يصفها بامساك وَلَا بإسال بل هى قسم ثَالِث
وَالَّذِي يتَرَجَّح هُوَ القَوْل الأول لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أخبر بوفاتين وَفَاة كبرى وهى وَفَاة الْمَوْت ووفاة صغرى وهى وَفَاة النّوم وَقسم الْأَرْوَاح قسمَيْنِ قضي عَلَيْهَا بِالْمَوْتِ فَأَمْسكهَا عِنْده وهى الَّتِى توفاها وَفَاة الْمَوْت وقسما لَهَا بَقِيَّة أجل فَردهَا إِلَى جَسدهَا إِلَى استكمال أجلهَا وَجعل سُبْحَانَهُ الامساك والارسال حكمين للوفاتين المذكورتين أَولا فَهَذِهِ ممسكة وَهَذِه مُرْسلَة وَأخْبر أَن الَّتِى لم تمت هى الَّتِى توفاها فِي منامها فَلَو كَانَ قد قسم وَفَاة النّوم إِلَى قسمَيْنِ وَفَاة موت ووفاة نوم لم يقل {وَالَّتِي لم تمت فِي منامها} فَإِنَّهَا من حِين قبضت مَاتَت وَهُوَ سُبْحَانَهُ قد أخبر أَنَّهَا لم تمت فَكيف يَقُول بعد ذَلِك {فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت}
وَلمن نصر هَذَا القَوْل أَن يَقُول قَوْله تَعَالَى {فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت} بعد أَن توفاها وَفَاة النّوم فَهُوَ سُبْحَانَهُ توفاها أَولا وَفَاة نوم ثمَّ قضي عَلَيْهَا الْمَوْت بعد ذَلِك وَالتَّحْقِيق أَن الْآيَة تتَنَاوَل النَّوْعَيْنِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذكر وفاتين وَفَاة نوم ووفاة موت وَذكر إمْسَاك المتوفاة وإرسال الْأُخْرَى وَمَعْلُوم أَنه سُبْحَانَهُ يمسك كل نفس ميت سَوَاء مَاتَ فِي النّوم أَو فِي الْيَقَظَة وَيُرْسل نفس من لم يمت فَقَوله {يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} يتَنَاوَل من مَاتَ فِي الْيَقَظَة وَمن مَاتَ فِي الْمَنَام
وَقد دلّ التقاء أَرْوَاح الْأَحْيَاء والأموات أَن الحي يرى الْمَيِّت فِي مَنَامه فيستخبره ويخبره الْمَيِّت بِمَا لَا يعلم الحي فيصادف خَبره كَمَا أخبر فِي الْمَاضِي والمستقبل وَرُبمَا أخبرهُ بِمَال دَفنه الْمَيِّت فِي مَكَان لم يعلم بِهِ سواهُ وَرُبمَا أخبرهُ بدين عَلَيْهِ وَذكر لَهُ شواهده وأدلته
وأبلغ من هَذَا أَنه يخبر بِمَا عمله من عمل لم يطلع عَلَيْهِ أحد من الْعَالمين وأبلغ من هَذَا أَنه يُخبرهُ أَنَّك تَأْتِينَا إِلَى وَقت كَذَا وَكَذَا فَيكون كَمَا أخبر وَرُبمَا أخبرهُ عَن أُمُور يقطع الحي أَنه لم يكن يعرفهَا غَيره وَقد ذكرنَا قصَّة الصعب بن جثامة وَقَوله لعوف بن مَالك مَا قَالَ لَهُ وَذكرنَا قصَّة ثَابت بن قيس بن شماس وأخباره لمن رَآهُ يدرعه وَمَا عَلَيْهِ من الدّين وقصة صَدَقَة بن سُلَيْمَان الجعفرى وأخبار ابْنه لَهُ بِمَا عمل من بعده وقصة شبيب بن شيبَة وَقَول أمه لَهُ بعد الْمَوْت جَزَاك الله خيرا حَيْثُ لقنها لَا إِلَه إِلَّا الله وقصة الْفضل بن الْمُوفق مَعَ ابْنه وإخباره إِيَّاه بِعِلْمِهِ بزيارته
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب التقي عبد الله بن سَلام وسلمان الْفَارِسِي فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر أَن مت قبلى فالقني فاخبرني مَا لقِيت من رَبك وَإِن أَنا مت قبلك لقيتك فأخبرتك فَقَالَ الآخر وَهل تلتقي الْأَمْوَات والأحياء قَالَ نعم أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة تذْهب حَيْثُ تشَاء قَالَ فَمَاتَ فلَان فَلَقِيَهُ فِي الْمَنَام فَقَالَ توكل وأبشر فَلم أر مثل التَّوَكُّل قطّ ...الخ )

ثم ذكر كثيراً من النصوص والآثار الدالة على ذلك .


وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان , بعد أن ساق جملة من كلام ابن القيم :

( فكلام ابن القيم هذا الطويل الذي ذكرنا بعضه جملة وبعضه تفصيلاً ، فيه من الأدلّة المقنعة ما يكفي في الدلالة على سماع الأموات، وكذلك الكلام الذي نقلنا عن شيخه أبي العباس بن تيمية، وفي كلامهما الذي نقلنا عنهما أحاديث صحيحة، وآثار كثيرة، ومرائي متواترة وغير ذلك، ومعلوم أن ما ذكرنا في كلام ابن القيّم من تلقين الميّت بعد الدفن، أنكره بعض أهل العلم، وقال: إنه بدعة، وأنه لا دليل عليه، ونقل ذلك عن الإمام أحمد وأنه لم يعمل به إلاّ أهل الشام، وقد رأيت ابن القيم استدلّ له بأدلّة، منها: أن الإمام أحمد رحمه اللَّه سئل عنه فاستحسنه. واحتجّ عليه بالعمل. ومنها: أن عمل المسلمين اتّصل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار. ومنها: أن الميّت يسمع قرع نعال الدافنين إذا ولّوا مدبرين، واستدلاله بهذا الحديث الصحيح استدلال قوي جدًّا؛ لأنه إذا كان في ذلك الوقت يسمع قرع النعال، فلأن يسمع الكلام الواضح بالتلقين من أصحاب النعال أولى وأحرى، واستدلاله لذلك بحديث أبي داود: "سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل" ، له وجه من النظر؛ لأنه إذا كان يسمع سؤال السائل فإنه يسمع تلقين الملقن، واللَّه أعلم ) .

وقال أيضاً في أضواء البيان :
( وقد قدّمناه في هذا المبحث مرارًا، وبجميع ما ذكرنا في هذا المبحث، في الكلام على آية "النمل" هذه، تعلم أن الذي يرجّحه الدليل: أن الموتى يسمعون سلام الأحياء وخطابهم سواء قلنا: إن اللَّه يردّ عليهم أرواحهم حتى يسمعوا الخطاب ويردّوا الجواب، أو قلنا: إن الأرواح أيضًا تسمع وتردّ بعد فناء الأجسام، لأنا قد قدّمنا أن هذا ينبني على مقدّمتين، ثبوت سماع الموتى بالسنة الصحيحة، وأن القرءان لا يعارضها على التفسير الصحيح الذي تشهد له القرائن القرءانيّة، واستقراء القرءان، وإذا ثبت ذلك بالسنة الصحيحة من غير معارض من كتاب، ولا سنّة ظهر بذلك رجحانه على تأوّل عائشة رضي اللَّه عنها، ومن تبعها بعض آيات القرءان، كما تقدّم إيضاحه. وفي الأدلّة التي ذكرها ابن القيّم في كتاب الروح على ذلك مقنع للمنصف ، وقد زدنا عليها ما رأيت، والعلم عند اللَّه تعالى ) .
ثامناً وعشرين :
نعيم القبر وعذابه يستلزمان الشعور

وقد ثبت نعيم القبر وعذابه بأدلة كثيرة جداً , ولو كان الميّت لا يشعر لما كان لهذا النعيم فائدة , بل كان من جملة تعذيب الجماد! فإذا ثبت التعذيب ثبت الشعور , وتعذيب من لا يشعر يعتبر سفسطة .

ومن المعلوم أنّ نعيم القبر وعذابه يكون للجسم والروح معًا , فقال الإمام تقي الدين السبكي في شفاء السقام ص153 :
( إن حياة جميع الموتى بأرواحهم وأجسامهم في قبورهم لا شكّ فيها ) , أي حياة خاصّة تصحح الشعور بالنعيم والعذاب
تاسعاً وعشرين :
انطلاق الروح المؤمنة وتصرفها بعد الموت بإذن الله


قال ابن القيم في كتاب الروح ص104 :

( فصل : وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يعلم أَن مَا ذكرنَا من شَأْن الرّوح يخْتَلف بِحَسب حَال الْأَرْوَاح من الْقُوَّة والضعف وَالْكبر والصغر فللروح الْعَظِيمَة الْكَبِيرَة من ذَلِك مَا لَيْسَ لمن هُوَ دونهَا وَأَنت ترى أَحْكَام الْأَرْوَاح فِي الدُّنْيَا كَيفَ تَتَفَاوَت أعظم تفَاوت بِحَسب تفارق الْأَرْوَاح فِي كيفياتها وقواها وإبطائها وإسراعها والمعاونة لَهَا فللروح الْمُطلقَة من أسر الْبدن وعلائقه وعوائقه من التَّصَرُّف وَالْقُوَّة والنفاذ والهمة وَسُرْعَة الصعُود إِلَى الله والتعلق بِاللَّه مَا لَيْسَ للروح المهينة المحبوسة فِي علائق الْبدن وعوائقه فَذا كَانَ هَذَا وَهِي محبوسة فِي بدنهَا فَكيف إِذا تجردت وفارقته وَاجْتمعت فِيهَا قواها وَكَانَت فِي أصل شَأْنهَا روحا علية زكيه كَبِيرَة ذَات همة عالية فَهَذِهِ لَهَا بعد مُفَارقَة الْبدن شَأْن آخر وَفعل آخر
وَقد تَوَاتَرَتْ الرُّؤْيَا فِي أَصْنَاف بنى آدم على فعل الْأَرْوَاح بعد مَوتهَا مَا لَا تقدر على مثله حَال اتصالها بِالْبدنِ من هزيمَة الجيوش الْكَثِيرَة بِالْوَاحِدِ والاثنين وَالْعدَد الْقَلِيل وَنَحْو ذَلِك وَكم قد رئى النَّبِي وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر فِي النّوم قد هزمت أَرْوَاحهم عَسَاكِر الْكفْر وَالظُّلم فَإِذا بجيوشهم مغلوبة مَكْسُورَة مَعَ كَثْرَة عَددهمْ وعددهم وَضعف الْمُؤمنِينَ وقلتهم
وَمن الْعجب أَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ المتحابين المتعارفين تتلاقى وَبَينهَا أعظم مَسَافَة وأبعدها فتتألم وتتعارف فَيعرف بَعْضهَا بَعْضًا كَأَنَّهُ جليسه وعشيرة فَإِذا رَآهُ طابق ذَلِك مَا كَانَ عَرفته روحه قبل رُؤْيَته
قَالَ عبد الله بن عَمْرو إن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تتلاقى على مسيرَة يَوْم وَمَا أرى أَحدهمَا صَاحبه قطّ وَرَفعه بَعضهم إِلَى النَّبِي .
وَقَالَ عِكْرِمَة وَمُجاهد إِذا نَام الْإِنْسَان فان لَهُ سَببا يجرى فِيهِ الرّوح وَأَصله فِي الْجَسَد فتبلغ حَيْثُ شَاءَ الله مَا دَامَ ذَاهِبًا فالإنسان نَائِم فَإِذا رَجَعَ إِلَى الْبدن انتبه الْإِنْسَان وَكَانَ بِمَنْزِلَة شُعَاع الشَّمْس الَّذِي هُوَ سَاقِط بِالْأَرْضِ فأصله مُتَّصِل بالشمس وَقد ذكر أَبُو عبد الله بن مَنْدَه عَن بعض أهل الْعلم أَنه قَالَ إِن الرّوح يَمْتَد من منخر الْإِنْسَان ومركبه وَأَصله فِي بدنه فَلَو خرج الرّوح بِالْكُلِّيَّةِ لمات كَمَا أَن السراج لَو فرق بَينه وَبَين الفتيلة أَلا ترى أَن مركب النَّار فِي الفتيلة وضؤوها وشعاعها يمْلَأ الْبَيْت فَكَذَلِك الرّوح تمتد من منخر الْإِنْسَان فِي مَنَامه حَتَّى تأتى السَّمَاء وتجول فِي الْبلدَانِ وتلتقي مَعَ أَرْوَاح الْمَوْتَى فَإِذا أرَاهُ الْملك الْمُوكل بأرواح الْعباد مَا أحب أَن يرِيه وَكَانَ المرئي فِي الْيَقَظَة عَاقِلا ذكيا صَدُوقًا لَا يلْتَفت فِي يقظته إِلَى شَيْء من الْبَاطِل رَجَعَ إِلَيْهِ روحه فَأدى إِلَى قلبه الصدْق مِمَّا أرَاهُ الله عز وَجل على حسب خلقه وَإِن كَانَ خَفِيفا نزقا يحب الْبَاطِل وَالنَّظَر إِلَيْهِ فَإِذا نَام وَأرَاهُ الله أمرا من خيرا وَشر رجعت روحه إِلَيْهِ فَحَيْثُ مَا رَأْي شَيْئا من مخاريق الشَّيْطَان أَو الْبَاطِل وقفت روحه عَلَيْهِ كَمَا تقف فِي يقظته فَكَذَلِك لَا يُؤدى إِلَى قلبه فَلَا يعقل مَا رَأْي لِأَنَّهُ خلط الْحق بِالْبَاطِلِ فَلَا يُمكن معبر أَن يعبر لَهُ وَقد خلط الْحق بِالْبَاطِلِ وَهَذَا من أحسن الْكَلَام وَهُوَ دَلِيل على معرفَة قَائِله وبصيرته بالأرواح وأحكامها
وَأَنت ترى الرجل يسمع الْعلم وَالْحكمَة وَمَا هُوَ أَنْفَع شَيْء لَهُ ثمَّ يمر بباطل وَلَهو من غناء أَو شُبْهَة أَو زور أَو غَيره فيصغي إِلَيْهِ وَيفتح لَهُ قلبه حَتَّى يتَأَدَّى إِلَيْهِ فيتخبط عَلَيْهِ ذَلِك الَّذِي سَمعه من الْعلم وَالْحكمَة ويلتبس عَلَيْهِ الْحق بِالْبَاطِلِ فَهَكَذَا شَأْن الْأَرْوَاح عِنْد النّوم وَأما بعد الْمُفَارقَة فَإِنَّهَا تعذب بِتِلْكَ الاعتقادات والشه الْبَاطِلَة الَّتِي كَانَت حظها حَال اتصالها بِالْبدنِ وينضاف إِلَى ذَلِك عَذَابهَا بِتِلْكَ الإرادات والشهوات الَّتِي حيل بَينهَا وَبَينهَا وينضاف إِلَى ذَلِك عَذَاب آخر ينشئه الله لَهَا ولبدنها من الْأَعْمَال الَّتِي اشتركت مَعَه فِيهَا وَهَذِه هِيَ الْمَعيشَة الضنك فِي البرزخ والزاد الَّذِي تزَود بِهِ إِلَيْهِ .
وَالروح الزكيه العلوية المحقة الَّتِي لَا تحب الْبَاطِل وَلَا تألفه بضد ذَلِك كُله تنعم بِتِلْكَ الاعتقادات الصَّحِيحَة والعلوم والمعارف الَّتِي تلقتها من مشكاة النُّبُوَّة وَتلك الإرادات والهمم الزكية وينشئ الله سُبْحَانَهُ لَهَا من أَعمالهَا نعيما ينعمها بِهِ فِي البرزخ فَتَصِير لَهَا رَوْضَة من رياض الْجنَّة ولتلك حُفْرَة من حفر النَّار ) .

فتأمّل نقله تواتر الرؤى في فعل الْأَرْوَاح بعد مَوتهَا مَا لَا تقدر على مثله حَال اتصالها بِالْبدنِ من هزيمَة الجيوش الْكَثِيرَة بِالْوَاحِدِ والاثنين وَالْعدَد الْقَلِيل وَنَحْو ذَلِك , فإن تواتر الرؤى حجة كتواتر الرواية , فقد قال ابن القيم في الروح :
( فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على شيء كان كتواطؤ روايتهم له , وكتواطؤ رأيهم على استحسانه واستقباحه , وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن.وما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح ) .

وقال ابن تيمية في منهاج السنة (3/500) : ( فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على أمر كان حقا ، كما إذا تواطأت رواياتهم أو رأيهم فإن الواحد قد يغلط أو يكذب وقد يخطئ في الرأي ، أو يتعمد الباطل ، فإذا اجتمعوا لم يجتمعوا على ضلالة وإذا تواترت الروايات أورثت العلم ، وكذلك الرؤيا ) .

وقال ابن حجر في الفتح : ( ويستفاد : أن تواطؤ جماعة على رؤيا واحدة دال على صدقها وصحتها كما يستفاد: قوة الخبر من التوارد على الأخبار من جماعة ) .

وقال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان : ( وقد قدّمنا الحديث الدالّ على أن المرائي إذا تواترت أفادت الحجّة )

وقال الحافظ ابن حجر في فتاواه:
( إن أرواح المؤمنين فى عليين ، وأرواح الكفار- فى سجين ، ولكل روح بجسدها اتصال معنوي لا يشبه الاتصال في الحياة الدنيا ، بل أشبه شىء به حال النائم وإن كان هو أشد حالا من حال النائم اتصالا فالأرواح مأذون لها في التصرف , وتأوى إلى محلها من عليين أو سجين , وإن قيل إنها عند أفنية القبور ) . (نقله السيوطي في شرح الصدور , بَاب مقرّ الْأَرْوَاح).

وأورد السيوطي ما أخرجه ابن عساكر عن رؤية النبى -- لجعفر بن أبى طالب بعد استشهاده ، وما أخرجه الحاكم عن رده السلام على جعفر حيث رآه فى مجلسه مع أسماء بنت عميس ومعه جبريل وميكائيل يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم ، وحكى له جعفر ما حدث فى يوم استشهاده ، وأن النبى صلى الله عليه وسلم أعلن ما رآه للناس على المنبر .

(105) – جاء في "فتاوى رسول الله" لابن القيم , ط1 دار الحكمة , فصل [ فتاوى في بيان فضل بعض سور القرآن ] :
( وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال : ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر ، فإذا إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر.
ذكره الترمذي ، وقال ابن عبد البر : هو صحيح . )

قَالَ أَبُو الْقَاسِم السَّعْدِيّ فِي كتاب الرّوح :
( هَذَا تَصْدِيق من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن الْمَيِّت يقْرَأ فِي قَبره , فَإِن عبد الله أخبرهُ بذلك وَصدقه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ) .

وقد صحح هذا الحديث الإمام الكشميري في فيض الباري (1/183) .

وَقَالَ الإِمَام كَمَال الدّين بن الزملكاني فِي كتاب : "الْعَمَل المقبول فِي زِيَارَة الرَّسُول" :

(هَذَا الحَدِيث وَاضح الدّلَالَة على أَن الْمَيِّت كَانَ يقْرَأ فِي قَبره سُورَة الْملك , وَقد وَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة ذكر إكرام الله بعض أوليائه بذلك , وإكرام بَعضهم بِالصَّلَاةِ , وَكَانَ يَدْعُو الله فِي حَيَاته بذلك , فَإِذا كَانَ من كَرَامَة الله لأوليائه تمكينهم من الطَّاعَة وَالْعِبَادَة فِي الْقَبْر , فالأنبياء بطرِيق الأولى ) .

وَقَالَ الْحَافِظ زين الدّين بن رَجَب فِي كتاب : "أهوال الْقُبُور" :

(قد يكرم الله بعض أهل البرزخ بِأَعْمَالِهِ الصَّالِحَة فِي البرزخ , وَإِن لم يحصل لَهُ بذلك ثَوَاب , لانقطاع عمله بِالْمَوْتِ , لكنه إِنَّمَا يبْقى عمله عَلَيْهِ ليتنعم بِذكر الله وطاعته , كَمَا تتنعم بذلك الْمَلَائِكَة وَأهل الْجنَّة فِي الْجنَّة , وَإِن لم يكن على ذَلِك ثَوَاب , لِأَن نفس الذّكر وَالطَّاعَة أعظم نعيما عِنْد أَهلهَا من جَمِيع نعيم أهل الدُّنْيَا ولذتها , فَمَا تنعم المتنعمون بِمثل ذكر الله وطاعته ) . (هذه النقول الثلاثة مأخوذة من شرح الصدور, بَاب أَحْوَال الْمَوْتَى فِي قُبُورهم )


[b](106) روى ابن حبان في صحيحه واللفظ له , والطبراني في الأوسط , وقال الهيثمي في مجمع الزوائد : (وإسناده حسن) :

( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ إِنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا، كَانَتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَانَتِ الزَّكَاةُ عَنْ شِمَالِهِ، وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَتَقُولُ الصَّلَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ، فَيَقُولُ الصِّيَامُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ، فَتَقُولُ الزَّكَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَتَقُولُ فَعَلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، فَيُقَالُ لَهُ: اجْلِسْ فَيَجْلِسُ، وَقَدْ مُثِّلَتْ لَهُ الشَّمْسُ وَقَدْ أُدْنِيَتْ لِلْغُرُوبِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَكَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَا تَقُولُ فِيهِ، وَمَاذَا تَشَهَّدُ بِهِ عَلَيْهِ؟ فَيَقُولُ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَيَقُولُونَ: إِنَّكَ سَتَفْعَلُ، أَخْبَرَنِي عَمَّا نَسْأَلُكُ عَنْهُ، أَرَأَيْتَكَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَا تَقُولُ فِيهِ، وَمَاذَا تَشَهَّدُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُ: عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ وَعَلَى ذَلِكَ مِتَّ، وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا، فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا لَوْ عَصَيْتَهُ، فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَيُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، وَيُعَادُ الْجَسَدُ لِمَا بَدَأَ مِنْهُ، فَتَجْعَلُ نَسْمَتُهُ فِي النَّسَمِ الطِّيِّبِ وَهِيَ طَيْرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ... ) .

ففي هذا الحديث نصٌ على أنّ المؤمن سيصلّي في قبره , وأنّ روحه تعاد في جسده فيتمكن من الجلوس وإجابة الملائكة .


[b](107) وَأخرج عبد الله بن الْمُبَارك في الزهد عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ :

(إِن الدُّنْيَا جنَّة الْكَافِر وسجن الْمُؤمن , وَإِنَّمَا مثل الْمُؤمن حِين تخرج نَفسه كَمثل رجل كَانَ فِي سجن فَأخْرج مِنْهُ فَجعل يتقلب فِي الأَرْض ويتفسح فِيهَا ) .

[b](108) وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ :

(الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن وجنة الْكَافِر فَإِذا مَاتَ الْمُؤمن يخلى سربه يسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَ ).
السرب هُنَا بِفَتْح أَوله الطَّرِيق كَمَا فِي الصِّحَاح .
وأخرجه أحمد والطبراني وأبو نعيم في الحلية والحاكم عن ابن عمرو بن العاص بإسناد صحيح كما قال المناوي في التيسير .
والموقوف في هذا الباب له حكم المرفوع كما تقدم عن القرطبي .

[b](109) وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شبهت خُرُوج الْمُؤمن من الدُّنْيَا إِلَّا كَمثل خُرُوج الصَّبِي من بطن أمه من ذَلِك الْغم والظلمة إِلَى روح الدُّنْيَا .

[b](110) وَفِي تَارِيخ إِبْنِ النجار عَن أبي مُحَمَّد بن النجار وَكَانَ من أَصْحَاب الْمروزِي وَكَانَ الْخلال يقدمهُ لفضله قَالَ غسلت مَيتا فَأَنا أغسله إِذْ فتح عَيْنَيْهِ ثمَّ قبض على يَدي وَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد أحسن الإستعداد لهَذَا المصرع

[b](111) وَقَالَ إِبْنِ سعد فِي الطَّبَقَات وإبن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَالْإِمَام أَحْمد فِي الزّهْد مَعًا أخبرنَا عَفَّان بن مُسلم قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ اللَّهُمَّ إِن كنت أَعْطَيْت أحدا الصَّلَاة فِي قَبره فَأعْطِنِي الصَّلَاة فِي قَبْرِي

وَأخرج أَبُو نعيم عَن يُوسُف بن عَطِيَّة قَالَ سَمِعت ثَابتا يَقُول لحميد الطَّوِيل هَل بلغك أَن أحدا يُصَلِّي فِي قَبره إِلَّا الْأَنْبِيَاء قَالَ لَا قَالَ ثَابت اللَّهُمَّ إِن أَذِنت لأحد أَن يُصَلِّي فِي قَبره فَأذن لِثَابِت أَن يُصَلِّي فِي قَبره

وَأخرج أَيْضا عَن جُبَير قَالَ أَنا وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أدخلت ثَابتا الْبنانِيّ لحده وَمَعِي حميد الطَّوِيل فَلَمَّا سوينا عَلَيْهِ اللَّبن سَقَطت لبنة فَإِذا أَنا بِهِ يُصَلِّي فِي قَبره وَكَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ إِن كنت أَعْطَيْت أحدا من خلقك الصَّلَاة فِي قَبره فأعطنيها فَمَا كَانَ الله ليرد دعاءه

وَأخرج أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم بن الصمَّة المهلبي قَالَ حَدثنِي الَّذين كَانُوا يَمرونَ بالجص بالأسحار قَالُوا كُنَّا إِذا مَرَرْنَا بجنبات قبر ثَابت الْبنانِيّ سمعنَا قِرَاءَة الْقُرْآن

[b](112) وَقَالَ ابْنِ مَنْدَه أَنبأَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد المسلمي حَدثنَا أَبُو أَحْمد يُوسُف الْخفاف حَدثنَا القَاضِي أَبُو أَحْمد حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد الْأَشْعَرِيّ سَمِعت سَلمَة بن شبيب قَالَ سَمِعت أَبَا حَمَّاد الحفار وَكَانَ ثِقَة ورعا قَالَ دخلت يَوْم الْجُمُعَة الْمقْبرَة نصف النَّهَار فَمَا مَرَرْت بِقَبْر إِلَّا سَمِعت قِرَاءَة الْقُرْآن

[b](113) وَأخرج عبد الله بن الْمُبَارك في الزهد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ : (الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن وسَنَتُه : فَإِذا فَارق الدُّنْيَا فَارق السجْن ) .
وَالسّنة بِفَتْح أَوله : الْقَحْط والجدب .

[b](114) وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نمت فرأيتني فِي الْجنَّة وَلَفظ النَّسَائِيّ دخلت الْجنَّة فَسمِعت صَوت قارىء يقْرَأ فَقلت من هَذَا قَالُوا حَارِثَة بن النُّعْمَان فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كذك الْبر كَذَاك الْبر كَذَاك الْبر وَكَانَ أبر النَّاس بِأُمِّهِ .

[b](115) وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أَرَانِي فِي الْجنَّة فَبينا أَنا فِيهَا سَمِعت صَوت رجل يقْرَأ بِالْقُرْآنِ فَقلت من هَذَا قَالُوا حَارِثَة بن النُّعْمَان فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَلِك كَذَاك الْبر كَذَاك الْبر .

[b](116) وَأخرج إِبْنِ مَاجَه وإبن أبي الدُّنْيَا وَابْن أبي عَاصِم فِي السّنة عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل الْمَيِّت قَبره مثلت لَهُ الشَّمْس عِنْد غُرُوبهَا فيجلس يمسح عَيْنَيْهِ وَيَقُول دَعونِي أُصَلِّي .

[b](117) وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر من طَرِيق أبي صَالح كَاتب اللَّيْث عَن يحيى بن أبي أَيُّوب الْخُزَاعِيّ قَالَ سَمِعت من يذكر أَنه كَانَ فِي زمن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ شَاب متعبد قد لزم الْمَسْجِد وَكَانَ عمر بِهِ معجبا.. فذكر قصة وفاة الشاب إلى أن قال :
فَقَرَأَ الْآيَة الَّتِي كَانَ قَرَأَهَا فَخر مغشيا عَلَيْهِ فحركوه فَإِذا هُوَ ميت فغسلوه وأخرجوه ودفنوه لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبحُوا رفع ذَلِك إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ فجار عمر إِلَى أَبِيه فَعَزاهُ بِهِ وَقَالَ أَلا آذنتني قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ لَيْلًا قَالَ عمر فاذهبوا بِنَا إِلَى قَبره فَأتى عمر وَمن مَعَه الْقَبْر فَقَالَ عمر يَا فلَان {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} فَأَجَابَهُ الْفَتى من دَاخل الْقَبْر يَا عمر قد أعطانيهما رَبِّي فِي الْجنَّة مرَّتَيْنِ .

[b](118) وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي كتاب التوبيخ عَن إِبْنِ مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَمر بِعَبْد من عباد الله أَن يضْرب فِي قَبره مائَة جلدَة فَلم يزل يسْأَل الله ويدعوه حَتَّى صَارَت وَاحِدَة فَامْتَلَأَ قَبره عَلَيْهِ نَارا فَلَمَّا إرتفع عَنهُ أَفَاق فَقَالَ علام جلدتموني قَالُوا صليت صَلَاة بِغَيْر طهُور ومررت على مظلوم فَلم تنصره .
وهذا يدل على أنّه سأل الله تعالى التخفيف وهو في القبر , والسؤال فعل من الأفعال ..


شبهة الاستدلال بحديث انقطاع الأعمال وجوابها :
فإن قال قائل , إن صح ما ذكرتم من قدرة الأنبياء وبعض الأولياء على التسبب ببعض الأفعال كالصلاة وغيرها , فما معنى قول النبي –- : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. ) ؟ فإن ظاهر الحديث يدل على أنّ الميّت لا يقدر على القيام بغيرها .

قلت : ليس الحديث على قدرة الميت على التسبب ببعض الأعمال أم لا , إذ لو كان كذلك لكان الميّت غير قادر على أي عمل إلا أن يتصدق أو أن يأتي بولد يدعو له أو أن يعلّم علماً ينتفع به!!
لكنّ الحديث ينفي وصول الثواب إلى الميّت إلا من هذه الثلاث المذكورة , فيكون معنى الحديث : إذا مات ابن آدم انقطع ثواب عمله إلا من ثلاث .. .

قال الإمام المناوي في "فيض القدير"(1/561) :

( (إذا مات الإنسان) وفي رواية : ابن آدم (انقطع عمله) أي فائدة عمله وتجديد ثوابه يعني لا تصل إليه فائدة شئ من عمله كصلاة وحج (إلا من ثلاث) أي ثلاثة أشياء فإن ثوابها لا ينقطع لكونه فعلا دائم الخير متصل النفع )

وقال أيضاً ( 5/35):

( (كل عمل منقطع عن صاحبه إذا مات , إلا المرابط في سبيل الله عز وجل , فإنه ينمى له عمله ويجري عليه رزقه إلى يوم القيامة) . قال القاضي : معناه أن الرجل إذا مات لا يزاد عن ثواب ما عمل ولا ينقص منه شئ إلا الغازي , فإن ثواب مرابطته ينمو ويتضاعف , وليس فيه ما يدل على أن عمله يزاد بضم غيره إليه أو لا يزاد , فاندفع قول البعض هذا الحديث يكاد يخل بالحصر المذكور في خبر " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ". ثلاثين :
حياة الشهداء


(119) - يقول تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ) [البقرة: 154].

(120) - وقال تعالى: ) وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ([ آل عمران:169-170].

(120) - أخرج أحمد وأبو داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش, فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم، وحسن مقبلهم. قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا - وفي لفظ قالوا: إنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله: أنا أبلغهم عنكم" فأنزل الله هؤلاء الآيات ) وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ( الآية وما بعدها.

(121) - وَأخرج إِبْنِ جرير فِي تَهْذِيب الْآثَار وإبن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن العطاف بن خَالِد قَالَ حَدَّثتنِي خَالَتِي قَالَت ركبت يَوْمًا إِلَى قُبُور الشُّهَدَاء وَكَانَت لَا تزَال تأتيهم قَالَت فَنزلت عِنْد قبر حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ فَصليت عِنْده وَمَا فِي الْوَادي دَاع وَلَا مُجيب فَلَمَّا فرغت من صَلَاتي قلت السَّلَام عَلَيْكُم فَسمِعت رد السَّلَام عَليّ يخرج من تَحت الأَرْض أعرفهُ كَمَا أعرف أَن الله خلقني وكما أعرف اللَّيْل وَالنَّهَار فاقشعرت كل شَعْرَة مني

(122) - وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل أَيْضا من طَرِيق العطاف بن خَالِد المَخْزُومِي قَالَ حَدثنِي عبد الْأَعْلَى بن عبد الله بن أبي بكر عَن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زار قُبُور الشُّهَدَاء بِأحد فَقَالَ اللَّهُمَّ إِن عَبدك وَنَبِيك يشْهد أَن هَؤُلَاءِ شُهَدَاء وَأَن من زارهم أَو سلم عَلَيْهِم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ردوا عَلَيْهِ قَالَ العطاف وحدثتني خَالَتِي أَنَّهَا زارت قُبُور الشُّهَدَاء قَالَت وَلَيْسَ معي إِلَّا غلامان يحفظان عَليّ الدَّابَّة فَسلمت عَلَيْهِم فَسمِعت رد السَّلَام وَقَالُوا وَالله إِنَّا نعرفكم كَمَا يعرف بَعْضنَا بَعْضًا قَالَت فاقشعررت وَقلت يَا غُلَام أدنني بغلي فركبت

(123) - وَأخرج ابنِ أبي شيبَة عَن سعد بن أبي وَقاص أَنه كَانَ يرجع من ضيعته فيمر بقبور الشُّهَدَاء فَيَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون ثمَّ يَقُول لأَصْحَابه أَلا تسلمون على الشُّهَدَاء فيردوا عَلَيْكُم


حادياً وثلاثين :
حياة الأنبياء


قال الإمام السيوطي في إنباء الأذكياء :
( حَيَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهِ هُوَ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ مَعْلُومَةٌ عندنا عِلْمًا قَطْعِيًّا , لِمَا قَامَ عندنا مِنَ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ وَتَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، وَقَدْ أَلَّفَ الْبَيْهَقِيُّ جُزْءًا فِي حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ فِي قُبُورِهِمْ) .

وقال الكتاني في نظم المتناثر من الحديث المتواتر :
(إن من جملة ما تواتر عن النبي –ص- حياة الأنبياء في قبورهم ) .

وقال الإمام أبو العتيق الحنفي في شرحه على أبي داود المسمى بأنوار المحمود (1/610) :
( اتفقوا على حياته - صلى الله عليه وسلم- , بل حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام متفق عليها لا خلاف لأحد فيها ) .

وقال الإمام ابن حجر في الفتح (7/22) :
( إن حياته –صلى الله عليه وسلم- في القبر لا يعقبها موت , بل يستمر حيًا , والأنبياء أحياء في قبورهم) .

وقال الإمام السهارنفوري الحنفي محشي البخاري (1/517) :
( والأحسن أن يقال أنّ حياته - صلى الله عليه وسلم- لا يتعقبها موت ) .

وقال ابن القيم في الروح ص54 :
( هذا مع القطع بأنّ روحه الكريمة في الرفيق الأعلى في أعلى علّيين مع أرواح الأنبياء , وقد صح عنه أنه رأى موسى قائمًا يصلي في قبره ليلة الإسراء , ورآه في السماء السادسة أو السابعة , فالروح كانت هناك ولها اتصال بالبدن في القبر وإشراف عليه وتعلق به , بحيث يصلي في قبره ويردّ سلام من سلم عليه , وهي في الرفيق الأعلى , ولا تنافي بين الأمرين , فإن شأن الأرواح غير شأن الأبدان ) .

وقال العلامة العثماني الحنفي صاحب فتح الملهم (3/421) :
( وأما بعد وفاته فروحه المقدّسة - صلى الله عليه وسلم- قد استقرت في الرفيق الأعلى مع أرواح الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- , ولا يتوهم من هذا إنكار حياته في قبره الشريف , فإن لروحه - صلى الله عليه وسلم- إشرافًا على البدن المبارك المطيّب وإشراقًا وتعلقًا به وبدنه في ضريحه غير مفقود , وإذا سلّم عليه المسلّم ردّ الله عليه روحه حتى يردّ عليه السلام كما ورد في الحديث , ولم يفارق الملأ الأعلى , ومن كثف إدراكه وغلظت طباعه عن هذا الإدراك , فلينظر إلى الشمس في علوّ محلها وتعلّقها وتأثيرها في الأرض وحياة النبات والحيوان بها ) .


ومِنَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى حياة الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- في قبورهم :

(124) - ما قاله ابن رجب الحنبلي :
{ وقد صحّ عرْضُ الأعمال كلها على رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم لأنه لهم بمنزلة الوالد ، خرّج البزار في " مسنده " ، قال رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم : " حياتي خير لكم تُحدثون ويحدث لكم ، و وفاتي خير لكم ، تُعرض عليّ أعمالكم ، فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر استغفرتُ الله لكم "} .

وهذا الحديث خرّجه البزار في مسنده و حسّنه الحافظ العراقي في "طرح التثريب" و صحّحه الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" و الإمام القسطلاني في "إرشاد الساري شرح صحيح البخاري"، و كذلك صحّحه الحافظ السيوطي في "الخصائص" و الإمام مُلاّ علي قاري و الشهاب الخفاجي في شرحيهما على "الشفا" ، و غيرهم من الحفاظ .

(125) - مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ مَرَّ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ»

(126) - وَأَخْرَجَ أبو نعيم فِي الْحِلْيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِيهِ»

(127) - وَأَخْرَجَ أبو يعلى فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ»

وقد صححه الإمام البيهقي , ووافقه ابن حجر في الفتح , وصححه الإمام المناوي في فتح القدير , والإمام القاري في المرقاة , والعلامة العثماني في فتح الملهم , والعلامة العزيزي في السراج , والإمام الدهلوي في مدارج النبوة , والعلامة الشوكاني في تحفة الذاكرين ونيل الأوطار , والعلامة زكريا الكاندهلوي في فضائل الأعمال , وغيرهم كثير .

(128) - وَأَخْرَجَ أبو داود وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أوس بن أوس الثقفي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ الصَّلَاةَ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ عَلَيْكَ صَلَاتُنَا وَقَدْ أَرِمْتَ؟ يَعْنِي: بَلِيتَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَامَ الْأَنْبِيَاءِ»

(129) - وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، والأصبهاني فِي التَّرْغِيبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ نَائِيًا بُلِّغْتُهُ» .

(130) - وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُتْرَكُونَ فِي قُبُورِهِمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَلَكِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّورِ»
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلِحَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ شَوَاهِدُ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْإِسْرَاءِ فِي لُقِيِّهِ جَمَاعَةً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَكَلَّمَهُمْ وَكَلَّمُوهُ..

(131) - وَأَخْرَجَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْإِسْرَاءِ وَفِيهِ: «وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَائِمٌ يُصَلِّي، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ - يَعْنِي نَفْسَهُ - فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ»

(132) - وأخرج أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ .
قال المناوي في التيسير : ( ما من أحد يسلم علي الا رد الله علي روحي ) أي رد علي نطقي لأنه حي دائما وروحه لا تفارقه لان الأنبياء أحياء في قبورهم ( حتى أرد ) غاية لرد في معنى التعليل أي من أجل أن أرد ( عليه السلام ) ومن خص الرد بوقت الزيارة فعليه البيان فالمراد بالروح النطق مجازا وعلاقة المجازان النطق من لازمه وجود الروح وهو في البرزخ مشغول بأحوال الملكوت مأخوذ عن النطق بسبب ذلك ( د عن أبي هريرة ) وإسناده صحيح ) .

وصححه النووي في الأذكار , والسمهودي في الوفاء , وغيرهم .

(133) - وَأَخْرَجَ أبو يعلى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَنْزِلَنَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ لَئِنْ قَامَ عَلَى قَبْرِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لَأُجِيبَنَّهُ»

(134) - وَأَخْرَجَ أبو نعيم فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي لَيَالِيَ الْحَرَّةِ وَمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي وَمَا يَأْتِي وَقْتُ صَلَاةٍ إِلَّا سَمِعْتُ الْأَذَانَ مِنَ الْقَبْرِ.

وَقَالَ القرطبي فِي التَّذْكِرَةِ فِي حَدِيثِ الصَّعْقَةِ نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ :
( الْمَوْتُ لَيْسَ بِعَدَمٍ مَحْضٍ، وَإِنَّمَا هُوَ انْتِقَالٌ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الشُّهَدَاءَ بَعْدَ قَتْلِهِمْ وَمَوْتِهِمْ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ مُسْتَبْشِرِينَ وَهَذِهِ صِفَةُ الْأَحْيَاءِ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الشُّهَدَاءِ فَالْأَنْبِيَاءُ أَحَقُّ بِذَلِكَ وَأَوْلَى، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمَعَ بِالْأَنْبِيَاءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي السَّمَاءِ، وَرَأَى مُوسَى قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ يَرُدُّ السَّلَامَ عَلَى كُلِّ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْصُلُ مِنْ جُمْلَتِهِ الْقَطْعُ بِأَنَّ مَوْتَ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى أَنْ غُيِّبُوا عَنَّا بِحَيْثُ لَا نُدْرِكُهُمْ وَإِنْ كَانُوا مَوْجُودِينَ أَحْيَاءً، وَذَلِكَ كَالْحَالِ فِي الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّهُمْ مَوْجُودُونَ أَحْيَاءً وَلَا يَرَاهُمْ أَحَدٌ مِنْ نَوْعِنَا إِلَّا مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِكَرَامَتِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ) . انْتَهَى

وَسُئِلَ الْبَارِزِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ هُوَ حَيٌّ بَعْدَ وَفَاتِهِ؟
فَأَجَابَ: (إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ) .

قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْفَقِيهُ الْأُصُولِيُّ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ فِي أَجْوِبَةِ مَسَائِلِ الْجَاجِرْمِيِّينَ قَالَ: "الْمُتَكَلِّمُونَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَأَنَّهُ يُسَرُّ بِطَاعَاتِ أُمَّتِهِ وَيَحْزَنُ بِمَعَاصِي الْعُصَاةِ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ تَبْلُغُهُ صَلَاةُ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِهِ، وَقَالَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَبْلُونَ وَلَا تَأْكُلُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ شَيْئًا، وَقَدْ مَاتَ مُوسَى فِي زَمَانِهِ وَأَخْبَرَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَآهُ فِي قَبْرِهِ مُصَلِّيًا، وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ رَآهُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَأَنَّهُ رَأَى آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ لَهُ مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَإِذَا صَحَّ لَنَا هَذَا الْأَصْلُ قُلْنَا: نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَارَ حَيًّا بَعْدَ وَفَاتِهِ وَهُوَ عَلَى نُبُوَّتِهِ". هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْأُسْتَاذِ . (الحاوي للفتاوي باختصار وتصرف)


وقال الإمام ملا علي قاري في شرح الشفا (2/142) :

( المعتقد المعتمد أنه –- حي في قبره كسائر الأنبياء في قبورهم , وهم أحياء عند ربهم , وأنّ لأرواحهم تعلقًا بالعالم العلوي والسفلي كما كانوا في الحال الدنيوي , فهم بحسب القلب عرشيون , وبحسب القالب فرشيون) .

وقال الشوكاني في نيل الأوطار :

(وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّد أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ : { إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ } وَفِي رِوَايَة لِلطَّبَرَانِيِّ { لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إلَّا بَلَغَنِي صَلَاتُهُ ، قُلْنَا : وَبَعْدَ وَفَاتِك ؟ قَالَ : وَبَعْدَ وَفَاتِي ، إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ }
وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَة مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيّ بَعَدَ وَفَاته ، وَأَنَّهُ يُسَرُّ بِطَاعَاتِ أُمَّته ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُبْلَوْنَ ، مَعَ أَنَّ مُطْلَق الْإِدْرَاك كَالْعِلْمِ وَالسَّمَاع ثَابِت لِسَائِرِ الْمَوْتَى .
وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا : { مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ عَلَى قَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِن وَفِي رِوَايَة : بِقَبْرِ الرَّجُلِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ }
وَلِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا { إذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرٍ يَعْرِفُهُ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَرَفَهُ ، وَإِذَا مَرَّ بِقَبْرٍ لَا يَعْرِفُهُ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ }
وَصَحَّ { أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إلَى الْبَقِيعِ لِزِيَارَةِ الْمَوْتَى وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ }
وَوَرَدَ النَّصّ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي حَقّ الشُّهَدَاءِ أَنَّهُمْ أَحْيَاء يُرْزَقُونَ وَأَنَّ الْحَيَاة فِيهِمْ مُتَعَلِّقَة بِالْجَسَدِ فَكَيْف بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ؟!
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ { أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ } رَوَاهُ الْمُنْذِرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِمُوسَى عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ } . ) اهـــ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق