الأحد، 23 أبريل 2017

الإستغاثة وطلب المدد من النبي

      قصد المستغيثين بالنبي –صلى الله عليه وسلم- من قولهم (أغثني , مدد ) :

      على أنّ قول المستغيثين للنبي -- : أغثني أو امددني , إنما يقصدون بها أن يدعو الله تعالى لهم , فيقال : أمدَّنا فلان بدعواته الصالحة , أي : توجه بدعواته يدعو الحق سبحانه وتعالى في شأننا وأمرنا , وهو مدد وغوث معنوي لا حسي , فيكون دعاؤهم ذلك دعاء في التشفع إلى الله تعالى , فالمستغيث بالنبي -- إنما يطلب منه أن يشفع له إلى الله ويدعوا له اللهَ تعالى , فيمده ويغيثه بدعائه , أو باعتقاد أنّ الله تعالى مكّن روح هذا النبي أو الولي من التسبب بإذن الله تعالى , كتمكينه سبحانه الأحياء من التسبب .
      والمؤمن إذا تكلم بكلام ، فإيمانه قرينة على أنه لم يُرد المعنى الضارّ في اعتقاده ، و أنه لا يعتقد ذلك ، لاسيما قرائن كلامه , لا أن يحمل كلامه على ما يصرح هو بخلافه!

      وقد وردت الاستغاثة بمعنى طلب الدّعاء في حديث الشفاعة المشهور :
      ( إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ , فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ثُمَّ بِمُوسَى ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ –-).

      وإليك مثالين أحدهما فيه طلب من الغائب , والآخر طلب من الميّت , مع الاتفاق على أنّ الطلب فيهما ليس شركًا :

      المثال الأوّل -وهو في نداء الغائب- : 
      سيدنا عمر بن الخطاب يدعو سارية وهو غائب في نهاوند
      قال الإمام ابن حجر الهيتمي في "الصواعق المحرقة" : 
      ( أخرج البيهقي وابو نعيم واللالكائي وابن الأعرابي والخطيب عن نافع عن ابن عمر بإسناد حسن قال : وجه عمر جيشا ورأس عليهم رجلاً يدعى سارية , فبينا عمر -رضي الله عنه- عنه يخطب , جعل ينادي : يا سارية الجبل , ثلاثا , ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر , فقال: يا أمير المؤمنين! هزمنا , فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتاً ينادي يا سارية الجبل ثلاثا , فأسندنا ظهرنا إلى الجبل فهزمهم الله ) . 
      وأوردها ابن كثير في البداية والنهاية 7/135، وقال: إسناده جيد حسن , وحسّنها السخاوي كذلك.
      وقد صحح هذه القصة محدث الوهابية الألباني في السلسلة الصحيحة , وقال : ( فتبين مما تقدم أنه لا يصح شيء من هذه الطرق إلا طريق ابن عجلان , و ليس فيه إلا مناداة عمر "يا سارية الجبل" و سماع الجيش لندائه وانتصاره بسببه) .
      وعليه فالقول بأنّ أمير المؤمنين رأى الجيش , وأنّه خاطب الملائكة وهي أوصلت الصوت إلى الجيش , لم يثبت في رواية صحيحة !!

      فها هو سيدنا عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- ينادي سارية وهو غائب عنه في نهاوند , والوهابية يقولون أنّ نداء الغائب شرك , فهل أشرك أمير المؤمنين بهذا النداء؟ 
      وهل كان يعلم الغيب حتى ينادي سارية متيقناً بأنه سيسمعه؟ أم أنّه خاطر وإلهام وقع في قلبه , فألجأه هذا الخاطر لينادي غائباً -ونداء الغائب شرك عند الوهابية-؟!
      ثم إنّ صاحب الخاطر والإلهام لا يجزم بوقوعه , فكيف قام أمير المؤمنين بنداء غائب -وهو شرك!- بناءً على خاطر وإلهام؟! 
      ثم لو سلمنا أنّ الله تعالى كشف عن بصره وأراه الجيش رأي عين , فكيف يصحّ له أن يناديهم وهم غائبين عنه , ونداء الغائب شرك؟!

      وقد حاول بعض الوهابية توجيه هذه القصة لتوافق هواه بتأويلات بعيدة وركيكة , وأقواها عندهم أنّ سيدنا عمر بن الخطاب قال : (إنّ لله جنوداً يبلّغون صوتي) , فلم تفلح تأويلاتهم الركيكة وتوجيهاتهم البعيدة , ولو كان سيدنا عمر بن الخطاب قد نادى الملائكة لتبلغ عنه صوته لما خرج نداؤه أيضاً عن نداء الغائب , فإن الملائكة وإن كانوا حاضرين بالنسبة لعلم الله الذي لا يغيب عنه شيء ، فهم غائبون بالنسبة لمن يناديهم .

      المثال الثاني -وهو في دعاء الميّت- : 
      سيدنا إبراهيم –عليه السلام- يدعو أجزاء الطيور للإتيان :

      وقد أمر الله تعالى سيدنا إبراهيم –عليه السلام- أن يسأل الطيور المقطّعة ويدعوها للحضور , فقد قال الله تعالى : ((قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ))
      فقد دعا سيّدنا إبراهيم هذه الطيور الميّتة ونادها وهي غائبة , وفي بعض الآثار أن رؤوس الطيور كانت بيد سيدنا إبراهيم - عليه السلام- , فلما دعاهن جعل كل جزء منهن يأتي صاحبَه حتى صارت جثثاً , ثم أقبلن إلى رؤوسهن فانضمت كل جثة إلى رأسها فعادت كل واحدة منهن إلى ما كانت عليه , ومعلوم أنّ هذه الأجزاء ما كانت لتجتمع إلا بإذن الله وإرادته , فهل أصبح سيدنا إبراهيم – عليه السلام- مشركاً بهذا الفعل؟ وهل أمر الله تعالى خليله بالشرك ؟ لا بقول هذا مؤمن بالله واليوم الآخر
        عثمان محمد النابلسي منتدى الأصلين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق