الأحد، 23 أبريل 2017

مخاصمة الأنبياءِ أقوامَهم في الربوبية ودعوتهم إليها

مخاصمة الأنبياءِ أقوامَهم في الربوبية
ودعوتهم إليها



إن دعوى عدم مخاصمة الرسل أقوامهم في الربوبية وإنما في الألوهية فقط غير سديدة , فالرسل خاصموا أقوامهم في كلا الأمرين , ومما يدل على ذلك : 


۞ أن سيدنا إبراهيم –عليه السلام- حاور قومه كما قال تعالى : ((وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ )) . لأنبياء: ٥١ – ٥٦.

ومعلوم أن ((بل)) للإضراب الإبطالي , لإبطال ما يتخذونه من أرباب .

قال أبو السعود في تفسيرها :
({قَالَ} عليه السلام إضراباً عما بنَوا عليه مقالتَهم من اعتقاد كونِها أرباباً لهم , كما يُفصح عنه قولُهم : (نعبدُ أصناماً فنظل لها عاكفين) ، كأنه قيل : ليس الأمر كذلك { بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السموات والأرض الذى فطَرَهُنَّ } ) .

۞ ثم تأمل في الآية التي يخبر الله تعالى فيها عن سيدنا إبراهيم -عليه السلام- : ((وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ )) . الأنعام: ٨٠ 

قال الطبري في تفسيرها :
( وهذا جواب إبراهيم لقومه حين خوفوه من آلهتهم أن تمسَّه لذكره إياها بسوء في نفسه بمكروه ، فقال لهم: وكيف أخاف وأرهب ما أشركتموه في عبادتكم ربَّكم فعبدتموه من دونه، وهو لا يضر ولا ينفع ؟ ولو كانت تنفع أو تضر، لدفعت عن أنفسها كسرِى إياها وضربي لها بالفأس!)

فاقرأ كيف كانوا يخوفونه بآلهتهم لاعتقادهم فيها صفات الربوبية من النفع والضر!.

ثم قال الطبري :
(حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال:"فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون"، أمَنْ يعبد ربًّا واحدًا، أم من يعبد أربابًا كثيرة؟ ..) .

فهو يصرّح باتخاذهم أرباباً كثيرة!!

۞ وهذا النمرود قد أخبر عنه المولى –عز وجل- أنّه ادّعى الربوبية , فقال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)) البقرة: ٢٥٨ .

فهذا النمرود قد زعم أنّ الإحياء والإماتة من أفعاله , قال ابن كثير في تفسيرها :
(ومعنى قوله: { أَلَمْ تَرَ } أي: بقلبك يا محمد { إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ } أي: في وجود ربه. وذلك أنه أنكر أن يكون ثم إله غيره كما قال بعده فرعون لملئه: { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } [القصص:38] وما حمله على هذا الطغيان والكفر الغليظ والمعاندة الشديدة إلا تجبره، وطول مدته في الملك؛ وذلك أنه يقال: إنه مكث أربعمائة سنة في ملكه؛ ولهذا قال: { أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ } وكأنه طلب من إبراهيم دليلاً على وجود الرب الذي يدعو إليه , فقال إبراهيم: { رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } أي:  الدليل على وجوده حدوث هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها، وعدمها بعد وجودها. وهذا دليل على وجود الفاعل المختار ضرورة؛ لأنها لم تحدث بنفسها فلا بد لها من موجد أوجدها وهو الرب الذي أدعو إلى عبادته وحده لا شريك له ) .


۞ وبين القرآن سؤال فرعون لموسى وإنكاره رب العالمين , وكيف أجابه سيدنا موسى –عليه السلام- : ((قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)) . الشعراء:23 – ٢٦ . 


۞ وقد أخبر القرآن عن فرعون أنه قال : ((أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)) . النازعات: ٢٤

قال الطبري عند تفسير الآية "19" من سورة الشعراء :
(.... قال ابن زيد ، في قوله: ( وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) قال: ربيناك فينا وليدا ، فهذا الذي كافأتنا أن قتلت منا نفسا، وكفرت نعمتنا!. .... عن ابن عباس: ( وأنت من الكافرين ) يقول: كافرا للنعمة لأن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر. 
قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله ابن زيد أشبه بتأويل الآية، لأن فرعون لم يكن مقرا لله بالربوبية وإنما كان يزعم أنه هو الرب ، فغير جائز أن يقول لموسى إن كان موسى كان عنده على دينه يوم قتل القتيل على ما قاله السدي : فعلت الفعلة وأنت من الكافرين، الإيمان عنده: هو دينه الذي كان عليه موسى عنده، إلا أن يقول قائل: إنما أراد: وأنت من الكافرين يومئذ يا موسى، على قولك اليوم، فيكون ذلك وجها يتوجه. فتأويل الكلام إذن: وقتلت الذي قتلت منا وأنت من الكافرين نعمتنا عليك، وإحساننا إليك في قتلك إياه ) .


۞ وقال تعالى : ((لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ)) . الرعد: ١٨

قال الإمام الطبري في تفسيرها :
( يقول تعالى ذكره : وأما الذين لم يستجيبوا لله حين دعاهم إلى توحيده والإقرار بربوبيته ، ولم يطيعوه فيما أمرهم به،  ولم يتبعوا رسوله فيصدقوه فيما جاءهم به من عند ربهم ، فلو أن لهم ما في الأرض جميعا من شيء ومثله معه ملكا لهم، ثم قبل مثل ذلك منهم، وقبل منهم بدلا من العذاب الذي أعده الله لهم في نار جهنم وعوضا , لافتدوا به أنفسهم منه) .

فهو يصرح بدعوتهم إلى الإقرار بربوبيته .

وقال الطبري عند تفسير الآية "8" من سورة الأنعام , في قوله تعالى : ((وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ)) الأنعام: ٨ :

( يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء -المكذبون بآياتي، العادلون بي الأنداد والآلهة- ، يا محمد لك : لو دعوتهم إلى توحيدي والإقرار بربوبيتي ، وإذا أتيتهم من الآيات والعبر بما أتيتهم به، واحتججت عليهم بما احتججت عليهم مما قطعت به عذرهم: هلا نزل عليك ملك من السماء في صورته، يصدقك على ما جئتنا به، ويشهد لك بحقيقة ما تدعي من أن الله أرسلك إلينا! ) .

فيبيّن الإمام الطبري أن النبي –صلى الله عليه وسلم- دعاهم إلى الربوبية .

۞ وقال تعالى : ((قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)) . سبأ: ٢٢

قال الطبري في تفسيرها :
( يقول تعالى ذكره: فهذا فعلنا بولينا ومن أطاعنا، داود وسليمان الذي فعلنا بهما من إنعامنا عليهما النعم التي لا كفاء لها إذ شكرانا، وذاك فعلنا بسبأ الذين فعلنا بهم، إذ بطروا نعمتنا وكذبوا رسلنا وكفروا أيادينا، فقل يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم من قومك الجاحدين نعمنا عندهم : ادعوا أيها القوم الذين زعمتم أنهم لله شريك من دونه، فسلوهم أن يفعلوا بكم بعض أفعالنا بالذين وصفنا أمرهم من إنعام أو إياس، فإن لم يقدروا على ذلك فاعلموا أنكم مبطلون؛ لأن الشركة في الربوبية لا تصلح ولا تجوز) .

فهذا صريح في دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم- قومَه إلى الإيمان بربوبية الله تعالى , ويظهر منه أنّهم كانوا يعتقدون في أصنامهم الإنعام والإياس والشركة في الربوبية .

۞ وقال تعالى : ((وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )) . الأنعام: ٣

قال الطبري في تفسيرها :
(يقول تعالى ذكره: إن الذي له الألوهةُ التي لا تنبغي لغيره ، المستحقَّ عليكم إخلاصَ الحمد له بآلائه عندكم، أيها الناس، الذي يعدل به كفاركم مَن سواه ، هو الله الذي هو في السماوات وفي الأرض يعلم سِرَّكم وجَهْركم، فلا يخفى عليه شيء. يقول: فربكم الذي يستحقُّ عليكم الحمدَ ، ويجب عليكم إخلاصُ العبادة له ، هو هذا الذي صفته لا من لا يقدر لكم على ضرّ ولا نفع، ولا يعمل شيئًا، ولا يدفع عن نفسه سُوءًا أريد بها ) .


۞ وقال تعالى : ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا )) . النساء: ٣٦
قال الطبري في تفسيرها :
( يعني بذلك جل ثناؤه: وذِلُّوا لله بالطاعة، واخضعوا له بها، وأفردوه بالربوبية، وأخلصوا له الخضوع والذلة ، بالانتهاء إلى أمره، والانزجار عن نهيه، ولا تجعلوا له في الربوبية والعبادة شريكًا تعظمونه تعظيمكم إياه ) .

فشرك الجاهليين كان جامعاً للشرك في الربوبية والألوهية .

۞ وقال تعالى : ((قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) . آل عمران: ٩٥

قال الطبري في تفسيرها :
( وقوله: "وما كان من المشركين" ، يقول: لم يكن يشرك في عبادته أحدًا من خلقه. فكذلك أنتم أيضًا، أيها اليهود، فلا يتخذ بعضكم بعضًا أربابًا من دون الله تطيعونهم كطاعة إبراهيم ربه , وأنتم يا معشرَ عبدة الأوثان فلا تتخذوا الأوثان والأصنام أربابًا ، ولا تعبدوا شيئًا من دون الله ) .


۞ وقد أخبرنا الله تعالى أن المشركين لم يقاتلوا المسلمين إلا لإقرارهم بربوبيته تعالى , قال تعالى : ((أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)) . الحج: ٣٩ – ٤٠ .

فهذه الآية تدلّ أن المشركين لم يُخرجوا المؤمنين من ديارهم , إلا لتوحيدهم اللهَ تعالى في ربوبيته وقولهم ربنا الله!


وممّا سبق من الآيات الكريمات , يتبيّن خصام الأنبياء أقوامَهم في الربوبية ودعوتهم إليها .

عثمان محمد النابلسي منتدى الأصلين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق