الأحد، 23 أبريل 2017

ابن عبدالوهاب خالف العلماء في حمله نصوص الربوبية على الألوهية

كلام العلماء في آية الميثاق وسؤال القبر :

وأقول أيضاً : هل ذهب أحد من الأئمة المحققين إلى ما ذهب إليه ابن عبد الوهاب في كلامه السابق , مِن حَمْلِه نصوصََ الربوبية على الألوهية؟ أم أنهم أجرَوها وأبقوها على الربوبية لاعتقادهم التلازم بين التوحيدين؟!

إن المتأمل نصوص العلماء من المتقدمين والمتأخرين , يجد أنّ مؤسس الوهابية خالف أعلام الإسلام في حمله نصوص الربوبية على الألوهية , وإليك أقوال الأئمة في أجلى النصوص التي يستشهد بها الوهابية على ذلك , وهي آية العهد والميثاق , وحديث سؤال القبر:

* قال تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين } الأعراف: ١٧٢

قال أبو جعفر الطبري المتوفى عام "310هـ" في تفسيره (13 /249-250): 
( واختلف في قوله: (دْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين ) ، فقال السدي: هو خبرٌ من الله عن نفسه وملائكته، أنه جل ثناؤه قال هو وملائكته إذ أقرَّ بنو آدم بربوبيته حين قال لهم ألست بربكم؟ فقالوا: "بلى". فتأويل الكلام على هذا التأويل: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى". فقال الله وملائكته: شهدنا عليكم بإقراركم بأن الله ربكم ، كيلا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. وقد ذكرت الرواية عنه بذلك فيما مضى، والخبرَ الآخرَ الذي روي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك.
وقال آخرون: ذلك خبر من الله عن قيل بعض بني آدم لبعض، حين أشهد الله بعضهم على بعض. وقالوا: معنى قوله: (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ): وأشهد بعضهم على بعضٍ بإقرارهم بذلك ، وقد ذكرت الرواية بذلك أيضًا عمن قاله قبلُ... )

فلم يقل أنّهم أقروا بالألوهية لا بالربوبية , وأنّ المقصود بالرب هنا هو الإله لا الرب!!

وقال أبو الليث السمرقندي المتوفى عام "375هـ" في بحر العلوم (1/59 , ط 1 , دار الكتب العلمية) :
( وقوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ } أي : اذكر يا محمد إذا أخذ ربك . ويقال : معناه وقد أخذ ربك من بني آدم من ظهور بني آدم { ذُرّياتهم}( ) يعني : أَخَذَ رَبُّكَ مِن بني آدم ذريتهم . وقال بعضهم : يعني الذرية التي تخرج وقتاً بعد وقت إلى يوم القيامة { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ } فقال لهم : { أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى } يعني : إنَّ كل بالغ تشهد له خلقته بأن الله تعالى واحد { شَهِدْنَا } يعني : قال الله تعالى شهدنا { أَن تَقُولُواْ } أي لكيلا تقولوا . ويقال : هذا كراهة أن يقولوا : { يَوْمَ القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافلين } ) .

وقال أبو الحسن الماوردي المتوفى عام "450هـ" في النكت والعيون (2/278 , ط دار الكتب العلمية ومؤسسة الكتب الثقافية):
(وفي { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } قولان : أحدهما : هو أنه دلهم على أنفسهم بما شهدوه من قدرته ، قاله بعض المتكلمين . والثاني : هو إشهادهم على أنفسهم بما اعترفوا من ربوبيته ووحدانيته ) .

وقال أبو الحسن الواحدي المتوفى عام "468هـ" في الوجيز:
({ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم } أخرج الله تعالى ذريَّة آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء ، وجميعُ ذلك أخرجه من صلب آدم مثل الذَّرِّ ، وأخذ عليهم الميثاق أنَّه خالقهم ، وأنَّهم مصنوعون ، فاعترفوا بذلك وقبلوا ذلك بعد أن ركَّب فيهم عقولاً ، وذلك قوله : { وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم } أي : قال : ألستُ بربكم { قالوا بلى } فأقرُّوا له بالربوبيَّة ) .

وقال أبو القاسم الزمخشري المتوفى عام "538هـ" في الكشاف :
(قوله : { أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى شَهِدْنَا } من باب التمثيل والتخييل ! ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته ، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى ، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم : ألست بربكم؟ وكأنهم قالوا : بلى أنت ربنا ، شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك).

وقال أبو الفرج ابن الجوزي المتوفى عام "597هـ" في زاد المسير (3/285 , ط 3 , المكتب الإسلامي):
(قوله تعالى : { ألست بربكم } والمعنى : وقال لهم : ألست بربكم؟ وهذا سؤال تقرير . قالوا : بلى شهدنا أنك ربنا) .

وقال أبو الخير البيضاوي المتوفى عام "691هـ" في أنوار التنزيل :
({ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى شَهِدْنَا} أي ونصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الاقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم : { قَالُواْ بلى } ) .

* وقد جاء في صحيح مسلم وغيره حديث سؤال القبر , وفيه أن الملائكة يسألون العبد : (مَنْ رَبّك؟) .

والمحدثون وشراح الحديث اكتفوا بإيراد الحديث كما هو دون شرحهم معنى (من ربك؟) لوضوحها , ولم يقل أحد منهم أن السؤال عن الألوهية دون الربوبية كما قال رئيس الوهابية , إلا أن الملا علي قاري في شرحه مسند الإمام أبي حنيفة (1/366) حمل الربوبية على الخلق والرزق لا على الألوهية , فقال :
( (أتاه الملك) أي جليسه ، فلا ينافي ما ورد من أنه أتاه ملكان أسودان أزرقان ، يقال لأحدهما نكير ، وللآخر منكر (فأجلسه) أي أحدهما ، أو كل منهما (فقال : من ربك؟) الذي خلقك ورزقك , (فقال) أي المؤمن (الله) أي ربي ) .

فأنت ترى أنّ الوهابية خالفوا الأئمة في حملهم الربوبية في هذين النصين على الألوهية , ولم يحملوها على الأقل على معنى يشمل الرب والإله , لأنهم يرون أنّ الربوبية الكاملة متحققة عند المشركين(1) , وأنها: "ما يمتحن أحد بها" , فلذلك تراه قام بِلَيّ  أعناق النصوص لتوافق مشربه , وهكذا عادة أهل البدع في تحريف الكلم عن مواضعه , إذا خالف ما أسسوه من عقائد ناتجة عن أهوائهم , ونصوص الأئمة السابقة تبيّن أنهم لم يحملوا الربوبية على الألوهية كما فعل هو , بل أبقوها كما هي دالّة على الربوبية المستلزمة للألوهية .

وبسبب هذا الفهم الباطل قال ابن عبد الوهاب "في الدرر السنية" في رسالة إلى قاضي الدرعية الشيخ عبد الله ابن عيسى (10/51) :
( وأنا ذلك الوقت لا أعرف معنى (لا إله الا الله)!! ولا أعرف دين الاسلام!! ، قبل هذا الخير الذي مَنَّ الله به ، وكذلك مشايخي ما منهم رجل عرف ذلك!! , فمن زعم من علماء العارض أنه عرف معنى (لا اله الا الله) أو عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت! ، أو زعم عن مشايخه أن أحداً عرف ذلك ، فقد كذب وافترى ولبّس على الناس ومدح نفسه بما ليس فيه!!!) .

فانظر يا رعاك الله إلى ماذا جرّ فهمه الباطل لكلمة التوحيد! فقد كفّر مشايخه وكفّر نفسه وكفّر العلماء والمشايخ حوله , ولا حول ولا قوة إلا بالله , فكل بدعة تجرّّ إلى بدع أخرى , نسأل الله السلامة . (2)


-------------------منتدى الأصلين -------------------------------------
1- قال مؤسس الوهابية في كشف الشبهات : (فإن قال : هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام ! كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام ، أم كيف تجعلون الأنبياء أصناما فجاوبه بما تقدم . فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله...) الخ ترهاته

فهو يرى أنهم موحدون في الربوبية توحيداً كاملاً .

2- وهذه الجرأة تذكرني بما قاله إمامه ابن تيمية في حق آبائه , حيث قال في مجموع الفتاوى (6/258) عن مسألة حلول الحوادث : (وَلَكِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَسْأَلَةُ الزِّيَارَةِ وَغَيْرُهُمَا حَدَثَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهَا شُبَهٌ , وَأَنَا وَغَيْرِي كُنَّا عَلَى مَذْهَبِ الْآبَاءِ فِي ذَلِكَ نَقُولُ فِي الْأَصْلَيْنِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ ؛ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَنَا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ!! دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ نَتَّبِعَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَوْ نَتَّبِعَ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا , فَكَانَ الْوَاجِبُ هُوَ اتِّبَاعُ الرَّسُولِ!!!) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق