بعض الأدلة الشرعية في أن الاستغاثة وطلب الشفاعة من النبي -صلى الله عليه وسلم- ليست شركًا:

1- قال تعالى : { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } " مريم 87" .
قال المفسرون : العهد هو قول : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
وقيل معناه : لا يشفع الشافعون إلا لمن اتخذ عند – أي – مع الرحمن عهدا ، يعني المؤمنين أهل لا إله إلا الله .
وقيل : ملّك الله المؤمنين الشفاعة ، فلا يشفع إلا من شهد لا إله إلا الله . أي لا يشفع إلا مؤمن .
وعلى كل حال ، فقد أخبر الله تعالى أنه ملّك المؤمنين الشفاعة ، فطلبُها ممّن يملكها -بتمليك الله- لا مانع منه ، كمن طلب المال وغيره ممن ملّكه الله له .
و مراد المنادي له والمتوسل به -صلى الله عليه وسلم-، إنما هو الشفاعة ، وشفاعته صلى الله عليه و على آله وسلم هي الدعاء [للمتوسّل]، وهو حاصل له ولسائر الموتى من المؤمنين ، كما ورد في الأحاديث الصحيحة .

والدعاء من الحي والميت هو شفاعةٌ ، كما ورد في صلاة الجنازة أن الداعي يقول : (وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له بين يديك) . واستغفارهم شفاعة و دعاء ، كما هو ظاهر .

وأما الأحاديث الصحيحة في طلب الصحابة الكرام منه صلى الله عليه و على آله وسلم ولم ينكرها عليهم ، فكثيرة شهيرة ولم يقل لهم : حتى يأذن الله لي ، وأنتم طلبتم مني قبل الإذن فقد أشركتم !!.

فدلّ على أن ذلك جائز مطلقاً في حال حياته وموته -صلى الله عليه وسلم-، لأنه -صلى الله عليه وسلم-بعد موته حيّ في قبره بالاتفاق , وسيأتي مزيد بيان لذلك عند الكلام على سماع الأموات .

قال ابن رجب الحنبلي : {وقد صحّ عرْضُ الأعمال كلها على رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم لأنه لهم بمنزلة الوالد ، خرّج البزار في " مسنده " ، قال  رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم : " حياتي خير لكم تُحدثون ويحدث لكم ، و وفاتي خير لكم ، تُعرض عليّ أعمالكم ، فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر استغفرتُ الله لكم "} .

وهذا الحديث خرّجه البزار في مسنده و حسّنه الحافظ العراقي في "طرح التثريب" وصحّحه الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" و الإمام القسطلاني في "إرشاد الساري شرح صحيح البخاري"، و كذلك صحّحه الحافظ السيوطي في "الخصائص" والإمام مُلاّ علي قاري و الشهاب الخفاجي في شرحيهما على "الشفا" ، و غيرهم من الحفاظ , فمن ثبت عنده الحديث ساغ أن يستدل به بلا ريب .

والأحاديث في حياة الأنبياء عامة، و حياة نبينا صلى الله عليه و سلم في قبره خاصة، كثيرة و هي صحيحة كما صرّح به الأئمة الحفاظ: كالبيهقي و ابن حجر العسقلاني ( انظر شرح الحديث 3185 في "فتح الباري") والسيوطي و غيرهم .

وقال الشيخ العلامة المحدّث السيد عبد الله بن الصدّيق الغمّاري في "الرد المحكم المتين":
{ وأنا أذكر هنا خلاصة وجيزة جامعة كتبها شقيقنا الحافظ المجتهد السيد أحمد محمد الصدّيق الغمّاري، قال حفظه الله: الأنبياء أحياء في قبورهم، وأجسادهم لا تبلى، الإجماع منعقد على هذا كما حكاه غير واحد منهم ابن حزم والسخاوي في "المقاصد الحسنة" وغيرهما، للنصوص الصحيحة الصريحة والدلائل الكثيرة القاطعة، فمن أفتى بفناء أجسادهم فقد خرق الإجماع، وكذّب بما صح عن الله ورسوله. فقد ذكر الله تعالى في غير آية أن الشهداء أحياء في قبورهم، وأجمع المسلمون على أن الأنبياء أرفع درجة من الشهداء. وصحّ عن النبي -بطريق التواتر- أن الأنبياء أحياء في قبورهم وأن أجسادهم لا تبلى، و نصّ على التواتر: الكتاني والسيوطي في "إتحاف الأذكياء بحياة الأنبياء". وقد نصّ الإمام القرطبي على أن الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال إلى حال، فموت الأنبياء إنما هو راجع إلى أنهم غُيّبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياء *، وذلك كالحال في الملائكة فإنهم أحياء موجودون ولا نراهم. ويحقق ما ذكره هؤلاء الأئمة من تواتر الأحاديث الدالة على حياة الأنبياء، أن حديث عرض الأعمال عليه صلى الله عليه وآله وسلم واستغفاره لأمته وَرَد من عشرين طريقاً، وحديث "إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" ورد من طرق كثيرة جمعها الحافظ المنذري في جزء مخصوص ذكره في اختصاره لسنن أبي داود، وحديث الإسراء وإخباره صلى الله عليه وسلم فيه أنه رأى الأنبياء يصلّون، وغير ذلك مما هو صريح في حياتهم ورد من طرق أربعين صحابياً، ذكرهم الكتاني. ومنها حديث « مررتُ على موسى وهو قائم يصلي في قبره » أخرجه مسلم. وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم بالأنبياء واجتماعه بهم [في الإسراء] كما تقدم وأنها متواترة وورد من ثلاثة طرق عند عبد الرزاق والطبراني..} اهـ .

- وقد ذكر ابن القيم كلام الإمام القرطبي عن حياة الأنبياء في كتابه "الروح" ص33 مستشهدا به موافقا عليه.

2- قال تعالى : (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ) .
وتخصيصها بما قبل الموت تخصيص بدون حجة , وترك المطلق على إطلاقة مما اتفق عليه أهل الحق ، والتقييد لا يكون إلا بحجة , ولا حجة هنا تقيد الآية ، بل فقهاء المذاهب حتى الحنابلة على شمول الآية لما بعد الموت , والأنبياء أحياء في قبورهم) .

3- عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه : " أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي (صلى الله عليه وسلم ) فقال: ادع الله أن يعافيني قال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال: فادعه، قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: ((اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتُقضى لِي اللهم فشفعه في ))
رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم وابن خزيمة في صحيحه والطبراني وابن السني .وصححه الطبراني وابن خزيمة والترمذي والحاكم ووافقه الذهبي وقالا على شرط البخاري.

ولا يخفى أن هذا الحديث من دلائل نبوته صلى الله عليه و على آله وسلم ومعجزاته ، حيث أن رجلا أعمى أبصر ببركته صلى الله عليه و على آله وسلم كما كان عيسى بن مريم يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله .
وترجم له المحدّثون بـقولهم: " باب من له إلى الله حاجة ، أو إلى أحد من خلقه " .

وذكره الحافظ الجزري في " الحصن الحصين " ، والحافظ السيوطي في " الجامع الصغير " ، وشرْحه للمناوي ، و قال الإمام علي القاري :
{ " قوله ( " يا محمد " ) : إلتفات وتضرع لديه ، ليتوجه النبي -- بروحه إلى الله تعالى ، ويُغني السائل عما سواه ، وعن التوسل إلى غير مولاه، قائلاً : " إني أتوجه بك " أي بذريعتك ، الذريعة :الوسيلة ، والباء للاستعانة ، و " إلى ربي في حاجتي هذه " ، وهي المقصودة المعهودة " لتُقضى لي " . ويمكن أن يكون التقدير : ليقضي الله الحاجة لأجلك ، بل هذا هو الظاهر . وفي نسخة : " لتَقضي " بصيغة الفاعل ، أي : لتقضي أنت يا رسول الله الحاجة لي . والمعنى : لتكون سبباً لحصول حاجتي و وصول مرادي ، فالإسناد مجازي .}.انتهى .

قال المجوّزون [وهم جماهير الأئمة] : فقوله في الحديث : " يا محمد ، إني أتوجه بك في حاجتي لتقضى.. : نداء وطلب منه -صلى الله عليه وسلم- ، واستغاثة به وتوسل ، والنبي -صلى الله عليه وسلم-كان غائباً وقال له : " وإن كانت لك حاجة ، فمثل ذلك " ، وحاشا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أن يعلّم أمّته الشرك وقد بُعث لهدمه !!.

فدلّ أن النداء له والطلب منه - صلى الله عليه وسلم- ليس بشرك ، كما يعنيه الوهابية .

وأجاب ابن تيمية عن هذا الحديث بجواب غريب عجيب! وهو أن الأعمى صوّر صورة النبي -- في ذهنه! وخاطَبها كما يخاطب الإنسان من يتصوره ممن يحبه أو يبغضه!! ، وإن لم يكن حاضراً!
وهذا عجيب جداً!! فإن نداء الصورة والطلب منها مع كونها وهمية خيالية ، أقوى في الحجة على المانع , مع كون ذلك خلاف الأصل , إذ الأصل في مثل هذه لصيغة "يا محمد" الطلب!

فهذا الحديث الصحيح المجمع على صحته , دليل لمن يجوّز نداء النبي -- في غيبته وبعد موته .

4- والدليل على أن هذا الحديث عامّ للحياة و بعدها : ما رواه البيهقي ، والطبراني بسند صحيح عن عثمان بن حنيف راوي الحديث الأول : أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأْ ثم ائت المسجد فصلّ فيه ركعتين ثم قلْ: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي ،  وتذكر حاجتك ، و رُحْ إليّ حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى باب عثمان، فجاء البوّاب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له؛ ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلمتَه فيّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمتُه ولكن شهدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ائت الميضأة فتوضأ ثم صلّ ركعتين ثم ادْعُ بهذه الكلمات. فقال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط.}.اهـ

5- روى الحاكم في " المستدرك " ، وأبو عوانة في " صحيحه " ، والبزار بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه و على آله وسلم أنه قال : {إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة ، فلْيناد : يا عباد الله احْبِسوا ، فإن لله حاضراً سيجيبه} .اهـ

وقد ذكر هذا الحديث: ابنُ تيمية في كتاب " الكلم الطيب "( فصل: في الدابة تنفلت) عن أبي عوانة ، و ابن القيم في " الكلم الطيب " له أيضا ، و الإمام النووي في " الأذكار " ، والحافظ الجزري في " الحصن الحصين " وغيرهم ممن لا يُحصى من المحدّثين ، وهذا اللفظ رواية ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعاً .

وأما قول الوهابية : "إن هذا نداء لحاضر" فكذب ظاهر ، فإن عباد الله المدعُوّين - وإن كانوا حاضرين بالنسبة لعلم الله الذي لا يغيب عنه شيء- ، فهم غائبون بالنسبة لمن يناديهم .

وكذلك الأنبياء والصالحون وأهل القبور ، فإنهم أحياء في قبورهم، وأرواحهم موجودة , ولكن غائبون بالنسبة لمن يناديهم .ولهذا أمر النبي صلى الله عليه و على آله وسلم أمته أن ينادوهم ويخاطبوهم مخاطبة الحاضرين مع أنهم غائبون عن العين ، بل ربما يُسمع منهم ردّ السلام وقراءة القرآن والأذان من داخل قبورهم ، كما ذكر ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم " .

ومما قاله ابن تيمية فيه (2/227):
{ ولا يدخل في هذا الباب : ما يُروى من أن قوما سمعوا ردّ السلام من قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، أو قبور غيره من الصالحين . وأن سعيد بن المسيب كان يسمع الأذان من القبر ليالي الحرة ونحو ذلك . فهذا كله حق ليس مما نحن فيه ، والأمر أجلّ من ذلك وأعظم..}.
وهذا كاف للرد على الوهابية في إثبات الفعل والإدراك للأموات .

فليس نداء النبي -صلى الله عليه وسلم- وخطابُه أقل من عباد الله الذين أَمر نبينا صلى الله عليه و على آله وسلم أن نناديهم ونستعين بهم في ردّ الدابة ، ولكن مقصوده صلى الله عليه و على آله وسلم هو التسبّب ، فإن الله ربط الأمور بالأسباب ، والنبي صلى الله عليه و على آله وسلم أفضل الوسائل والأسباب ، خصوصاً يوم القيامة .
ولكون النبي صلى الله عليه وسلم حاضراً مع موته، شُرع لنا خطابُه والتسليم عليه في الصلاة ، وهو قولنا : "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" . ولولا ذلك لكان هذا الخطاب عبثاً ، وحاشا هذه الشريعة الغراء العبث فيها .

6- قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": { (باب ما يقول إذا انفلتت دابته أو أراد غوثا أو أضل شيئا) عن عتبة بن غزوان عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أضل أحدكم شيئا أو أراد عونا وهو بأرض ليس بها أنيس فلْيقل: يا عباد الله أعينوني [و في نسخة:أغيثوني] ، فإن لله عبادا لا نراهم ". وقد جُرّب ذلك.
رواه الطبراني ورجاله وُثّقوا على ضعف في بعضهم إلا أن يزيد بن علي لم يدرك عتبة.
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فلْيناد: أعينوا عبادَ الله" .رواه الطبراني ورجاله ثقات.}.اهـ

فهبْ أن عباد الله المدعُوّين حاضرون –كما قال الوهابية- ، ولكن لماّ لم يرهم الداعي لهم ، كيف يهتدي إلى الطريق؟ ، أو كيف يحصل له مقصوده في مثل الهداية إلى الطريق وهو لم يرهم؟ وكيف حصلت له الهداية بمجرد هذا الكلام لولا أنهم وسيلة و سبب ، و الله هو الفعال ؟!
فكذلك خطاب النبي صلى الله عليه و على آله وسلم ، أقل مراتبه أن يكون كالملائكة ، مع أنه -صلى الله عليه وسلم-أفضلهم وأقربهم وسيلة عند ربه تعالى .
وقد عمل بهذا الحديث مجموعة من الأئمة المتفق على إمامتهم , منهم :
الإمام الطبراني : فبعد أن ذكر هذا الحديث قال وقد جرب ذلك) .
الإمام أحمد بن حنبل : ففي المسائل وشعب الإيمان : قال عبد الله بن الإمام أحمد : سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج منها اثنتين راكباً ، وثلاثة ماشياً ، أو ثنتين ماشياً وثلاثة راكباً ، فضللت الطريق في حجة وكنت ماشياً فجعلت أقول : يا عباد الله دلونا على الطريق ، فلم أزل أقل ذلك حتى  وقعت على الطريق ، أو كما قال أبي .
الإمام النووي وبعض شيوخه الكبار في العلم : حيث قال في الأذكار
(حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه انفلتت له دابة أظنها بغلةوكان يعرف هذا الحديث فقاله، فحبسها الله عليهم في الحال، وكنت أنا مرةً مع جماعة فانفلتت منا بهيمة وعجزوا عنها فقلته فوقفت في الحال يغير سوى هذا الكلام) .
فهل كان هؤلاء الأئمة يجهلون الشرك من التوحيد؟!

7- روى البيهقي و ابن أبى شيبة عن مالك الدار رضي الله تعالى عنه - وكان خازن عمر رضي الله تعالى عنه- قال :
{أصاب المدينة قحط في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، فجاء رجل إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم فشكا له فقال : يا رسول الله إسْتسق لأمتك فإنهم قد هلكوا .
فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال : " ائت عمر وأقْرئه السلام وأخبره أنهم مُسْقَوْن" الحديث .}اهـ
وقد ذكر ابن تيمية هذا الحديث في " اقتضاء الصراط المستقيم " وأقرّه ولم ينكره , فقال (2/228) :
{ وكذلك أيضا ما يُروى : " أن رجلا جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فشكا إليه الجدب عام الرمادة ، فرآه وهو يأمره أن يأتي عمر ، فيأمره أن يخرج يستسقي بالناس" ؛ فإن هذا ليس من هذا الباب . ومثل هذا يقع كثيرا لمن هو دون النبي صلى الله عليه و سلم ، و أعرِف من هذا وقائع. 
وكذلك سؤال بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلم [ يعني في قبره] - أو لغيره من أمته- حاجةً فتُقضى له ، فإن هذا قد وقع كثيرا ، وليس هو مما نحن فيه .  وعليك أن  تعلم : أن إجابة النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره لهؤلاء السائلين ، ليس مما يدل على استحباب السؤال ، فإنه هو القائل صلى الله عليه وسلم : « إن أحدهم ليسألني المسألة فأعطيه إياها ، فيخرج بها يتأبطها نارا " ، فقالوا : يا رسول الله ، فلم تعطيهم؟ قال : " يأبون إلا أن يسألوني ، ويأبى الله لي البخل ».
وأكثر هؤلاء السائلين الملحّين [عند قبره]-لِماَ هم فيه من الحال- لو لم يُجابوا لاضطرب إيمانهم ، كما أن السائلين به في الحياة كانوا كذلك ، وفيهم من أُجيب وأُمر بالخروج من المدينة ..}. اهـ كلامه.

أورد الحافظ ابن كثير القصة في" البداية والنهاية" ( 7 / 91 ، 92 ) ، عن الحافظ أبي بكر البيهقي بإسناده إلى أبي صالح عن مالك . وقال ابن كثير : « وهذا إسناد صحيح » ( 7 / 92 ).

ولا يخفى أن هذه المسألة والسؤال والشكوى للنبي صلى الله عليه و على آله وسلم وقعت في زمن الصحابة وخير القرون ، فلو كان ذلك ممنوعاً لم يفعله الصحابي الذي هو أعلم بالدين من سائر علماء المسلمين ، ولم يُنكَر عليه مع وجود الصحابة الكرام ، فعُلم أن هذا أمر معلوم عندهم جوازُه واستحبابه ، و إلا لنُقل عن واحد منهم إنكاره .