خُلاصة التحقيق و البيان
في تحديد موقع نجد الذي تكون فيه الزلازل و الفتن وَ منهُ يطلع قرن الشيطان
في تحديد موقع نجد الذي تكون فيه الزلازل و الفتن وَ منهُ يطلع قرن الشيطان
هذا بيان لِلحقيقة وَ فصل المقال في هذه المسألة بما لا يرُدُّهُ إِلاّ مُعانِدٌ مُكابِر للواقع .. فنقُول :
ليُعلَمْ أوَّلاً أنَّهُ ليس في قلبِنا ضغينةٌ شَـخْصِيَّة على أحَدٍ ، و الحمْدُ لِلّه ، وَ لا حُكْمٌ مُسْبَقٌ على أحَدٍ من خلْقِ الله لِمُجَرَّدِ ولادتِهِ أو نَشْـأَتِهِ في بلدٍ مُعَيَّن .. معاذَ الله .. كُنْ مُؤْمِناً وَ اتَّقِ اللهَ حيْثُما كُنْتَ وَ لا يَضُرُّكَ بعدَها ابن مَنْ كُنْتَ ، وَ إِنَّما المقْصُود مُجَرَّدُ بيان الحقائق العِلْمِيَّة و التحذيرُ من الفِتْنةِ وَ إِظْهارُ الحقِّ بإِذْنِ الله . لِيَتبَصَّرَ مُسْـتَبْصِرٌ وَ يَتُوبَ تائِبٌ وَ يَرْشُـدَ مُسْـتَرْشِـدٌ إِنْ شـاء الله ...
وَ قد أورَدَ بعضُ الناس إحدى روايات الحديث الذي فيه التحذير من فتنة نجد ، لكِنَّهُ أتبَعها بنقل تخبُّطات للألباني و تخليطاته في التخريج و التعليق ، (و دافِعُ الألباني وَ أمثالِهِ معرُوفٌ مَفْضُوح ... ) :
" عن ابنِ عمر (رضي اللهُ عنهما) مرفوعاً :" اللهم بارك فى شامنا و فى يمننا قال رجل و فى شرقنا فقال اللهم بارك فى شامنا و فى يمننا ، قال رجل و فى شرقنا ؟!. قال اللهم بارك فى شامنا و يمننا ، قال رجل و فى شرقنا ؟!.. قالَ إن من هنالك يطلع قرن الشيطان و به تسعة أعشار الكفر و بهِ الداء العضال " . قال الهيثميُّ رحمه الله في مجمع الزوائِد : رواه الإِمام أحمد و الطبرانى فى الأوسط ، و رجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن عطاء ، و هو ثقة ، و فيه خلاف لا يَضُرُّ . و أخرجه أيضا أبو يعلى فى معجمه " .
فَقُلْنا : " يكفي هذا ... و لا داعِي للتشويش بمغالطات الألباني و تعَدِّيهِ على الصنعة بغير أهلِيّة ... و لن اتتبَّع ، الآنَ ، المهازِلَ و الفضائحَ التي ظهرت مِنْ تصرُّفاتِهِ الغريبة ، في تِلْكَ التخريجات السقيمة و التعلِيقات المُريبَة . إِلاّ أنَّهُ لا يُقبَلُ من أحَدٍ كلامٌ يُخالِفُ الحديث الصحيح و الواقع المُسَـلّمَ المَشْـهُورَ ... فَمَزاعِم الألبانِيِّ ، و كُلّ مَنْ وافقَ شُذُوذَهُ وَ تحايُلَهُ وَ مُحاباته ، مردودةٌ لأنَّها تُخالِفُ الرواياتِ الثابتةَ المَشْـهُورَةَ و واقعَ مَعالِمِ الأرضِ المعروفةِ عند العَرَبِ وَ العَجَمِ . وَ أغرَبُ ما في تصرُّفاتِهِم ( في تعدِّيهِم على صنعة الحديث بلا أهلِيَّة) ترجيحُهُم للروايةِ الشـاذّةِ التي وقع فيها : " وَ في عرقِنا " المُصَحَّفة (عَمْداً أوْ خطاً) عن : " وَ في شَرقِنا " ثُمَّ تحريفها إلى :" عراقنا " .. رَجَّحُوها بهَواهُم على سـائر الروايات المَشْهُورة الصحيحة و الحسنة التي تبلغ نحو مائة رواية فضلاً عن شواهِدِها ... مُخالِفِينَ بذلك جميع أُصُول الحديث و عُلُومَ المُصطلح .
1 - فمجْموع الروايات الصحيحة يُفيدُ الجَزْم بأنَّ المقصودَ قَطْعاً هُوَ : نجْدٌ المَعْهُوُد ، هذا الذي فيه اليومَ " الرياض " وَ " الدرعِيّة " من حيثُ خرج " بنْ عبد الوهّاب " وَ مُكَفِرُو أُمّةِ سيِّدِ ساداتِ الأحباب (صلّى اللهُ عليه و سَـلَّم) ... لأنَّهُ هو الذي في مشرق الحِجازِ المبارك و المدينة النبوِيّة الطيّبة المُقَدَّسة على منوِّرِها أفضلً الصلاة و السلام ، بالضَبْطِ ، لا العِراق فإِنَّه (من المدينة المنورة) إلى شمال أكثر منه إلى شرق ، و لو أراد (صلّى اللهُ عليه و سلّم) بهذه الأحاديث العِراقَ بعينِهِ لأشار نحو شمال شرقِيّ مسجِدِه الشَـريف آنذاك ، أَيْ قِبَلَ الطرف الشرقِيّ مِنْ جبل أُحُد الذي هو في شمال المدينة لا نحو المَشْرِقِ رأساً مِمّا يلِي القِبلِيّ من بيوته المقدّسة المباركة ، عليه الصلاة و السلام ...
فإِنّا لو مدَدْنا نحوَ المشرِقِ خطّاً مُستقيماً من منبَرِهِ المبارك ، حيثُ أعلَنَ صلّى اللهُ عليه و سلّم هذا التحذِيرَ الخطير ، يَمُرُّ بجانِبِ القِبْلِيّ مِنْ حُجراتِهِ الشريفة الأمامِيَّة ، لَمَا وقعَ هذا الخطّ إِلاّ على منطقة الرياض و الدرعِيّة (المُقابلة للحجاز مِن جهة مَشْـرِقِهِ تماماً) ، و كفى بهذا معجِزةً نبوِيَّةً باهِرة في غاية الدِقّة و التعيين .
( وَ يُمكِن الإِسْـتِئْناس بما يظهر على هذا الرابط :
https://www.google.com.au/maps/@25.1...698,5.5z?hl=en ) .
و النُجودُ المعروفةُ بأسماءِها عند العربِ ، غير 1 - نجد المشهور الذي هو في مشرق الحجاز ، عِدَّةٌ هِيَ :
2 - نجْدُ ألْوَذ وَ 3 - نجدُ أجأ وَ 4 - نجدُ برق وَ 5 - نجدُ خال وَ 6 - نجدُ الشَـرى وَ 7 - نجدُ عُفْرٍ وَ 8 - نجدُ العُقاب وَ 9 - نَجْدُ كَبْكَب وَ 10 - نجْدُ مَرِيع وَ 111 - نجدُ اليمن ... ذكرها الشيخ ياقوت في معجمهِ ، وَ غيْرُهُ قَبْلَهُ كثيرون من المحققين ، ليس فيها نجدٌ يُقصَدُ بِهِ نَفسُ العِراقِ بِعَيْنِهِ .
و عند كلامِه عن نجد اليمن: نقل عن أبي زياد قال : " فَأَمّا ديار همدان وَ أشْـعَر و كِنْدة و خولان ، فإِنَّها مُفترشَـةٌ في أعراضِ اليمَنِ ، وَ في أضعافِها مخالِيفُ وَ زُرُوعٌ و بِها بَوادٍ وَ قُرىً مُشْـتَمِلَةٌ على بعضِ تهامةَ و بعضِ نجدِ اليمَنِ في شَـرْقِيِّ تِهامةَ ... قال :" وَ نجدُ اليَمَنِ غَيْرُ نجدِ الحِجازِ غَيْرَ أَنَّ جنوبِيَّ نجدِ الحِجازِ يَتَّصِلُ بِشـمالِيِّ نجدِ اليَمَنِ ، و بَيْنَ النَجْدَيْنِ وَ عُمانَ بَرِّيَّةٌ مُمتَنِعةٌ ... " إِهـ .
... قُولُهُ :" ... و بَيْنَ النَجْدَيْنِ وَ عُمانَ بَرِّيَّةٌ مُمتَنِعةٌ ... " إهـ . الظاهر أنَّ هذه البرِّيّة الممتنعة هي ما يُعرَفُ اليومَ بــ :" الربع الخالي " ، و اللهُ أعلم .
هذا .. وَ لو لم يَرِد إِلاّ حديث أبي مسعودٍ رضي الله عنه الذي في صحيح مُسلِم رحمه اللهُ " ... وَ إِنَّ القَسْـوَةَ وَ غِلَظَ القُلوبِ في الفدّادينَ عِنْدَ أُصولِ أذنابِ الإِبِلِ حيثُ يَطلُعُ قرنا الشيطان في ربيعةَ وَ مُضر " لكفى في تبيين المُراد و تحديد المَفاد . فكيفَ و قد صحَّ عندهُ أيضاً من طريق الزهرِيّ عن سعيد بن المُسَيَّب عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه في جملة حديثهِ :" ... ... و الفخْرُ وَ الخُيلاءُ في الفَدّادِينَ أهلِ الوبَرِ قِبَلَ مَطلِعِ الشمسِ " ، و من حديث أبي صالح عنهُ أيضاً مرفوعاً :" ... ... رَاْسُ الكُفْرِ قِبَلَ المَشْرِق " ، و حديث ابن جُريج قال أخبرني أبو الزُبَير أنَّهُ سَمِعَ جابِرَ بْنَ عبْدِ اللهِ رضي اللهُ عنهُ يقُولُ :" قالَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه و سلّم :" غِلَظُ القُلوبِ و الجفاءُ في المشرِقِ ، وَ الإِيمانُ في أَهلِ الحِجازِ " ؟.!.؟.!.؟.! ...
2 - و واقع معالم الأرض المعروف عند العرب و العجم أنَّ العراق غير نجد ، تماماً ... و الذي لا يُمَيِّزُ بين نفس بلاد العِراقِ وَ موقع ذات عِرْقٍ مِنْ ناحِية نجدٍ فلا كلام معهُ في هذا الشأن ...
قال نوح بن جرير الخطَفِيّ :
" ألا قَدْ أرى أَنَّ المَنايا تُصِيبُنِي *** فَما لِيَ عنهُنَّ انصِرافٌ وَ لا بُدُّ
أَ ذا العَرْشِ لا تجعَلْ بِبَغدادَ مِيتَتِي *** وَ لكِنْ بِنَجْدٍ حبَّذا بلَداً نَجْدُ
وَ قال أعرابِيٌّ آخَرُ :" أَ ذا العَرْشِ لا تجعَلْ بِبَغدادَ مِيتَتِي *** وَ لكِنْ بِنَجْدٍ حبَّذا بلَداً نَجْدُ
ألا هَلْ لِمَحْزُونٍ بِبَغدادَ نازِحٍ *** إِذا ما بَكا جَهْدَ البُكاءِ مُجِيبُ ؟
كأنِّي بِبَغدادَ وَ إِنْ كُنْتُ آمِناً *** طَرِيدُ دَمٍ نائِي المَحَلِّ غَرِيبُ
فيا لآئِمِي في حُبِّ نَجْدٍ وَ أَهلِهِ *** أصابَكَ بالأَمْرِ المُهِمِّ مُصيبُ .
وَ قال بعض العرب من نواحِي هَجَر ، و كان قد قَدِمَ العراقَ وَ أقامَ بِبغدادَ فاستوبَأَها :"كأنِّي بِبَغدادَ وَ إِنْ كُنْتُ آمِناً *** طَرِيدُ دَمٍ نائِي المَحَلِّ غَرِيبُ
فيا لآئِمِي في حُبِّ نَجْدٍ وَ أَهلِهِ *** أصابَكَ بالأَمْرِ المُهِمِّ مُصيبُ .
أرى الرِيفَ يَدنُو كُلَّ يَومٍ وَ ليلَةٍ *** وَ أَزْدادُ مِنْ نجدٍ وَ صاحِبِهِ بُعدا
ألا إِنَّ بَغداداً بِلادٌ بغيضَةٌ *** إِلَيَّ وَ إِنْ كانتْ معيشَـتُها رغدا
بِلادٌ تهُبُّ الرِيحُ فيها مريضةً *** وَ تزدادُ خُبثاً حينَ تُمْطرُ أوْ تنْدى
و غيرها من أشعارِ العربِ كثير ، مِمّا يدُلّ على أنَّ نجداً هو غير العِراق على الإِطلاق ...ألا إِنَّ بَغداداً بِلادٌ بغيضَةٌ *** إِلَيَّ وَ إِنْ كانتْ معيشَـتُها رغدا
بِلادٌ تهُبُّ الرِيحُ فيها مريضةً *** وَ تزدادُ خُبثاً حينَ تُمْطرُ أوْ تنْدى
وَ الكُوفَةُ أسَّـسَها و مَصَّرَها سَـيِّدُنا سَـعدُ بْنُ أبي وَقّاصٍ أحَدُ العشَـرةِ الكِبارِ المَخصُوصين بالتبْشِـيرِ بالجنَّةِ في سياقٍ واحَد رضي اللهُ عنهُم ، و البَصْرةُ بُعَيْدَ ذلك ، أيضاً في عهد الصحابة ، و بغداد بعد ذلك بنحو مائة سنة من الزمان مَصَّرَها المنصور العبّاسِيّ ...
وَ نقُولُ :"
وَ مِمّا يكفينا أيضاً في الردّ على مَنْ تلاعَبَ بِحقائقِ الواقع و التارِيخ فحاوَلَ أنْ يَصْرِفَ الأذهان عن المَعْنِيّ بِنجْدِ الدرعِيّةِ نَجْدِ فتنةِ " بن عبد الوهّاب " المَشْـؤُومة إِلى بِقاع أُخرى و بِلاد مُختلِفة لا يُطابِقُ وَصفُها ما ورد في وصفِ هؤلاءِ أهلِ الغِلْظة و الجفاء الفدّادين عند أذنابِ الإِبِل في ديار ربيعة و مُضَر مِنْ أرض نجد المعهودة .. أنَّ :
" بن بشر " و " بن غنّام " و غيرهما مِن الوهّابِيّة أنفُسِـهِم أَقَرُّوا بِفِعلِهِم
( في تأريخِهِم في كُتُبِهِم لِفِتنة زعيمِهِم وَ متبُوعِهِم " بن عبد الوهّاب " و سردِهِم لِبِدَعِهِ و شُذُوذاتِهِ الشنيعة و مظالِمِهِ وَ أتباعِهِ و أفاعِيلِهِم الإِجرامِيّة الفظيعة و غاراتِهِم الوحشِيّة و هُجوماتِهِم العدوانِيّة الغاشِمة على جيرانِهِم المُسْــلِمين و غدرِهِم بِهِم و افتراءِ إِكْفارِهِم و نبزِهِم و جُمهور الأُمّةِ المُحمّدِيّة بالشرك الأكبَر و البدعة المُخرِجة من المِلّة الإِسْـلامِيّة ، وَ استحلال دماءِهِم وَ نهبِ أموالِهِم ) .. أقَرُّوا بالفعل أنَّ كُلّ هذه القبائح و الفضائح انطلقت مِنْ نَفْس الموضِع المُعَيّن بالضبط في الحديث الشريف ، مِنْ قلب نجد هذه المعهودة لا غيرِها ، وَ يَدُلُّ على ذلك عناوين كتبهم و مقالاتِهِم و سردُهُم فيها لِلحوادِث و تسميتهم لها و لِمواقِع حدوثِها ... فأينَ يذهَبُ مَنْ بعدَهُم مِنْ أذنابِهِمْ و المُتزَلِّفين لَهُم ؟.!.؟.!.؟؟؟!!!...
وَ قُلْنا :
" فَقرن الشيطان ، هؤُلاء الذين خرجوا من نجد ، مفضُوحُونَ وَ عبَثاً يُحاوِلُونَ أنْ يَرُدُّوا ما ورد عن المعصوم الأعظم صلّى اللهُ عليه و سـلّم من التحذير من فتنتهم و يَصرِفُوا ذلك إِلى العراق ، لِيُبعِدُوا التهمة عن بِدعتِهِم و تضلِيلِهِم .. وَ قد قَدّمْنا من الأدِلّة الشرعِيّة من الأحاديث الصحيحة و المُسلّمات المشهورة من واقع تاريخِ العرب وَ لُغَتِهِم و جغرافِيّة بلادِهِم و مُسْـتفِيضِ عُرفِهِم و أشعارِهِم وَ وَقائِعِهِم و حوادِثِهِم عبر الدهور ، ما يدحضُ مُحاولاتِ قرْن الشيطان وَ تَحَجُّجَهُم وَ يُبطِلُ مزاعمهم غاية الإِبْطال ...
و نختِمُها الآنَ بدلِيلٍ لا قِبَلَ لَهُم بِرَدِّهِ ، إِلاّ أنْ يهرُبُوا إِلى حِيلة روافض الشيعة ، في إِنكارِهِم أنَّ المتعة حرامٌ إِلى يوم القيامة (بِافتِراءِهِم أنَّ تحريمها هو من عند أمير المؤمنين سيّدنا عُمَر بن الخطّاب رضي الله عنهُ زاعمِين أنَّهُ مخالفٌ بذلك لِحُكْمِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه و سلّم و بيانِهِ الأخير الناسخ لِما قَبْلَهُ ) ، فيقُولُوا أنَّ تحديد ذات عرق مِنْ سيدنا عمر رضي الله عنه كذلك ، بزعم وهمهم و قُصُور علمهم ، لأنَّهُ لمْ يَبْلُغهم عن الرسُول لفظاً ... و حاشى سيِّدنا الفارُوق رضي اللهُ عنهُ من مثل هذه المخالفة الشنيعة في كِلَتَي المسْـألَتَيْن ...
و مهما يَكُنْ مِنْ أمْرٍ ، فَإِنَّ سُـنَّةَ الخُلفاءِ الراشِدين رضي اللهُ عنهم هي مِنْ سُـنَّةِ خاتَمِ النبِيّين و سيّدِ المُرْسَـلِين ، صلّى اللهُ عليه و على آلِهِ و سلّم ، وَ بيانٌ لها وَ هُو عليه الصلاة و السـلام الذي قَدْ أمَرَ باتباعها و التمسُّك بها و العضّ عليها بالنواجِذ ..
ثُمَّ الشاهد - على أيِّ حال - هو أنَّ في تحديدِ المَهَلَّين و اختلافِهِما إِثباتُ المُغايرة بين نجْدٍ و العراق ، عند الإِطلاق ، و لا مُخالِفَ لسيّدِنا عُمَر في ذلك ، فثبَتَ المُرادُ أيضاً على كِلَيِ القَولَيْن في ذاتِ عرقٍ ... ( أي سواءٌ قول من قال أنَّ تحديد مَهَلّ ذات عرق توقِيفٌ من حضرة النبِيّ عليه الصلاة و السـلام أوْ قول مَنْ قال أنَّهُ مسنونٌ عَنْ سَـيِّدنا عُمَر الفارُوق رضي الله عنهُ) .
و ذلكَ أنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليه و سلّم بيَّنَ المواقيتَ المكانِيّة للإهلالِ بالحجّ ، و بَلَغَنا تحديدُه لهذه الأماكِن و تعيينُهُ لَها صلّى اللهُ عليه و سلّم من طريق جمْعٍ من أصحابِهِ الكِرام منهُم سيّدنا عمر و ابنه عبد الله بن عمر و حبْرِ الأُمّة سيّدنا عبدُ الله ابن العبّاس و سيّدنا جابر الأنصارِيّ و غيرهم رضي الله عنهم ، وَ أجمعت الأُمّة على ذلك بلا خِلاف .
- مَهَلُّ أهلِ المدينة : ذُو الحُلَيْفة . (على نحوِ سِتّةِ أميالٍ من المدينة المنوّرة من جنوبِها و على نحوِ تسع مراحِل أو عشْرٍ من مكّة المُكرّمة ، و في حَدِّها اليوم أبيار علِيّ ) .
- مَهَلّ أهلِ الشام : الجُحفة ، و يُقالُ لها مَهْيَعة أيضاً ، و هِيَ على نحو ثلاث مراحِل من مكّة على طريق المدينة (و كذلك هي مَهَلٌّ لِمَنْ مَرَّ من نواحيها من أهل مِصر و غيرهم) .
- مَهَلُّ أهلِ اليَمَن : يَلَمْلَم (لغة ثانية في اَلَمْلَمْ و هُوَ جبَلٌ من جِبال تهامة على مرحلَتين من جنوبِ مكّة ، وَ لعلَّ السِـرَّ في عُدُول الحبيب صلّى اللهُ عليه و سَـلَّم إلى اسم يَلَمْلَم عَنْ ألَمْلَم هو ما عُهِدَ مِنْ سُـنَّتِهِ الشريفةِ أنَّهُ كان ينهى عن التطَيُّر و يُعجِبُهُ الفألُ الحسن مع الإِطمِئْنان في الإِيقان بِسَبْقِ المشِـيئَةِ الإِلهِيَّة و التسليم لقضاءِ الله تعالى وَ قدَرِهِ ... فإِنَّ المُسـافِرَ ، لا سِـيَّما الحاجُّ أحوَجُ إِلى لَمْلَمَةِ الشَـعَثِ مِنهُ إِلى إِلْمام الأَلَم ...):
- مَهَلّ أهلِ العراق : ذات عرق .
- مَهَلُّ أهل نجد : قَرْن المنازِل ( و هو أقرب المواقيت إِلى مكّة ، على نحوِ مرحلتَيْن منها ) .
وَ لا خِلاف بين العلماء في ذلك ... فظهَرَ تماماً مِنْ هذا و مِنْ كُلِّ ما سَـبَقَ بيانُهُ وَ تقَدَّمَ أنَّ نجْداً المقصود في تلك الأحاديث الشريفة ليس هو العِراقُ المعهُود كما زعمُوا بل هو نَجْدٌ ، المُقابِلُ لِلحِجازِ مِنْ مشْـرِقِهِ ، الذي أشرْنا إِليه و عرّفْناهُ آنِفاً ، هذا المعهود الذي فيه الدرعِيّة و الرياض .. فلم تبْقَ لقَرْن الشيطان حُجّة معتبرة ، إِلاّ أنْ يلجأُوا إِلى الأوهام و المُغالطات و التموِيه و التضليل ، فيَثبُت أنَّ نجْدَهُم هذا بِهِ الداء العُضال ، وَ حَسْـبُنا الله و نِعْمَ الوكيل ...
اللهُمَّ اكفِناهُم وَ أتباعَهُم وَ أشياعَهُم من الجِنِّ و الإِنْسِ وَ أشباهَهُم بِما شِـئْتَ و كيْفَ شـِئْتَ ، يا مالِكَ يَومِ الدينِ إِيّاكَ نَعبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْـتَعين . اللهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شُــرُورِهِم وَ بِكَ ندْرَاُ في نُحُورِهِم . اللهُمَ أَخْمِدْ ثائِرَهُم وَ اقْطَعْ دابِرَهُم وَ رُدَّهُم إِلى قِيمَتِهِم وَ عافِ الأُمّةَ مِنْ فِتنَتِهِم وَ طَهِرِ الأرضَ مِنْ رِجسِ ضلالاتِهِم وَ صِيالاتِهِم ...
اللهُمَّ آمين آمين يا إِلهَنا يا رَبَّ العالَمين . بفَضْلِكَ وَ رحمَتِكَ يا أرحَمَ الراحمِين .
و من أقوى الأدلة و الشواهد أيضاً أنَّهُ لَم يزل مشهوراً عبر التاريخ ، منذ أقدم عصوره على الأرض إلى الآن ، أنَّ الحِجاز سُـمِّيَ حِجازاً لأنَّهُ حجز بين نجْدٍ و تِهامَة ..
فهذا يبيّنُ موضع نجد المقصود بالضبط عند الإطلاق ، و لا يُخالفُ في هذه الحقِيقَةِ العِلْمِيَّةِ أَحَدٌ ... .
و قال الأَصْمَعِيُّ رحمه الله : " إذا خلفت عمان مُصعِدا فقد أنْجَدْتَ فلا تزالُ مَنْجِداً حتى تنزل في ثنايا ذات عرق، فإذا فعلت ذلك فقد أَتْهَمْتَ إلى البَحْرِ ، و إذا عَرَضَتْ لك الحِرارُ و أنْتَ مُنْجِدٌ فتلك الحِجازُ، و إذا تَصَوَّبْتَ من ثنايا العرج و اسْـتقبَلَكَ الأَراكُ و المرْخُ فقد أتْهَمْتَ ، وَ إِنَّما سُـمِّيَ الحِجاز حجازا لانه حَجَزَ بين تِهامَةَ وَ نَجْدٍ ..." إهـ .
فائدة :
عن " تاج اللغة وَ صَحاحِ العربِيَّة " للعلاّمة الجوهرِيّ رحمه الله :
" ... ... و داءٌ عُضالٌ و أمرٌ عُضالٌ : أي شديدٌ أعيا الأطباء. و أعْضَلَني فلانٌ : أي أعياني أمره. و قد أعْضَلَ الأمرُ : أي اشــتدَّ و اسْــتغلق. و أمرٌ مُعْضِلٌ: لا يُهْتَدى لوجهه. و المُعْضِلاتُ : الشـدائد .
الأصمعيّ : يقال : عَضَلَ الرجلُ أيْمَهُ إذا منعها من التزويج . يَعْضُلُ و يَعْضِلُ عَضْلاً. و عَضَّلْتُ عليه تعضيلاً، إذا ضيَّقت عليه في أمره و حُلتَ بينه و بين ما يريد. و عَضَّلَتِ الشاةُ تعْضيلاً : إذا نَشِبَ الولد فلم يسهُل مخرجُه، و كذلك المرأة ؛ و هي شاةٌ مُعَضِّلَةٌ و مُعَضِّلٌ أيضاً بلا هاءٍ، و غنمٌ مَعاضيلُ ... ... ... " إهــ . باختصار .
صَحاح : بِفَتْح الصاد ، هو الصحيحُ في نَفْسِـهِ أصلاً من غير حاجة إلى التصحيح و التخليص من العِلَل ، و من غير احتمال حصولها . و تأمَّل ما بين السَـلام و السليم ينجلِي لك الفرق ...
و يجوزُ أنْ يُقال للصَحاحِ صحيحاً وَ الأحوَطُ أنْ لا يُقالَ في السَـلام سليماً إلاّ نادِراً وَ مع قرينة تصرِفُ مَظَنَّةَ احتمال طُرُوء العِلَّة ... و اللهُ أعلَمُ .
ففِيما يتعلَّقُ بنفس كلام الحبيب المُصطفى صلّى اللهُ عليه و سلَّم و حديثِه الشريف المٌبارك ، لا يجوز أنْ يُوصفَ شَـيْءٌ مِنْ قَولِهِ - حاشـى - بالتضعيف و نحوه و العياذُ بالله ، بل كُل ما فيه أدنى استخفاف بأيّ شـأْنٍ مِنْ شُـؤُونِه الكريمة المُعَظَّمة لا يُشَـكُّ في كُفْرِ مُعتَقِدِهِ أو فاعِلِهِ أوْ قائِلِهِ (و لو غيرَ معتقِدٍ لهُ) ... وَ إذا قيلَ عن حديثٍ أنَّهُ ضعيف فَإِنَّما يتوجَّهُ النقدُ أو التضعيفُ وَ الإِعلالُ إلى حال الرواية أيْ طُرُقِ أسـانِيدِ الرواياتِ بحسب اختلافِها و اختلاف أحوالِ رِجالِها وَ روايَتِهِم في الضبط و العدالة و التوثيق و الضعف و نحو ذلك ... فِلْيُتنَبَّهْ وَ لْيُحذَرْ ...
وَ اللهُ أعلَم ...
منتدى الأصلين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق