استعمال القرآن الكريم كلمتي "الرب" و"الإله" دون التفريق بينهما كتفريق الوهابية

وقد استعمل القرآن الكريم "الرب" و "الإله" ولم يفرق بينهما هذا التفريق الذي تدعيه تلك الطائفة : 

۞ قال تعالى : { وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } الحديد: ٨ .
قال الطبري في تفسيره : 
( يقول تعالى ذكره: (وما لكم لا تؤمنون بالله) وما شأنكم أيها الناس لا تقرّون بوحدانية الله!، ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- يدعوكم إلى الإقرار بوحدانيته ، وقد أتاكم من الحجج على حقيقة ذلك، ما قطع عذركم، وأزال الشكّ من قلوبكم ، (وقد أخذ ميثاقكم) ، قيل: عني بذلك؛ وقد أخذ منكم ربكم ميثاقكم في صُلب آدم، بأن الله ربكم لا إله لكم سواه ) .

۞ قال تعالى : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } الأنبياء: ٢٢
فهذه الآية تبرهن على بطلان تعدد الآلهة , فلو كان في السماوات والأرض من يستحق العبادة غير الله تعالى لفسد نظامهما ومن فيهما , والمستحق للعبادة هو الرب المدبر المتصف بجميع خصائص الربوبية وليس المعبود , إذ لو كان المعبود فقط لما أفادت الآية بطلان تعدد الآلهة , إذ كان من المشاهد وجود كثير من المعبودات حول الكعبة , ومع ذلك لم يضطرب نظام الكون ولم يفسد ما فيه .

۞ قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } الأحقاف: ١٣.
قال الطبري في تفسيره :
(" ثُمَّ اسْتَقَامُوا" على تصديقهم بذلك , فلم يخلطوه بشرك، ولم يخالفوا الله في أمره ونهيه).

فالرب هنا صاحب صفات الربوبية والمعبود , فلم يفصل القرآن بينهما .

وقال الطبري في تفسير الآيات "124-126" من سورة الصافات :
(( إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ ) , يقول حين قال لقومه في بني إسرائيل: ألا تتقون الله أيها القوم، فتخافونه، وتحذرون عقوبته على عبادتكم ربا غير الله وإلهًا سواه , (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ) يقول: وتَدعون عبادة أحسن مَن قيل له خالق. وقد اختلف في معنى بَعْل، فقال بعضهم: معناه: أتدعون ربا؟ وقالوا: هي لغة لأهل اليمن معروفة فيهم.
* ذكر من قال ذلك : ....عن عكرمة، في قوله( أَتَدْعُونَ بَعْلا ) قال: إلها. .... عن عكرمة، في قوله ( أَتَدْعُونَ بَعْلا ) يقول: أتدعونربا، وهي لغة أهل اليمن، تقول: من بعل هذا الثور: أي من ربُّه؟ . .... عن مجاهد، في قوله (أَتَدْعُونَ بَعْلا ) قال: ربا. .... عن قتادة، قوله (أَتَدْعُونَ بَعْلا) قال: هذه لغة باليمانية: أتدعون ربا دون الله. .... عن السديّ، قوله ( أَتَدْعُونَ بَعْلا ) قال: ربّا...الخ) .

فاعتبر الطبري كلمة "الرب" شاملة للربوبية والألوهية .

۞ وقال تعالى على لسان سيدنا يوسف : { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }
وقال بعدها : { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } يوسف: ٣٩ – ٤٠.


فالذين عبدوهم كانوا أرباباً بالنسبة لهم .

۞ قال تعالى : { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } المؤمنون: ٩١ .

فالإله في الآية هو المتصرف المدبّر , فتعدد الآلهة يؤدّي إلى الاختلاف والتنازع وعلو كلّ منهم على الآخر , وانفراد كل واحد منهما بما خلقه , فالذي يعتقد بوجود آلهة غير الله فإنه يعتقد بوجود أرباب غير الله تعالى , فيستحيل أن يكون موحداً توحيد ربوبية .

۞ قال تعالى : {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } الأنبياء: ٩٨ - ٩٩
قال الطبري في تفسيرها :
( ولو كان ما تعبدون من دون الله آلهة ما وردوها ، بل كانت تمنع من أراد أن يوردكموها إذ كنتم لها في الدنيا عابدين ، ولكنها إذ كانت لا نفع عندها لأنفسها ولا عندها دفع ضر عنها ، فهي من أن يكون ذلك عندها لغيرها أبعد ، ومن كان كذلك كان بينا بعده من الألوهة ، وأن الإله هو الذي يقدر على ما يشاء ولا يقدر عليه شيء ، فأما من كان مقدورا عليه فغير جائز أن يكون إلها ) .

فبيّنت هذه الآية بطلان إلهية الأصنام بالاستدلال بعجزها عن نفع أنفسها , فإن الإله من كان قادراً على ما يشاء ولا يقدر عليه شيء , فلو كان معنى الإله هنا مجرد المعبود لما تمّ الاستدلال على بطلان إلهية الأصنام , فكان معنى الإله في الآية مشتملاً على معنى الرب القادر .