إشراك الوثنيين في الربوبية وإثباتها لأصنامهم :
إن الموحد في ربوبية الله تعالى يجب أن يفرده بجميع صفاتها , إلا أن المشركين كانوا يعتقدون خصائص الربوبية في أصنامهم من النفع والضر والعزة والذلة والنصر والهزيمة , وغيرها من تلك الخصائص :
۞ قال تعالى عنهم : ((أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ)) الأنبياء: ٤٣
وفي هذا الاستفهام إنكار على سبيل التوبيخ لهم على ما اعتقدوه من المَنَعَة في آلهتهم , وهو شرك في الربوبية .
قال ابن كثير في تفسيرها :
(ثم قال { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا } استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ، أي: أَلَهُم آلهة تمنعهم وتكلؤهم غيرنا؟ ليس الأمر كما توهموا , ولا كما زعموا ؛ ولهذا قال: { لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ } أي: هذه الآلهة التي استندوا إليها غير الله , لا يستطيعون نصر أنفسهم ) .
قال البقاعي في تفسيرها :
( ولما أرشد السياق إلى أن التقدير : أصحيح هذا الذي أشرنا إليه من أنه لا مانع لهم منا ، عادله بقوله إنكاراً عليهم: {أم لهم ءالهة } موصوفة بأنها { تمنعهم } نوبَ الدهر . ولما كانت جميع الرتب تحت رتبته سبحانه ، أثبت حرف الابتداء فقال محقراً لهم : { من دوننا } أي من مكروه هو تحت إرادتنا , ومن جهة غير جهتنا .
ولما كان الجواب قطعاً : ليس لهم ذلك ، وهو بمعنى الاستفهام ، استأنف الإخبار بما يؤيد هذا الجواب ، ويجوز أن يكون تعليلاً ، فقال : { لا يستطيعون } أي الآلهة التي يزعمون أنها تنفعهم ، أو هم -لأنهم لا مانع لهم من دوننا- {نصر أنفسهم} من دون إرادتنا فكيف بغيرهم ، أو يكون ذلك صفة الآلهة على طريق التهكم {ولا هم} أي الكفار أو الآلهة { منا } أي بما لنا من العظمة { يصحبون} بوجه من وجوه الصحبة حتى يصير لهم استطاعة بنا ، فانسدت عليهم أبواب الاستطاعة أصلاً ورأساً ) .
وهذا صريح في اعتقادهم الاستطاعة الاستقلالية في معبوداتهم من الأوثان والأصنام .
۞ قال تعالى: ((فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ)) هود: ١٠١
قال الطبري في تفسيره :
(يقول: فما دفعت عنهم آلهتهم التي يدعونها من دون الله ويدعونها أربابًا , من عقاب الله وعذابه إذا أحله بهم ربُّهم من شيء ، ولا ردَّت عنهم شيئًا منه..) .
۞ وقد حكى الله تعالى عن قوم سيدنا هود –عليه السلام- قولهم لنبيه : ((إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ)) هود:٥٤ .
قال الطبري في تفسيرها :
( وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول قوم هود : أنهم قالوا له ، إذ نصح لهم ودعاهم إلى توحيد الله وتصديقه ، وخلع الأوثان والبراءة منها: لا نترك عبادة آلهتنا ، وما نقول إلا أن الذي حملك على ذمِّها والنهي عن عبادتها ، أنه أصابك منها خبَلٌ من جنونٌ .
فقال هود لهم: إني أشهد الله على نفسي وأشهدكم أيضًا أيها القوم ، أني بريء مما تشركون في عبادة الله من آلهتكم وأوثانكم من دونه , (فكيدوني جميعا) ، يقول: فاحتالوا أنتم جميعًا وآلهتكم في ضري ومكروهي , (ثم لا تنظرون) ، يقول: ثم لا تؤخرون ذلك , فانظروا هل تنالونني أنتم وهم بما زعمتم أن آلهتكم نالتني به من السوء؟ ) .
۞ قال تعالى: ((وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا )) الإسراء: ١١١
قال ابن كثير في تفسيرها :
( {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} أي: ليس بذليل فيحتاج أن يكون له ولي أو وزير أو مشير، بل هو تعالى شأنه خالق الأشياء وحده لا شريك له ، ومقدرها ومدبرها بمشيئته وحده لا شريك له. قال مجاهد في قوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ } لم يحالف أحدًا ولا يبتغي نصر أحد. { وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } أي: عظِّمه وأَجِلَّه عما يقول الظالمون المعتدون علوًا كبيرًا. قال ابن جرير: ...عن القرظي أنه كان يقول في هذه الآية: { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } الآية، قال: إن اليهود والنصارى قالوا: اتخذ الله ولدًا، وقال العرب: لبيك لبيك، لا شريك لك؛ إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك. وقال الصابئون والمجوس: لولا أولياء الله لذل. فأنزل الله هذه الآية ) .
فقد ردّت هذه الآية على اعتقاد المشركين بالولد ووجود شريك له في ملكه واتخاذه الأولياء حتى لا يذل , وهذا كلّه شرك في الربوبية , وكان من عقائدهم أنّ الله تعالى أعطى الملك للأصنام فأصبحت شريكة له في ملكه , وهذه الأصنام تتصرف في هذا الملك باستقلال وتدبّره تدبيراً ذاتياً , وذلك لعجزه وعدم تمام تصرفه , فكانوا يعتقدون أنّه سبحانه أعطى أصنامهم الملك , لكنّ تصرفها في هذا الملك مستقل عن الله , سبحانه وتعالى عمّا يصفون .
۞ قال تعالى: ((وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا )) مريم:٨١
فكانوا يعتقدون فيها أنها تنصرهم وتعزّهم , وتهزم أعدائهم وتذلّهم بقدرتها الذاتية .
قال ابن كثير في تفسيرها :
( يخبر تعالى عن الكفار المشركين بربهم : أنهم اتخذوا من دونه آلهة ، لتكون تلك الآلهة {عِزًّا} يعتزون بها ويستنصرونها!!) .
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير :
( ومعنى { ليكون لهم عزاً} ليكونوا مُعزّين لهم ، أي ناصرين ، فأخبر عن الآلهة بالمصدر لتصوير اعتقاد المشركين في آلهتهم أنّهم نفس العزّ ، أي إن مجرد الانتماء لها يكسبهم عزّاً .
وأجرى على الآلهة ضمير العاقل لأنّ المشركين الذين اتخذوهم توهموهم عقلاء مدبرين) .
وقال القرطبي في تفسيرها :
( قوله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) يعني مشركي قريش. و" عِزًّا" معناه أعوانا , ومنعة يعني أولاداً. والعز المطر الجود أيضا قاله الهروي.
وظاهر الكلام أن" عِزًّا" راجع إلى الآلهة التي عبدوها من دون الله. ووحد لأنه بمعنى المصدر , أي لينالوا بها العز ويمتنعون بها من عذاب الله ) .
فاعتقدوا أنّ لها قدرة ذاتية تمنع من قدرة الله على تعذيبهم وإنزال عذابه بهم .
۞ قال تعالى: ((وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ)) يس: ٧٤
قال ابن كثير في تفسيرها :
(يقول تعالى منكرًا على المشركين في اتخاذهم الأنداد آلهة مع الله، يبتغون بذلك أن تنصرهم تلك الآلهة , وترزقهم , وتقربهم إلى الله زلفى ) .
وقال الخازن في تفسيرها :
( { واتخذوا من دون الله آلهة} يعني الأصنام { لعلهم ينصرون} أي لتمنعهم من عذاب الله ولا يكون ذلك قط { لا يستطيعون نصرهم } قال ابن عباس : لا تقدر الأصنام على نصرهم ومنعهم من العذاب )
۞ قال تعالى: ((إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا )) النساء: ١١٧
قال الطبري في تفسيرها :
(يقول جل ثناؤه: فحسب هؤلاء الذين أشركوا بالله ، وعبدوا ما عبدوا من دونه من الأوثان والأنداد ، حجّة عليهم في ضلالتهم وكفرهم وذهابهم عن قصد السبيل، أنهم يعبدون إناثًا ويدعونها آلهة وأربابًا )
۞ قال تعالى: (( أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ )) يونس : 66
قال الطبري في تفسيرها :
(يقول تعالى ذكره: ألا إن لله يا محمد كلَّ من في السموات ومن في الأرض ، ملكًا وعبيدًا ، لا مالك لشيء من ذلك سواه. يقول: فكيف يكون إلهًا معبودًا من يعبُده هؤلاء المشركون من الأوثان والأصنام، وهي لله ملك، وإنما العبادة للمالك دون المملوك، وللرب دون المربوب؟ .
(وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء)، يقول جل ثناؤه: وأيُّ شيء يتبع من يدعو من دون الله -يعني: غير الله وسواه- شركاء , ومعنى الكلام: أيُّ شيءٍ يتبع من يقول لله شركاء في سلطانه وملكه كاذبًا، والله المنفرد بملك كل شيء في سماء كان أو أرض؟
(إن يتبعون إلا الظن) ، يقول: ما يتبعون في قيلهم ذلك ودعواهم إلا الظن، يقول: إلا الشك لا اليقين
(وإن هم إلا يخرصون) ، يقول: وإن هم إلا يتقوّلون الباطل تظنِّيًا وتَخَرُّصا للإفك ، عن غير علمٍ منهم بما يقولون )
۞ قال تعالى: ((مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )) العنكبوت: ٤١
قال الطبري في تفسيرها :
(يقول تعالى ذكره: مثل الذين اتخذوا الآلهة والأوثان من دون الله أولياء يرجون نَصْرها ونفعها عند حاجتهم إليها في ضعف احتيالهم، وقبح رواياتهم، وسوء اختيارهم لأنفسهم , ( كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ ) في ضعفها ، وقلة احتيالها لنفسها ، (اتَّخَذَتْ بَيْتًا ) لنفسها ، كيما يُكِنهَا ، فلم يغن عنها شيئا عند حاجتها إليه ، فكذلك هؤلاء المشركون لم يغن عنهم حين نزل بهم أمر الله وحلّ بهم سخطه , أولياؤُهم الذين اتخذوهم من دون الله شيئا ، ولم يدفعوا عنهم ما أحلّ الله بهم من سخطه بعبادتهم إياهم ....
وقوله وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ ) يقول: إن أضعف البيوت ( لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) يقول تعالى ذكره: لو كان هؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أولياء ، يعلمون أن أولياءهم الذين اتخذوهم من دون الله في قلة غنائهم عنهم، كغناء بيت العنكبوت عنها، لكنهم يجهلون ذلك ، فيحسبون أنهم ينفعونهم , ويقرّبونهم إلى الله زلفى ) .
وقال ابن كثير في تفسيرها :
( هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله ، يرجون نصرهم ورزقهم ، ويتمسكون بهم في الشدائد، فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه ) .
وهذا واضح في اعتقادهم صفات الربوبية في معبوداتهم .
۞ قال تعالى: ((قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) الأنعام: ١٤
قال الطبري في تفسيرها :
( يقول تعالى ذكره لنبيه محمد –صلى الله عليه وسلم- :"قل" ، يا محمد، لهؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثانَ والأصنامَ، والمنكرين عليك إخلاص التوحيد لربك ، الداعين إلى عبادة الآلهة والأوثان: أشيئًا غيرَ الله تعالى ذكره:"أتخذ وليًّا" ، أستنصره وأستعينه على النوائب والحوادث ، ...عن السدي:"قل أغير الله اتخذ وليًّا" ، قال: أما"الولي" فالذي يتولَّونه ويقرّون لهبالربوبية ) .
۞ قال تعالى: ((وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ )) الأنعام: ٢٢
قال الطبري في تفسيرها :
( " ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم" ، يقول: ثم نقول إذا حشرنا هؤلاء المفترين على الله الكذب ، بادِّعائهم له في سلطانه شريكًا ، والمكذِّبين بآياته ورسله ، فجمعنا جميعهم يوم القيامة , "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون" ، أنهم لكم آلهة من دون الله افتراء وكذبًا، وتدعونهم من دونه أربابًا؟ فأتوا بهم إن كنتم صادقين !) .
۞ قال تعالى: ((هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ )) يونس: ٣٠
قال الطبري في تفسيرها :
( وأما قوله: (وردّوا إلى الله مولاهم الحق) ، فإنه يقول: ورجع هؤلاء المشركون يومئذٍ إلى الله الذي هو ربهم ومالكهم ، الحقّ لا شك فيه ، دون ما كانوا يزعمون أنهم لهم أرباب من الآلهة والأنداد ) .
۞ قال تعالى: ((وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )) آل عمران: ٢٠
قال الطبري في تفسيرها :
( يعني بذلك جل ثناؤه: "وقل"، يا محمد، " للذين أوتوا الكتاب" من اليهود والنصارى "والأميين" الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب , "أأسلمتم"، يقول: قل لهم: هل أفردتم التوحيد وأخلصتم العبادة والألوهة لرب العالمين، دون سائر الأنداد والأشراك التي تشركونها معه في عبادتكم إياهم وإقراركم بربوبيتهم ، وأنتم تعلمون أنه لا رب غيره ولا إله سواه , "فإن أسلموا"، يقول: فإن انقادوا لإفراد الوحدانية لله وإخلاص العبادة والألوهة له , "فقد اهتدوا"، يعني: فقد أصابوا سبيل الحق، وسلكوا محجة الرشد.)
* والآيات التي تنفي الضر والنفع عن آلهة المشركين إنما جاءت لبيان ضلال المشركين في اعتقادهم ذلك بها , كما أن الآيات التي تنفي شفاعة الأصنام إنما جاءت لبيان ضلال المشركين في اعتقادهم ذلك بها , فبيّنت هذه الآيات تفرد الله تعالى بذلك خلافاً لما يعتقده المشركون فيها .
۞ قال تعالى: ((يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ )) الحج: ١٢
قال ابن كثير في تفسيرها :
(وقوله: { يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ } أي: من الأصنام والأنداد، يستغيث بها ويستنصرها ويسترزقها ، وهي لا تنفعه ولا تضره ) .
فكانوا يعتقدون أنّها تنصرهم وترزقهم لا أنها شفيعة فقط , ويرون فيها النصر والرزق كما في أكثر من آية .
۞ قال تعالى: (( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)) يونس: ١٨ .
قال ابن كثير في تفسيرها :
(ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره، ظانين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتُها عند الله ، فأخبر تعالى أنها لا تنفع ولا تضر ولا تملك شيئا ولا يقع شيء مما يزعمون فيها ، ولا يكون هذا أبدا) .
۞ قال تعالى: ((لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ )) الرعد: ١٤
قال الطبري في تفسيرها :
(يقول تعالى ذكره: لله من خلقه الدعوة الحق، و"الدعوة" هي"الحق" كما أضيفت الدار إلى الآخرة في قولهولَدَارُ الآخِرَةِ) [سورة يوسف: 109]، وقد بينا ذلك فيما مضى . وإنما عنى بالدعوة الحق، توحيد الله وشهادةَ أن لا إله إلا الله , وبنحو الذي قلنا تأوله أهل التأويل.... . وقوله: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) يقول تعالى ذكره: والآلهة التي يَدْعونها المشركون أربابًا وآلهة ) .
۞ قال تعالى: ((وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ )) الصافات: ١٢٣ - ١٢٥
قال الطبري في تفسيرها :
( ( إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ ) يقول حين قال لقومه في بني إسرائيل: ألا تتقون الله أيها القوم، فتخافونه، وتحذرون عقوبته على عبادتكم ربا غير الله وإلهًا سواه (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ) يقول: وتَدعون عبادة أحسن مَن قيل له خالق) .
قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) الأعراف: ١٩٤
قال الطبري في تفسيرها :
(يقول جل ثناؤه لهؤلاء المشركين من عبدة الأوثان، موبِّخهم على عبادتهم ما لا يضرهم ولا ينفعهم من الأصنام: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ) أيها المشركون، آلهةً (مِنْ دُونِ اللَّهِ) وتعبدونها ، شركًا منكم وكفرًا بالله , (عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ) ، يقول: هم أملاك لربكم ، كما أنتم له مماليك .
فإن كنتم صادقين أنها تضر وتنفع، وأنها تستوجب منكم العبادة لنفعها إياكم ، فليستجيبوا لدعائكم إذا دعوتموهم ، فإن لم يستجيبوا لكم لأنها لا تسمع دعاءكم ، فأيقنوا بأنها لا تنفع ولا تضر; لأن الضر والنفع إنما يكونان ممن إذا سُئل سمع مسألة سائله وأعطى وأفضل، ومن إذا شكي إليه من شيء سمع، فضرّ من استحق العقوبة، ونفع من لا يستوجب الضرّ ) .
۞ قال تعالى: ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ )) الزمر: ٣٦ .
قال الطبري في تفسيرها :
(وقوله: "وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد –صلى الله عليه وسلم- : ويخوّفك هؤلاء المشركون يا محمد بالذين من دون الله من الأوثان والآلهة أن تصيبك بسوء، ببراءتك منها، وعيبك لها، والله كافيك ذلك ) .
وقال القرطبي في تفسيرها :
(قوله تعالى:" وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ" وذلك أنهم خوفوا النبي - صلى الله عليه وسلم- مضرة الأوثان ، فقالوا: أتسب آلهتنا؟ لئن لم تكف عن ذكرها لتخبلنك أو تصيبنك بسوء!!. وقال قتادة : مشى خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها بالفأس , فقال له سادنها : أحذركها يا خالد فإن لها شدة لا يقوم لها شيء!!، فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها حتى كسرها بالفأس).
فهذا دليل على اعتقادهم في أصنامهم النفع والضر دون الله تعالى , إذ خوّفوه بتلك الأصنام عندما دعاهم لإفراده تعالى بالعبادة .
۞ قال تعالى: ((وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا )) النساء: ١٧٣
قال الطبري في تفسيرها :
(وقوله : "وأما الذين استنكفوا واستكبروا" ، فإنه يعني : وأما الذين تعظموا عن الإقرار لله بالعبودة، والإذعان له بالطاعة ، واستكبروا عن التذلل لألوهته وعبادته وتسليم الربوبية والوحدانية له , "فيعذبهم عذابا أليما"، يعني: عذابا موجعا ) .
۞ قال تعالى: ((قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا )) الإسراء:٥٦.
قال الطبري في تفسيرها :
(يقول تعالى ذكره لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم- : قل يا محمد لمشركي قومك الذين يعبدون من دون الله من خلقه، ادعوا أيها القوم الذين زعمتم أنهم أرباب وآلهة من دونه عند ضرّ ينزل بكم، فانظروا هل يقدرون على دفع ذلك عنكم، أو تحويله عنكم إلى غيركم، فتدعوهم آلهة، فإنهم لا يقدرون على ذلك، ولا يملكونه، وإنما يملكه ويقدر عليه خالقكم وخالقهم ) .
۞ قال تعالى: ((وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ )) الأعراف: ١٩٧
قال ابن كثير في تفسيرها :
(خبر تعالى أنه لو اجتمعت آلهتهم كلها، ما استطاعوا خلق ذبابة، بل لو أستَلبتهم الذبابة شيئا من حَقير المطاعم وطارت، لما استطاعوا إنقاذ ذلك منها، فمن هذه صفته وحاله، كيف يعبد ليَرزُق ويستنصر؟ ) .
فبيّن –رحمه الله- أنهم كانوا يعبدونها طلباً للرزق والنصرة! فتأمل اعتقادهم فيها ..
۞ قال تعالى: ((وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا )) نوح: ٢٣
قال الماوردي في تفسيرها :
(قال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث وكان من رصاص وكانوا يحملونه على جمل أجرد ، ويسيرون معه لا يهيجونه ، حتى يكون هو الذي يبرك فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل! ، فيضربون عليه بناء وينزلون حوله ) .
۞ قال تعالى: ((إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )) العنكبوت: ١٧
قال الطبري في تفسيرها :
(وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا) يقول جلّ ثناؤه: إن أوثانكم التي تعبدونها، لا تقدر أن ترزقكم شيئا . ( فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ ) يقول: فالتمسوا عند الله الرزق لا من عند أوثانكم ، تدركوا ما تبتغون من ذلك) .
فيرى أنّهم كانوا يطلبون الرزق من عند أوثانهم , ولذلك جاء نهيهم عن ذلك , ولو كانوا يعتقدون أنّ الله تعالى وحده الرزاق ويلتمسون منه وحده الرزق , لما صح أن يأمرهم القرآن الكريم أن يلتمسوا الرزق من الله!
وقال ابن كثير في تفسيرها :
(ولهذا قال: { فَابْتَغُوا} أي: فاطلبوا { عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ } أي: لا عند غيره، فإن غيره لا يملك شيئا )
قال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" :
(وإن كان قومه لا يثبتون إلهية لغير أصنامهم كانت جملة { إن الذين تعبدون من دون الله } مستأنفة ابتدائية إبطالاً لاعتقادهم أن آلهتهم ترزقهم ، ويرجح هذا الاحتمال التفريعُ في قوله { فابتغوا عند الله الرزق } . وقد تقدم في سورة الشعراء التردد في حال إشراك قوم إبراهيم وكذلك في سورة الأنبياء . وتنكير { رِزقاً } في سياق النفي يدل على عموم نفي قدرة أصنامهم على كل رزق ولو قليلاً . وتفريع الأمر بابتغاء الرزق من الله إبطال لظنهم الرزق من أصنامهم أو تذكير بأن الرازق هو الله ، فابتغاء الرزق منه يقتضي تخصيصه بالعبادة )
فجميع ما سبق من اعتقاد المشركين خصائص الربوبية في آلهتهم , يدل دلالة قاطعة على أنهم لم يكونوا يفردون الله تعالى بالربوبية ويؤمنون له بها .
۞ قال تعالى: ((قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا )) الكهف: ٣٧ - ٣٨
قال ابن كثير في تفسيرها :
( يقول تعالى مخبرًا عما أجابه صاحبه المؤمن، واعظًا له وزاجرًا عما هو فيه من الكفر بالله والاغترار: { أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا } ؟ وهذا إنكار وتعظيم لما وقع فيه من جحود ربه ، الذي خلقه وابتدأ خلق الإنسان من طين وهو آدم، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، كما قال تعالى: { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [البقرة:280] أي: كيف تجحَدُون ربكم، ودلالته عليكم ظاهرة جلية، كل أحد يعلمها من نفسه، فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدومًا ثم وجد، وليس وجوده من نفسه ولا مستندًا إلى شيء من المخلوقات؛ لأنه بمثابته فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه، وهو الله، لا إله إلا هو، خالق كل شيء؛ ولذا قال: { لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي } أي: أنا لا أقول بمقالتك بل أعترف لله بالربوبية والوحدانية { وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا } أي: بل هو الله المعبود وحده لا شريك له ) .
فبعد أن اعتقد المشرك بالربوبية لغير الله تعالى , أشرك معه غيره في عبادته .
۞ قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) البقرة: ٢١
قال الطبري في تفسيرها :
( فأمر جل ثناؤه الفريقين -اللذين أخبر الله عن أحدهما أنه سواء عليهم أأنذروا أم لم ينذروا أنهم لا يؤمنون ، لطبعه على قلوبهم وعلى سمعهم ، وعن الآخر أنه يخادع الله والذين آمنوا بما يبدي بلسانه من قيله: آمنا بالله وباليوم الآخر، مع استبطانه خلاف ذلك، ومرض قلبه، وشكه في حقيقة ما يبدي من ذلك; وغيرهم من سائر خلقه المكلفين- بالاستكانة والخضوع له بالطاعة، وإفراد الربوبية له والعبادة دون الأوثان والأصنام والآلهة , لأنه جل ذكره هو خالقهم وخالق من قبلهم من آبائهم وأجدادهم، وخالق أصنامهم وأوثانهم وآلهتهم. فقال لهم جل ذكره: فالذي خلقكم وخلق آباءكم وأجدادكم وسائر الخلق غيركم، وهو يقدر على ضركم ونفعكم - أولى بالطاعة ممن لا يقدر لكم على نفع ولا ضر) .
۞ قال تعالى: ((فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ )) سبأ: ٤٢
قال ابن كثير في تفسيرها :
( أي: لا يقع لكم نفع ممن كنتم ترجون نفعه اليوم من الأنداد والأوثان ، التي ادخرتم عبادتها لشدائدكم وكُرَبكم، اليوم لا يملكون لكم نفعا ولا ضرا ) .
۞ و قد روى الحاكم في المستدرك وصححه وأحمد في المسند والدارمي في السنن والبيهقي في دلائل النبوة حديث إسلام ضمام وفيه عند عودته لقومه : ( فَأَتَى إِلَى بَعِيرِهِ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَكَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ بِئْسَتِ اللَّاتُ وَالْعُزَّى , قَالُوا: مَهْ يَا ضِمَامُ اتَّقِ الْبَرَصَ وَالْجُذَام!َ اتَّقِ الْجُنُونَ!! قَالَ: وَيْلَكُمْ إِنَّهُمَا وَاللَّهِ لَا يَضُرَّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ)) .
قال الهيثمي في المجمع : (ورجال أحمد موثقون) . وقد اتفق الشيخان على إخراج ورود ضمام المدينة ولم يسق واحد منهما الحديث بطوله .
۞ قال ابن كثير في السيرة النبوية عن الصحابي " راشد بن عبد ربه السلمي" :
(وقد كان راشد بن عبد ربه السلمى يعبد صنما، فرآه يوما وثعلبان يبولان عليه فقال:
ثم شد عليه فكسره ، ثم جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم , وقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ما اسمك ؟ قال: غاوى بن عبد العزى. فقال: بل أنت راشد بن عبد ربه ) .
وقد أورده أبو نعيم وأبو حاتم وابن حجر في الإصابة والصالحي في سبل الهدى والرشاد .
۞ وأورد ابن هشام في سيرته (1/266) والكلبي في "الأصنام" ص23 بلفظ قريب عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه قال :
فهو يبيّن كيف اعتقد في تلك الأوثان الربوبية .
۞ وأخرج الحاكم في المستدرك عن قرة بن إياس -رضي الله عنه- :
لما كان يوم القادسية قال المجوسي للمغيرة : بعث بالمغيرة بن شعبة إلى صاحب فارس ، فقال : «ابعثوا معي عشرة فبعثوا فشد عليه ثيابه ، ثم أخذ حجفة ، ثم انطلق حتى أتوه » ، فقال : « ألقوا لي ترسا » ، فجلس عليه فقال العلج : إنكم معاشر العرب قد عرفتم الذي حملكم على المجيء إلينا أنتم قوم لا تجدون في بلادكم من الطعام ما تشبعون منه ، فخذوا نعطيكم من الطعام حاجتكم ، فإنا قوم مجوس ، وإنا نكره قتلكم إنكم تنجسون علينا أرضنا ، فقال المغيرة : « والله ما ذاك جاء بنا ، ولكنا كنا قوما نعبد الحجارة والأوثان ، فإذا رأينا حجرا أحسن من حجر ألقيناه وأخذنا غيره ، ولا نعرف رباً , حتى بعث الله إلينا رسولا من أنفسنا ، فدعانا إلى الإسلام فاتبعناه ، ولم نجئ للطعام...الخ .
فها هو الصحابي الجليل يصرّح بأن المشركين لم يكونوا يعرفون رباً!! فكيف يقال بأن الرسل لم يخاصموا أقوامهم في الروبية؟!!
۞ وقال ابن الكلبي في "الأصنام" ص 59-60 :
( كان لطي صنم يقال له الفلس. وكان أنفا أحمر في وسط جبلهم الذي يقال له أجأ، أسود كأنه تمثال إنسان. وكانوا يعبدونه ويهدون إليه ويعترون عنده عتائرهم، ولا يأتيه خائف إلا أمن عنده، ولا يطرد أحد طريدةً فيلجأ بها إليه إلا تركت له ولم تخفر حويته.
وكانت سدنته بنو بولان. وبولان هو الذي بدأ بعبادته. فكان آخر من سدنه منهم رجل يقال له صيفي. فأطرد ناقةً خليةً لامرأةٍ من كلبٍ من بني عليمٍ، كانت جارةً لمالك بن كلثوم الشمجى، وكان شريفا. فانطلق بها حتى وقفها بفناء الفلس. وخرجت جارة مالكٍ فأخبرته بذهابه بناقتها. فركب فرساً عرياً، وأخذ رمحه، وخرج في أثره. فأدركه وهو عند الفلس، والناقة موقوفة عن الفلس. فقال له: خل سبيل ناقة جارتي! فقال: إنها لربك! قال: خل سبيلها! قال: أتخفر إلهك؟ فبوأ له الرمح، فحل عقالها وانصرف بها مالك. وأقبل السادن على الفلس، ونظر إلى مالكٍ ورفع يده وقال، وهو يشير بيده إليه:
وعدي بن حاتم يومئذ قد عتر عنده وجلس هو ونفر معه يتحدثون بما صنع مالك. وفزع لذلك عدي بن حاتم وقال: انظروا ما يصيبه في يومه هذا!!. فمضت له أيام لم يصبه شيء. فرفض عدي عبادته وعبادة الأصنام، وتنصر. فلم يزل متنصرا حتى جاء الله بالإسلام، فأسلم ) .
فانظر كيف قال السادن لمالك عن الناقة : "إنها لربك!" , ثم خاطب الصنم بقوله : "يا رب!" , وتأمّل اعتقادهم التصرف والضر في قول عدي بن حاتم قبل إسلامه : " انظروا ما يصيبه في يومه هذا!" .
۞ وقد روى الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/176) :
( عن الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي زَيْنَبَ أَبُو يُوسُفَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، يَقُولُ: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَعْبُدُ حَجَرًا، فَسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: يَا أَهْلَ الرِّحَالِ، إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ هَلَكَ فَالْتَمِسُوهُ، فَرَكِبْنَا عَلَى كُلِّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ نَطْلُبُ، إِذَا نَحْنُ بِمُنَادٍ يُنَادِي: أَنْ قَدْ وَجَدْنَا رَبَّكُمْ أَوْ شَبَهَهُ، فَجِئْنَا، فَإِذَا حَجَرٌ، فَنَحَرْنَا عَلَيْهِ الْجُزُرَ) .
يدلّ هذا على أنهم اتخذوا الأحجار أرباباً!
۞ وقال السهيلي في الروض الأنف عند كلامه على أصنام قوم نوح :
(وَذَكَرَ الطّبَرِيّ هَذَا الْمَعْنَى وَزَادَ أَنّ سُوَاعًا كَانَ ابْنَ شِيثَ , وَأَنّ يَغُوثَ كَانَ ابْنَ سُوَاعٍ , وَكَذَلِكَ يَعُوقُ وَنَسْرُ كُلّمَا هَلَكَ الْأَوّلُ صُوّرَتْ صُورَتُهُ وَعُظّمَتْ لِمَوْضِعِهِ مِنْ الدّينِ , وَلَمّا عَهِدُوا فِي دُعَائِهِ مِنْ الْإِجَابَةِ فَلَمْ يَزَالُوا هَكَذَا حَتّى خَلَفَتْ الْخُلُوفُ وَقَالُوا : مَا عَظّمَ هَؤُلَاءِ آبَاؤُنَا إلّا لِأَنّهَا تَرْزُقُ وَتَنْفَعُ وَتَضُرّ ، وَاِتّخَذُوهَا آلِهَةً ) .
۞ وقد روى الطبراني في الكبير (15411) عَنْ مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قُرَّةَ، قَالَ:
ذَهَبْتُ لأُسْلِمَ حِينَ بُعِثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُدْخِلَ مَعِيَ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً فِي الإِسْلامِ، فَأَتَيْتُ الْمَاءَ حَيْثُ مُجَمِّعِ النَّاسِ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي الْقَرْيَةِ الَّذِي يَرْعَى أَغْنَامَهُمْ، فَقَالَ: لا أَرْعَى لَكُمْ أَغْنَامَكُمْ، قَالُوا: لِمَ؟، قَالَ: يَجِيءُ الذِّئْبُ كُلَّ لَيْلَةٍ فَيَأْخُذُ الشَّاةَ، وَصَنَمُنَا هَذَا قَائِمٌ، لا يَضُرُّ وَلا يَنْفَعُ، وَلا يُغَيِّرُ وَلا يُنْكِرُ، فَرَجَعُوا، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُسْلِمُوا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا جَاءَ الرَّاعِي يَشْتَدُّ، وَهُوَ يَقُولُ: جَاءَ الْبُشْرَى، جَاءَ الْبُشْرَى، جَاءَ الذِّئْبُ فَهُوَ بَيْنَ يَدَيِ الصَّنَمِ مَقْمُوطًا، فَذَهَبْتُ مَعَهُمْ، فَقَبَّلُوهُ وَسَجَدُوا لَهُ، وَقَالُوا: هَكَذَا فَاصْنَعْ، فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَحَدَّثْتُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ:"عَبَثَ بِهِمُ الشَّيْطَانُ".
فسجودهم إليه وتقبيلهم إياه وقولهم له هكذا فاصنع , دليلٌ على أن عبادتهم لأصنامهم مترتبة على اعتقادهم فيها النفع والضر والتصرف , ولذلك وضعوا صنمهم ليحرس لهم الشياه .
۞ وقال الذهبي في تاريخ الإسلام عند ذكره أذية المشركين للنبي – صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين :
(عن هشام بن عروة، عن أبيه أنّ أبا بكر أعتق ممّن كان يعذّب في الله سبعة، فذكر منهم الزّنيرة، قال: فذهب بصرها، وكانت ممّن يعذّب في الله على الإسلام، فتأبى إلاّ الإسلام، فقال المشركون: ما أصاب بصرها إلاّ اللّات والعزّى، فقالت: كلاّ والله ما هو كذلك، فردّ الله عليها بصرها ) .
۞ وقال المسعودي في مروج الذهب عند ذكره وضع الحجر الأسود :
( فأخذ عليه الصلاة والسلام الحَجَرَ ووضعه في مكانه وقريش كلها حضور، وكان ذلك أول ما ظهر من فعله وفضائله وأحكامه .
فقال قائل ممن حضر من قريش متعجباً من فعلهم وانقيادهم إلى أصغرهم سناً: واعجباً لقوم أهل شرف ورياسة وشيوخ وكهول , عمدوا إلى أصغرهم سنا, وأقلهم مالاً، فجعلوه عليهم رئيساً وحاكماً!! أما واللات والعزى ليفوقنهم سَبْقاً، وليقسمن بينهم حظوظاً وجدوداً , وليكونَنَّ له بعد هذا اليوم شأن ونبأ عظيم.
وقد تنوزع في هذا القائل: فمن الناس من رأى أنه إبليس ظهر في ذلك اليوم في جمعهم في صورة رجل من قريش كان قد مات، وزعموا أن اللات والعزى أحيتاه لذلك المشهد، ومنهم من رأى أنه بعض رجالهم وحكمائهم ومَنْ كانت له فطنة)
۞ قال ابن إسحاق في سيرته عند باب ما نال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البلاء والجهد :
( فلما مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على الذي بعث به، وقامت بنو هاشم، وبنو المطلب دونه، وأبوا أن يسلموه، وهم من خلافه على مثل ما قومهم عليه، إلا أنهم أنفوا أن يستذلوا، ويسلموا أخاهم لمن فارقه من قومه، فلما فعلت ذلك بنو هاشم، وبنو المطلب، وعرفت قريش أنه لا سبيل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم- معهم، اجتمعوا على أن يكتبوا فيما بينهم على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم ولا ينكحوا إليهم، ولا يبايعونهم ولا يبتاعون منهم، فكتبوا صحيفة في ذلك، وكتب في الصحيفة عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وعلقوها بالكعبة، ثم عدوا على من أسلم فأوثقوهم، وآذوهم، واشتد البلاء عليهم، وعظمت الفتنة فيهم وزلزلوا زلزالاً شديداً، فخرج أبو لهب عدو الله يظاهر عليهم قريش، وقال: قد نصرت اللات والعزى يا معشر قريش...) .
۞ وقال ابن بطال في شرحه للبخاري (7/329) :
(والاستقسام: الاستفعال من قسم الرزق والحاجات، وذلك طلب أحَدِهم بالأزلام على ما قسم له فى حاجته التى يلتمسها من نجاح أو حرمان، فأبطل الله ذلك من فعلهم وأخبر أنه فسق، وإنما جعله فسقًا؛ لأنهم كانوا يستقسمون عند آلهتهم التى يعبدونها ويقولون: يا إلهنا، أخرج الحق فى ذلك، ثم يعلمون بما خرج فيه، فكان ذلك كفرًا بالله، لإضافتهم ما يكون من ذلك من صواب أو خطأ إلى أنه من قسم آلهتهم ، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن إبراهيم وإسماعيل أنهما لم يكونا يستقسمان بالأزلام، وإنما كانا يفوضان أمرهما إلى الله الذى لا يخفى عليه علم ما كان وما هو كائن؛ لأن الآلهة لا تضر ولا تنفع ).
۞ وقال الواقدي في المغازي عند إرسال أبي سفيان والمغيرة إلى ثقيف :
(قَالَ يَقُولُ شَيْخٌ مِنْ ثَقِيفٍ قَدْ بَقِيَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الشّرْكِ بَعْدُ بَقِيّةٌ : فَذَاكَ وَاَللّهِ مِصْدَاقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ إنْ قَدَرَ عَلَى هَدْمِهَا فَهُوَ مُحِقّ وَنَحْنُ مُبْطِلُونَ وَإِنْ امْتَنَعَتْ فَفِي النّفْسِ مِنْ هَذَا بَعْدُ شَيْءٌ , فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْعَاصِ: مَنّتْك نَفْسُك الْبَاطِلَ وَغَرّتْك الْغُرُورَ وَمَا الرّبّةُ ؟ وَمَا تَدْرِي الرّبّةُ مَنْ عَبَدَهَا وَمَنْ لَمْ يَعْبُدْهَا ؟ كَمَا كَانَتْ الْعُزّى مَا تَدْرِي مَنْ عَبَدَهَا وَمَنْ لَمْ يَعْبُدْهَا ، جَاءَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَحْدَهُ فَهَدَمَهَا ; وَكَذَلِك إِسَافُ وَنَائِلَةُ وَهُبَلُ وَمَنَاةُ خَرَجَ إلَيْهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَهَدَمَهَا ; وَسُوَاعٌ خَرَجَ إلَيْهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَهَدَمَهُ فَهَلْ امْتَنَعَ شَيْءٌ مِنْهُمْ ؟ قال الثقفي : إن الربة لا تشبه شيئا مما ذكرت . قال عثمان : سترى .... .
وَقَدْ خَرَجَ نِسَاءُ ثَقِيفٍ حُسّرًا يَبْكِينَ عَلَى الطّاغِيَةِ ، وَالْعَبِيدُ , وَالصّبْيَانُ , وَالرّجَالُ مُنْكَشِفُونَ , وَالْأَبْكَارُ خَرَجْنَ , فَلَمّا ضَرَبَ الْمُغِيرَةُ ضَرْبَةً بِالْمِعْوَلِ سَقَطَ مَغْشِيّا عَلَيْهِ يَرْتَكِضُ, فَصَاحَ أَهْلُ الطّائِفِ صَيْحَةً وَاحِدَةً : كَلّا زَعَمْتُمْ أَنّ الرّبّةَ لَا تَمْتَنِعُ بَلَى وَاَللّهِ لَتَمْتَنِعَنّ , وَأَقَامَ الْمُغِيرَةُ مَلِيّا وَهُوَ عَلَى حَالِهِ تِلْكَ ثُمّ اسْتَوَى جَالِسًا فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ ثَقِيفٍ ، كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ مَا مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَعْقَلُ مِنْ ثَقِيفٍ ، وَمَا مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَحْمَقُ مِنْكُمْ , وَيْحَكُمْ وَمَا اللّاتُ وَالْعُزّى ، وَمَا الرّبّةُ ؟ حَجَرٌ مِثْلُ هَذَا الْحَجَرِ ، لَا يَدْرِي مَنْ عَبَدَهُ وَمَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ وَيْحَكُمْ! أَتَسْمَعُ اللّاتُ أَوْ تُبْصِرُ أَوْ تَنْفَعُ أَوْ تَضُرّ ؟ ثُمّ هَدَمَهَا وَهَدَمَ النّاسُ مَعَهُ فَجَعَلَ السّادِنُ يَقُولُ - وَكَانَتْ سَدَنَةَ اللّاتِ مِنْ ثَقِيفٍ بَنُو الْعِجْلَانِ بْنِ عَتّابِ بْنِ مَالِكٍ . وَصَاحِبُهَا مِنْهُمْ عَتّابُ بْنُ مَالِكِ بْنِ كَعْبٍ ثُمّ بَنُوهُ بَعْدَهُ - يَقُولُ: سَتَرَوْنَ إذَا انْتَهَى إلَى أَسَاسِهَا ، يَغْضَبُ الْأَسَاسُ غَضَبًا يَخْسِفُ بِهِمْ .
فَلَمّا سَمِعَ بِذَلِكَ الْمُغِيرَةُ وَلِيَ حَفْرَ الْأَسَاسِ حَتّى بَلَغَ نِصْفَ قَامَةٍ وَانْتَهَى إلَى الْغَبْغَبِ خِزَانَتِهَا . وَانْتَزَعُوا حِلْيَتَهَا وَكُسْوَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ طِيبٍ وَمِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضّةٍ ) .
۞ وقال السهيلي في الروض الأنف عند ابْتِدَاءُ وُقُوعِ النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ :
(وَأَهْلُ نَجْرَانَ يَوْمئِذٍ عَلَى دِينِ الْعَرَبِ ، يَعْبُدُونَ نَخْلَةً طَوِيلَةً بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَهَا عِيدٌ فِي كُلّ سَنَةٍ ، إذَا كَانَ ذَلِكَ الْعِيدُ عَلّقُوا عَلَيْهَا كُلّ ثَوْبٍ حَسَنٍ وَجَدُوهُ وَحُلِيّ النّسَاءِ ثُمّ خَرَجُوا إلَيْهَا ، فَعَكَفُوا عَلَيْهَا يَوْمًا ، فَابْتَاعَ فَيْمِيون رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَابْتَاعَ صَالِحًا آخَرُ فَكَانَ فَيْمِيون إذَا قَامَ مِنْ اللّيْلِ - يَتَهَجّدُ فِي بَيْتٍ لَهُ أَسْكَنَهُ إيّاهُ سَيّدُهُ - يُصَلّي ، اسْتَسْرَجَ لَهُ الْبَيْتَ نُورًا ، حَتّى يُصْبِحَ مِنْ غَيْرِ مِصْبَاحٍ فَرَأَى ذَلِكَ سَيّدُهُ فَأَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ فَأَخْبَرَهُ بِهِ وَقَالَ لَهُ فَيْمِيون : إنّمَا أَنْتُمْ فِي بَاطِلٍ ، إنّ هَذِهِ النّخْلَةَ لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْ دَعَوْت عَلَيْهَا إلَهِي الّذِي أَعْبُدُهُ لَأَهْلَكَهَا ، وَهُوَ اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ سَيّدُهُ فَافْعَلْ فَإِنّك إنْ فَعَلْت دَخَلْنَا فِي دِينِك ، وَتَرَكْنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ . قَالَ فَقَامَ فَيْمِيون ، فَتَطَهّرَ وَصَلّى رَكْعَتَيْنِ ثُمّ دَعَا اللّهَ عَلَيْهَا ، فَأَرْسَلَ اللّهُ عَلَيْهَا رِيحًا فَجَعَفَتْهَا مِنْ أَصْلِهَا فَأَلْقَتْهَا فَاتّبَعَهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِهِ فَحَمَلَهُمْ عَلَى الشّرِيعَةِ مِنْ دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ ) .
۞ وقد ذكر ابن هشام في سيرته وابن الكلبي في "الأصنام" خروج عمرو بن لحي إلى الشام في بعض أموره , فقال ابن هشام :
(فَلَمّا قَدِمَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ - وَهُمْ وَلَدُ عِمْلَاقٍ . وَيُقَالُ عِمْلِيقُ بْنُ لَاوِذْ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ - رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ فَقَالَ لَهُمْ مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الّتِي أَرَاكُمْ تَعْبُدُونَ ؟ قَالُوا لَهُ هَذِهِ أَصْنَامٌ نَعْبُدُهَا ، فَنَسْتَمْطِرُهَا فَتُمْطِرُنَا ، و نَسْتَنْصِرُهَا فَتَنْصُرُنَا ، فَقَالَ لَهُمْ أَفَلَا تُعْطُونَنِي مِنْهَا صَنَمًا ، فَأَسِيرَ بِهِ إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ ، فَيَعْبُدُوهُ ؟ فَأَعْطَوْهُ صَنَمًا يُقَالُ لَهُ هُبَلُ فَقَدِمَ بِهِ مَكّةَ ، فَنَصَبَهُ وَأَمَرَ النّاسَ بِعِبَادَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ ) .
وبعد ذلك انتشرت الأوثان والأصنام بينهم , حتى قال شحنة بن خلف الجرهمي :
۞ وذكر ابن الكلبي في "الأصنام" ص37 عن رجل أتى بناقته إلى صنم يقال له سعد , فنفرت الإبل فأنشد الرجل :
فكانوا يرون فيه التصرف والفعل كالجمع والتشتيت المذكورين .
۞ وقال أيضاً في كتابه "الأصنام" ص28 :
( وكانت لقريش أصنام في جوف الكعبة وحولها. وكان أعظمها عندهم هبل.... . وكان في جوف الكعبة، قدامه سبعة أقدحٍ. مكتوب في أولها: "صريح" والآخر: "ملصق" فإذا شكّوا في مولود، أهدوا له هديةً، ثم ضربوا بالقداح. فإن خرج: "صريح" ألحقوه؛ وإن خرج: "ملصق"، دفعوه. وقدح على الميت؛ وقدح على النكاح؛ وثلاثة لم تفسر لى على ما كانت. فإذا اختصموا في أمرٍ أو أرادوا سفرا أو عملا، أتوه فاستقسموا بالقداح عنده. فما خرج، عملوا به وانتهوا إليه ) .
وهذا نص صريح في اعتقادهم الإدراك ومعرفة الأمور في أوثانهم .
۞ وقال أ.د.توفيق برّو في "تاريخ العرب القديم" (ص302-303) بعد أن تكلّم عن أوثان العرب بتفصيل :
( تتلخص موجبات التقديس التي كان يكرّسها الجاهليون للقوى التي عبدوها بنوعين من السلوك , فقد قدّسوها إما رغبة وإمّا رهبة) .
وقال أيضاً :
( أمّا التي اعتقدوا فيها الخير من الآلهة , فقد عبدوها رغبة في نوال خيرها ونفعها . وإن رجاء الإنسان الخير من آلهته , أمر معروف عند جميع الأمم القديمة , وليس أدلّ على ذلك من أنّ هذه الشعوب كانت تصطحب معها تماثيل آلهتها في الحرب , كي تنصرها على أعدائها .
وعمرو بن لحي الخزاعي جلب الأصنام من الشام لأن عَبَدتها أفهموه أنّهم يستسقون بها المطر, وييستنصرون بها على أعدائهم .
وكذلك فعل أبو سفيان بن حرب في موقعة أحد , إذ اصطحب كلاً من اللات والعزى , ليستنصر بها على المسلمين .
وكان للأنباط والتدمريين آلهة لحماية تجارتهم , يرجون منها أن تبارك أعمالهم التجارية , وتأتي لهم بالربح الوفير .
وكذلك كان لعرب الجاهلية في شبه الجزيرة تقاليد مماثلة , إذ كانوا ينذرون لآلهتم النذور , ويطلبون منها أن تبارك قوافلهم التجارية , وتحفظها عند رحيلها , كما يقدمون لها القرابين عند عودتها سالمة إعراباً عن شكرهم لها إذ حفظتهم من الأذى .
كما أن للجاهليين حاجات أخرى يتوخون أن تقضيها لهم آلهتهم , أن تمنحهم الصحة , وتقيهم من الأمراض , وتحفظ لهم أطفالهم , وأن توفقهم في أعمالهم وتوفر لهم أسباب الرزق والمعيشة..الخ) .
فهذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تبرهن على اعتقاد المشركين في أصنامهم خصائص الربوبية من النفع والضر والتصرف وغيرها , ولهذا فقد حاد ابن تيمية عن الصواب في قوله :
(وَمَا اعْتَقَدَ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَطُّ أَنَّ الْأَصْنَامَ هِيَ الَّتِي تُنْزِلُ الْغَيْثَ وَتَرْزُقُ الْعَالَمَ وَتُدَبِّرُهُ!!). (مجموعة الفتاوى ج1) .
۞ وقد كان اعتقاد المشركين في آلهتهم أن لها شفاعة نافذة عند الله ومحتمة عليه لا يستيطع أن يردّها , بحكم شراكتهم لله تعالى :
- قال تعالى: ((وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ )) الأنعام: ٩٤
قال الطبري في تفسيرها :
(عن السدي: أما قوله:"وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء"، فإن المشركين كانوا يزعمون أنهم كانوا يعبدُون الآلهة، لأنهم شفعاء يشفعون لهم عند الله، وأنّ هذه الآلهة شركاءُ لله... .
عن عكرمة قال: قال النضر بن الحارث:"سوف تشفع لي اللات والعزَّى"! فنزلت هذه الآية..) .
وقال ابن الجوزي في زاد المسير :
( و {زعمتم أنهم فيكم } أي : عندكم شركاء , وقال ابن قتيبة : زعمتم أنهم لي في خلقكم شركاء ) .
فكيف يكون موحّداً من اعتقد في الأصنام الشفاعة ومشاركة الله تعالى ؟!
- قال تعالى: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ )) البقرة: ٢٥٥
- قال تعالى: ((وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ )) يونس: ١٨ .
- قال تعالى: ((يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا )) طه:١٠٩
- قال تعالى: ((وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ )) سبأ: ٢٣
- قال تعالى: (( لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا)) مريم: ٨٧
- قال تعالى: ((أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ )) يس: ٢٣
فهذه وغيرها من الآيات تدل على أن شفاعة هذه المعبودات غير نافذة وواجبة على الله تعالى , فلا تكون الشفاعة إلا بإذنه لمن ارتضى , خلافاً لاعتقاد المشركين بالشفاعة الملزمة المحتمة , وهي من الأفعال وخصائص الربوبية التي أثبتوها لمعبوداتهم .
قال الهيثمي في المجمع : (ورجال أحمد موثقون) . وقد اتفق الشيخان على إخراج ورود ضمام المدينة ولم يسق واحد منهما الحديث بطوله .
۞ قال ابن كثير في السيرة النبوية عن الصحابي " راشد بن عبد ربه السلمي" :
(وقد كان راشد بن عبد ربه السلمى يعبد صنما، فرآه يوما وثعلبان يبولان عليه فقال:
أرب يبول الثعلبان برأسه **** لقد ذل من بالت عليه الثعالب !
ثم شد عليه فكسره ، ثم جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم , وقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ما اسمك ؟ قال: غاوى بن عبد العزى. فقال: بل أنت راشد بن عبد ربه ) .
وقد أورده أبو نعيم وأبو حاتم وابن حجر في الإصابة والصالحي في سبل الهدى والرشاد .
۞ وأورد ابن هشام في سيرته (1/266) والكلبي في "الأصنام" ص23 بلفظ قريب عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه قال :
( أَرَبّا وَاحِدًا أَمْ أَلْفَ رَبّ ***** أَدِينُ , إذَا تُقُسّمَتْ الْأُمُورُ؟
عَزَلْتُ اللّاتَ وَالْعُزّى جَمِيعًا كَذَلِكَ يَفْعَلُ الْجَلْدُ الصّبُورُ
فَلَا الْعُزّى أَدِينُ وَلَا ابْنَتَيْهَا وَلَا صَنَمَيْ بَنِي عَمْرٍو أَزُورُ
وَلَا هُبَلًا أَدِينُ -وَكَانَ رَبّا ***** لَنَا فِي الدّهْرِ- إذْ حِلْمِي يَسِيرُ)
فَلَا الْعُزّى أَدِينُ وَلَا ابْنَتَيْهَا وَلَا صَنَمَيْ بَنِي عَمْرٍو أَزُورُ
وَلَا هُبَلًا أَدِينُ -وَكَانَ رَبّا ***** لَنَا فِي الدّهْرِ- إذْ حِلْمِي يَسِيرُ)
فهو يبيّن كيف اعتقد في تلك الأوثان الربوبية .
۞ وأخرج الحاكم في المستدرك عن قرة بن إياس -رضي الله عنه- :
لما كان يوم القادسية قال المجوسي للمغيرة : بعث بالمغيرة بن شعبة إلى صاحب فارس ، فقال : «ابعثوا معي عشرة فبعثوا فشد عليه ثيابه ، ثم أخذ حجفة ، ثم انطلق حتى أتوه » ، فقال : « ألقوا لي ترسا » ، فجلس عليه فقال العلج : إنكم معاشر العرب قد عرفتم الذي حملكم على المجيء إلينا أنتم قوم لا تجدون في بلادكم من الطعام ما تشبعون منه ، فخذوا نعطيكم من الطعام حاجتكم ، فإنا قوم مجوس ، وإنا نكره قتلكم إنكم تنجسون علينا أرضنا ، فقال المغيرة : « والله ما ذاك جاء بنا ، ولكنا كنا قوما نعبد الحجارة والأوثان ، فإذا رأينا حجرا أحسن من حجر ألقيناه وأخذنا غيره ، ولا نعرف رباً , حتى بعث الله إلينا رسولا من أنفسنا ، فدعانا إلى الإسلام فاتبعناه ، ولم نجئ للطعام...الخ .
فها هو الصحابي الجليل يصرّح بأن المشركين لم يكونوا يعرفون رباً!! فكيف يقال بأن الرسل لم يخاصموا أقوامهم في الروبية؟!!
۞ وقال ابن الكلبي في "الأصنام" ص 59-60 :
( كان لطي صنم يقال له الفلس. وكان أنفا أحمر في وسط جبلهم الذي يقال له أجأ، أسود كأنه تمثال إنسان. وكانوا يعبدونه ويهدون إليه ويعترون عنده عتائرهم، ولا يأتيه خائف إلا أمن عنده، ولا يطرد أحد طريدةً فيلجأ بها إليه إلا تركت له ولم تخفر حويته.
وكانت سدنته بنو بولان. وبولان هو الذي بدأ بعبادته. فكان آخر من سدنه منهم رجل يقال له صيفي. فأطرد ناقةً خليةً لامرأةٍ من كلبٍ من بني عليمٍ، كانت جارةً لمالك بن كلثوم الشمجى، وكان شريفا. فانطلق بها حتى وقفها بفناء الفلس. وخرجت جارة مالكٍ فأخبرته بذهابه بناقتها. فركب فرساً عرياً، وأخذ رمحه، وخرج في أثره. فأدركه وهو عند الفلس، والناقة موقوفة عن الفلس. فقال له: خل سبيل ناقة جارتي! فقال: إنها لربك! قال: خل سبيلها! قال: أتخفر إلهك؟ فبوأ له الرمح، فحل عقالها وانصرف بها مالك. وأقبل السادن على الفلس، ونظر إلى مالكٍ ورفع يده وقال، وهو يشير بيده إليه:
يا رب إن مالك بن كلثوم
أخفرك اليوم بنابٍ علكوم
وكنت قبل اليوم غير مغشوم!
يحرضه عليه.أخفرك اليوم بنابٍ علكوم
وكنت قبل اليوم غير مغشوم!
وعدي بن حاتم يومئذ قد عتر عنده وجلس هو ونفر معه يتحدثون بما صنع مالك. وفزع لذلك عدي بن حاتم وقال: انظروا ما يصيبه في يومه هذا!!. فمضت له أيام لم يصبه شيء. فرفض عدي عبادته وعبادة الأصنام، وتنصر. فلم يزل متنصرا حتى جاء الله بالإسلام، فأسلم ) .
فانظر كيف قال السادن لمالك عن الناقة : "إنها لربك!" , ثم خاطب الصنم بقوله : "يا رب!" , وتأمّل اعتقادهم التصرف والضر في قول عدي بن حاتم قبل إسلامه : " انظروا ما يصيبه في يومه هذا!" .
۞ وقد روى الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/176) :
( عن الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي زَيْنَبَ أَبُو يُوسُفَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، يَقُولُ: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَعْبُدُ حَجَرًا، فَسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: يَا أَهْلَ الرِّحَالِ، إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ هَلَكَ فَالْتَمِسُوهُ، فَرَكِبْنَا عَلَى كُلِّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ نَطْلُبُ، إِذَا نَحْنُ بِمُنَادٍ يُنَادِي: أَنْ قَدْ وَجَدْنَا رَبَّكُمْ أَوْ شَبَهَهُ، فَجِئْنَا، فَإِذَا حَجَرٌ، فَنَحَرْنَا عَلَيْهِ الْجُزُرَ) .
يدلّ هذا على أنهم اتخذوا الأحجار أرباباً!
۞ وقال السهيلي في الروض الأنف عند كلامه على أصنام قوم نوح :
(وَذَكَرَ الطّبَرِيّ هَذَا الْمَعْنَى وَزَادَ أَنّ سُوَاعًا كَانَ ابْنَ شِيثَ , وَأَنّ يَغُوثَ كَانَ ابْنَ سُوَاعٍ , وَكَذَلِكَ يَعُوقُ وَنَسْرُ كُلّمَا هَلَكَ الْأَوّلُ صُوّرَتْ صُورَتُهُ وَعُظّمَتْ لِمَوْضِعِهِ مِنْ الدّينِ , وَلَمّا عَهِدُوا فِي دُعَائِهِ مِنْ الْإِجَابَةِ فَلَمْ يَزَالُوا هَكَذَا حَتّى خَلَفَتْ الْخُلُوفُ وَقَالُوا : مَا عَظّمَ هَؤُلَاءِ آبَاؤُنَا إلّا لِأَنّهَا تَرْزُقُ وَتَنْفَعُ وَتَضُرّ ، وَاِتّخَذُوهَا آلِهَةً ) .
۞ وقد روى الطبراني في الكبير (15411) عَنْ مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قُرَّةَ، قَالَ:
ذَهَبْتُ لأُسْلِمَ حِينَ بُعِثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُدْخِلَ مَعِيَ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً فِي الإِسْلامِ، فَأَتَيْتُ الْمَاءَ حَيْثُ مُجَمِّعِ النَّاسِ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي الْقَرْيَةِ الَّذِي يَرْعَى أَغْنَامَهُمْ، فَقَالَ: لا أَرْعَى لَكُمْ أَغْنَامَكُمْ، قَالُوا: لِمَ؟، قَالَ: يَجِيءُ الذِّئْبُ كُلَّ لَيْلَةٍ فَيَأْخُذُ الشَّاةَ، وَصَنَمُنَا هَذَا قَائِمٌ، لا يَضُرُّ وَلا يَنْفَعُ، وَلا يُغَيِّرُ وَلا يُنْكِرُ، فَرَجَعُوا، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُسْلِمُوا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا جَاءَ الرَّاعِي يَشْتَدُّ، وَهُوَ يَقُولُ: جَاءَ الْبُشْرَى، جَاءَ الْبُشْرَى، جَاءَ الذِّئْبُ فَهُوَ بَيْنَ يَدَيِ الصَّنَمِ مَقْمُوطًا، فَذَهَبْتُ مَعَهُمْ، فَقَبَّلُوهُ وَسَجَدُوا لَهُ، وَقَالُوا: هَكَذَا فَاصْنَعْ، فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَحَدَّثْتُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ:"عَبَثَ بِهِمُ الشَّيْطَانُ".
فسجودهم إليه وتقبيلهم إياه وقولهم له هكذا فاصنع , دليلٌ على أن عبادتهم لأصنامهم مترتبة على اعتقادهم فيها النفع والضر والتصرف , ولذلك وضعوا صنمهم ليحرس لهم الشياه .
۞ وقال الذهبي في تاريخ الإسلام عند ذكره أذية المشركين للنبي – صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين :
(عن هشام بن عروة، عن أبيه أنّ أبا بكر أعتق ممّن كان يعذّب في الله سبعة، فذكر منهم الزّنيرة، قال: فذهب بصرها، وكانت ممّن يعذّب في الله على الإسلام، فتأبى إلاّ الإسلام، فقال المشركون: ما أصاب بصرها إلاّ اللّات والعزّى، فقالت: كلاّ والله ما هو كذلك، فردّ الله عليها بصرها ) .
۞ وقال المسعودي في مروج الذهب عند ذكره وضع الحجر الأسود :
( فأخذ عليه الصلاة والسلام الحَجَرَ ووضعه في مكانه وقريش كلها حضور، وكان ذلك أول ما ظهر من فعله وفضائله وأحكامه .
فقال قائل ممن حضر من قريش متعجباً من فعلهم وانقيادهم إلى أصغرهم سناً: واعجباً لقوم أهل شرف ورياسة وشيوخ وكهول , عمدوا إلى أصغرهم سنا, وأقلهم مالاً، فجعلوه عليهم رئيساً وحاكماً!! أما واللات والعزى ليفوقنهم سَبْقاً، وليقسمن بينهم حظوظاً وجدوداً , وليكونَنَّ له بعد هذا اليوم شأن ونبأ عظيم.
وقد تنوزع في هذا القائل: فمن الناس من رأى أنه إبليس ظهر في ذلك اليوم في جمعهم في صورة رجل من قريش كان قد مات، وزعموا أن اللات والعزى أحيتاه لذلك المشهد، ومنهم من رأى أنه بعض رجالهم وحكمائهم ومَنْ كانت له فطنة)
۞ قال ابن إسحاق في سيرته عند باب ما نال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البلاء والجهد :
( فلما مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على الذي بعث به، وقامت بنو هاشم، وبنو المطلب دونه، وأبوا أن يسلموه، وهم من خلافه على مثل ما قومهم عليه، إلا أنهم أنفوا أن يستذلوا، ويسلموا أخاهم لمن فارقه من قومه، فلما فعلت ذلك بنو هاشم، وبنو المطلب، وعرفت قريش أنه لا سبيل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم- معهم، اجتمعوا على أن يكتبوا فيما بينهم على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم ولا ينكحوا إليهم، ولا يبايعونهم ولا يبتاعون منهم، فكتبوا صحيفة في ذلك، وكتب في الصحيفة عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وعلقوها بالكعبة، ثم عدوا على من أسلم فأوثقوهم، وآذوهم، واشتد البلاء عليهم، وعظمت الفتنة فيهم وزلزلوا زلزالاً شديداً، فخرج أبو لهب عدو الله يظاهر عليهم قريش، وقال: قد نصرت اللات والعزى يا معشر قريش...) .
۞ وقال ابن بطال في شرحه للبخاري (7/329) :
(والاستقسام: الاستفعال من قسم الرزق والحاجات، وذلك طلب أحَدِهم بالأزلام على ما قسم له فى حاجته التى يلتمسها من نجاح أو حرمان، فأبطل الله ذلك من فعلهم وأخبر أنه فسق، وإنما جعله فسقًا؛ لأنهم كانوا يستقسمون عند آلهتهم التى يعبدونها ويقولون: يا إلهنا، أخرج الحق فى ذلك، ثم يعلمون بما خرج فيه، فكان ذلك كفرًا بالله، لإضافتهم ما يكون من ذلك من صواب أو خطأ إلى أنه من قسم آلهتهم ، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن إبراهيم وإسماعيل أنهما لم يكونا يستقسمان بالأزلام، وإنما كانا يفوضان أمرهما إلى الله الذى لا يخفى عليه علم ما كان وما هو كائن؛ لأن الآلهة لا تضر ولا تنفع ).
۞ وقال الواقدي في المغازي عند إرسال أبي سفيان والمغيرة إلى ثقيف :
(قَالَ يَقُولُ شَيْخٌ مِنْ ثَقِيفٍ قَدْ بَقِيَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الشّرْكِ بَعْدُ بَقِيّةٌ : فَذَاكَ وَاَللّهِ مِصْدَاقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ إنْ قَدَرَ عَلَى هَدْمِهَا فَهُوَ مُحِقّ وَنَحْنُ مُبْطِلُونَ وَإِنْ امْتَنَعَتْ فَفِي النّفْسِ مِنْ هَذَا بَعْدُ شَيْءٌ , فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْعَاصِ: مَنّتْك نَفْسُك الْبَاطِلَ وَغَرّتْك الْغُرُورَ وَمَا الرّبّةُ ؟ وَمَا تَدْرِي الرّبّةُ مَنْ عَبَدَهَا وَمَنْ لَمْ يَعْبُدْهَا ؟ كَمَا كَانَتْ الْعُزّى مَا تَدْرِي مَنْ عَبَدَهَا وَمَنْ لَمْ يَعْبُدْهَا ، جَاءَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَحْدَهُ فَهَدَمَهَا ; وَكَذَلِك إِسَافُ وَنَائِلَةُ وَهُبَلُ وَمَنَاةُ خَرَجَ إلَيْهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَهَدَمَهَا ; وَسُوَاعٌ خَرَجَ إلَيْهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَهَدَمَهُ فَهَلْ امْتَنَعَ شَيْءٌ مِنْهُمْ ؟ قال الثقفي : إن الربة لا تشبه شيئا مما ذكرت . قال عثمان : سترى .... .
وَقَدْ خَرَجَ نِسَاءُ ثَقِيفٍ حُسّرًا يَبْكِينَ عَلَى الطّاغِيَةِ ، وَالْعَبِيدُ , وَالصّبْيَانُ , وَالرّجَالُ مُنْكَشِفُونَ , وَالْأَبْكَارُ خَرَجْنَ , فَلَمّا ضَرَبَ الْمُغِيرَةُ ضَرْبَةً بِالْمِعْوَلِ سَقَطَ مَغْشِيّا عَلَيْهِ يَرْتَكِضُ, فَصَاحَ أَهْلُ الطّائِفِ صَيْحَةً وَاحِدَةً : كَلّا زَعَمْتُمْ أَنّ الرّبّةَ لَا تَمْتَنِعُ بَلَى وَاَللّهِ لَتَمْتَنِعَنّ , وَأَقَامَ الْمُغِيرَةُ مَلِيّا وَهُوَ عَلَى حَالِهِ تِلْكَ ثُمّ اسْتَوَى جَالِسًا فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ ثَقِيفٍ ، كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ مَا مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَعْقَلُ مِنْ ثَقِيفٍ ، وَمَا مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَحْمَقُ مِنْكُمْ , وَيْحَكُمْ وَمَا اللّاتُ وَالْعُزّى ، وَمَا الرّبّةُ ؟ حَجَرٌ مِثْلُ هَذَا الْحَجَرِ ، لَا يَدْرِي مَنْ عَبَدَهُ وَمَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ وَيْحَكُمْ! أَتَسْمَعُ اللّاتُ أَوْ تُبْصِرُ أَوْ تَنْفَعُ أَوْ تَضُرّ ؟ ثُمّ هَدَمَهَا وَهَدَمَ النّاسُ مَعَهُ فَجَعَلَ السّادِنُ يَقُولُ - وَكَانَتْ سَدَنَةَ اللّاتِ مِنْ ثَقِيفٍ بَنُو الْعِجْلَانِ بْنِ عَتّابِ بْنِ مَالِكٍ . وَصَاحِبُهَا مِنْهُمْ عَتّابُ بْنُ مَالِكِ بْنِ كَعْبٍ ثُمّ بَنُوهُ بَعْدَهُ - يَقُولُ: سَتَرَوْنَ إذَا انْتَهَى إلَى أَسَاسِهَا ، يَغْضَبُ الْأَسَاسُ غَضَبًا يَخْسِفُ بِهِمْ .
فَلَمّا سَمِعَ بِذَلِكَ الْمُغِيرَةُ وَلِيَ حَفْرَ الْأَسَاسِ حَتّى بَلَغَ نِصْفَ قَامَةٍ وَانْتَهَى إلَى الْغَبْغَبِ خِزَانَتِهَا . وَانْتَزَعُوا حِلْيَتَهَا وَكُسْوَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنْ طِيبٍ وَمِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضّةٍ ) .
۞ وقال السهيلي في الروض الأنف عند ابْتِدَاءُ وُقُوعِ النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ :
(وَأَهْلُ نَجْرَانَ يَوْمئِذٍ عَلَى دِينِ الْعَرَبِ ، يَعْبُدُونَ نَخْلَةً طَوِيلَةً بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَهَا عِيدٌ فِي كُلّ سَنَةٍ ، إذَا كَانَ ذَلِكَ الْعِيدُ عَلّقُوا عَلَيْهَا كُلّ ثَوْبٍ حَسَنٍ وَجَدُوهُ وَحُلِيّ النّسَاءِ ثُمّ خَرَجُوا إلَيْهَا ، فَعَكَفُوا عَلَيْهَا يَوْمًا ، فَابْتَاعَ فَيْمِيون رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَابْتَاعَ صَالِحًا آخَرُ فَكَانَ فَيْمِيون إذَا قَامَ مِنْ اللّيْلِ - يَتَهَجّدُ فِي بَيْتٍ لَهُ أَسْكَنَهُ إيّاهُ سَيّدُهُ - يُصَلّي ، اسْتَسْرَجَ لَهُ الْبَيْتَ نُورًا ، حَتّى يُصْبِحَ مِنْ غَيْرِ مِصْبَاحٍ فَرَأَى ذَلِكَ سَيّدُهُ فَأَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ فَأَخْبَرَهُ بِهِ وَقَالَ لَهُ فَيْمِيون : إنّمَا أَنْتُمْ فِي بَاطِلٍ ، إنّ هَذِهِ النّخْلَةَ لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْ دَعَوْت عَلَيْهَا إلَهِي الّذِي أَعْبُدُهُ لَأَهْلَكَهَا ، وَهُوَ اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ سَيّدُهُ فَافْعَلْ فَإِنّك إنْ فَعَلْت دَخَلْنَا فِي دِينِك ، وَتَرَكْنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ . قَالَ فَقَامَ فَيْمِيون ، فَتَطَهّرَ وَصَلّى رَكْعَتَيْنِ ثُمّ دَعَا اللّهَ عَلَيْهَا ، فَأَرْسَلَ اللّهُ عَلَيْهَا رِيحًا فَجَعَفَتْهَا مِنْ أَصْلِهَا فَأَلْقَتْهَا فَاتّبَعَهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِهِ فَحَمَلَهُمْ عَلَى الشّرِيعَةِ مِنْ دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ ) .
۞ وقد ذكر ابن هشام في سيرته وابن الكلبي في "الأصنام" خروج عمرو بن لحي إلى الشام في بعض أموره , فقال ابن هشام :
(فَلَمّا قَدِمَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ - وَهُمْ وَلَدُ عِمْلَاقٍ . وَيُقَالُ عِمْلِيقُ بْنُ لَاوِذْ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ - رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ فَقَالَ لَهُمْ مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الّتِي أَرَاكُمْ تَعْبُدُونَ ؟ قَالُوا لَهُ هَذِهِ أَصْنَامٌ نَعْبُدُهَا ، فَنَسْتَمْطِرُهَا فَتُمْطِرُنَا ، و نَسْتَنْصِرُهَا فَتَنْصُرُنَا ، فَقَالَ لَهُمْ أَفَلَا تُعْطُونَنِي مِنْهَا صَنَمًا ، فَأَسِيرَ بِهِ إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ ، فَيَعْبُدُوهُ ؟ فَأَعْطَوْهُ صَنَمًا يُقَالُ لَهُ هُبَلُ فَقَدِمَ بِهِ مَكّةَ ، فَنَصَبَهُ وَأَمَرَ النّاسَ بِعِبَادَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ ) .
وبعد ذلك انتشرت الأوثان والأصنام بينهم , حتى قال شحنة بن خلف الجرهمي :
يا عمروا إنك قد أحدثت آلهة ***** شتى بمكة حول البيت أنصاباً
وكان للبيت رب واحد أبدا ***** فقد جعلت له في الناس أرباباً .
(مروج الذهب للمسعودي 2/29)وكان للبيت رب واحد أبدا ***** فقد جعلت له في الناس أرباباً .
۞ وذكر ابن الكلبي في "الأصنام" ص37 عن رجل أتى بناقته إلى صنم يقال له سعد , فنفرت الإبل فأنشد الرجل :
( أتينا إلى سعدٍ ليجمع شملنا ***** فشتتنا سعد فلا نحن من سعد! )
.فكانوا يرون فيه التصرف والفعل كالجمع والتشتيت المذكورين .
۞ وقال أيضاً في كتابه "الأصنام" ص28 :
( وكانت لقريش أصنام في جوف الكعبة وحولها. وكان أعظمها عندهم هبل.... . وكان في جوف الكعبة، قدامه سبعة أقدحٍ. مكتوب في أولها: "صريح" والآخر: "ملصق" فإذا شكّوا في مولود، أهدوا له هديةً، ثم ضربوا بالقداح. فإن خرج: "صريح" ألحقوه؛ وإن خرج: "ملصق"، دفعوه. وقدح على الميت؛ وقدح على النكاح؛ وثلاثة لم تفسر لى على ما كانت. فإذا اختصموا في أمرٍ أو أرادوا سفرا أو عملا، أتوه فاستقسموا بالقداح عنده. فما خرج، عملوا به وانتهوا إليه ) .
وهذا نص صريح في اعتقادهم الإدراك ومعرفة الأمور في أوثانهم .
۞ وقال أ.د.توفيق برّو في "تاريخ العرب القديم" (ص302-303) بعد أن تكلّم عن أوثان العرب بتفصيل :
( تتلخص موجبات التقديس التي كان يكرّسها الجاهليون للقوى التي عبدوها بنوعين من السلوك , فقد قدّسوها إما رغبة وإمّا رهبة) .
وقال أيضاً :
( أمّا التي اعتقدوا فيها الخير من الآلهة , فقد عبدوها رغبة في نوال خيرها ونفعها . وإن رجاء الإنسان الخير من آلهته , أمر معروف عند جميع الأمم القديمة , وليس أدلّ على ذلك من أنّ هذه الشعوب كانت تصطحب معها تماثيل آلهتها في الحرب , كي تنصرها على أعدائها .
وعمرو بن لحي الخزاعي جلب الأصنام من الشام لأن عَبَدتها أفهموه أنّهم يستسقون بها المطر, وييستنصرون بها على أعدائهم .
وكذلك فعل أبو سفيان بن حرب في موقعة أحد , إذ اصطحب كلاً من اللات والعزى , ليستنصر بها على المسلمين .
وكان للأنباط والتدمريين آلهة لحماية تجارتهم , يرجون منها أن تبارك أعمالهم التجارية , وتأتي لهم بالربح الوفير .
وكذلك كان لعرب الجاهلية في شبه الجزيرة تقاليد مماثلة , إذ كانوا ينذرون لآلهتم النذور , ويطلبون منها أن تبارك قوافلهم التجارية , وتحفظها عند رحيلها , كما يقدمون لها القرابين عند عودتها سالمة إعراباً عن شكرهم لها إذ حفظتهم من الأذى .
كما أن للجاهليين حاجات أخرى يتوخون أن تقضيها لهم آلهتهم , أن تمنحهم الصحة , وتقيهم من الأمراض , وتحفظ لهم أطفالهم , وأن توفقهم في أعمالهم وتوفر لهم أسباب الرزق والمعيشة..الخ) .
فهذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تبرهن على اعتقاد المشركين في أصنامهم خصائص الربوبية من النفع والضر والتصرف وغيرها , ولهذا فقد حاد ابن تيمية عن الصواب في قوله :
(وَمَا اعْتَقَدَ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَطُّ أَنَّ الْأَصْنَامَ هِيَ الَّتِي تُنْزِلُ الْغَيْثَ وَتَرْزُقُ الْعَالَمَ وَتُدَبِّرُهُ!!). (مجموعة الفتاوى ج1) .
۞ وقد كان اعتقاد المشركين في آلهتهم أن لها شفاعة نافذة عند الله ومحتمة عليه لا يستيطع أن يردّها , بحكم شراكتهم لله تعالى :
- قال تعالى: ((وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ )) الأنعام: ٩٤
قال الطبري في تفسيرها :
(عن السدي: أما قوله:"وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء"، فإن المشركين كانوا يزعمون أنهم كانوا يعبدُون الآلهة، لأنهم شفعاء يشفعون لهم عند الله، وأنّ هذه الآلهة شركاءُ لله... .
عن عكرمة قال: قال النضر بن الحارث:"سوف تشفع لي اللات والعزَّى"! فنزلت هذه الآية..) .
وقال ابن الجوزي في زاد المسير :
( و {زعمتم أنهم فيكم } أي : عندكم شركاء , وقال ابن قتيبة : زعمتم أنهم لي في خلقكم شركاء ) .
فكيف يكون موحّداً من اعتقد في الأصنام الشفاعة ومشاركة الله تعالى ؟!
- قال تعالى: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ )) البقرة: ٢٥٥
- قال تعالى: ((وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ )) يونس: ١٨ .
- قال تعالى: ((يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا )) طه:١٠٩
- قال تعالى: ((وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ )) سبأ: ٢٣
- قال تعالى: (( لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا)) مريم: ٨٧
- قال تعالى: ((أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ )) يس: ٢٣
فهذه وغيرها من الآيات تدل على أن شفاعة هذه المعبودات غير نافذة وواجبة على الله تعالى , فلا تكون الشفاعة إلا بإذنه لمن ارتضى , خلافاً لاعتقاد المشركين بالشفاعة الملزمة المحتمة , وهي من الأفعال وخصائص الربوبية التي أثبتوها لمعبوداتهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق